رحلة عذاب يتكبدها قاطنو قرى المنيا مع كل رحلة داخل سيارات مخصصة في الأصل لنقل البهائم والبضائع، انتهى عمرها الإفتراضي، وهي الوسيلة الوحيدة لنقلهم إلى حيث يقطنون، ويلجأ بعضهم للتسطيح هربًا من طول الإنتظار في مشهد يبعث على الخوف، وسط غياب إدارتي المواقف والمرور. وتتعدد أشكال العذاب والمعاناة، مابين جشع السائقين ومشاجراتهم وتحميلهم لعدد يفوق 3 أضعاف الحملة المقررة ، إن كان فى الأصل هناك حمولة لسيارات المواشي . رصدت الوفد حركة سير موقف سيارات قرى غرب المنيا، حيث توقفت السيارة داخل موقف عشوائى ، ينتظرها قرابة 15 شخصا بالركن الخاص بقرية "طوخ الخيل"، هرول جميعهم سريعًا إلى داخلها، إلى أن اكتمل عدد الركاب، وبينما ينتظر المواطنون السائق ليبدأ رحلته، فوجئوا بمشاجرة بينه وسائق آخر على أسبقية تحميل الركاب، لينزل جميعهم إلى سيارة أخرى، بعدما تشاجر معه سائق أخر على أسبقية الدور ، فحركة السيارات تدار داخل الموقف بعيدا عن أعين إدارة المرور ، وبنظام الفهلوة والشقاوة والفتونة . رصدت عدسة "الوفد " سوء حالة السيارة فهي مكهنة وضع الزمن بصمته الغابرة عليها، إضافة لأنها في الأصل مخصصة لنقل البهائم والبضائع، بداخلها مقعدان من الخشب، وتكسو أجولة الدقيق سطحها وجنباتها، لا تقي تلك الأجولة الركاب برودة الجو وحرارته، وفى أرضية الصندوق لم يخلو الأمر من بعض روث المواشي ومخلفات نقل البهائم ، والمضطر يركب الصعب . مع خروج السيارة من الموقف، تكدس الركاب، بعضهم فوق سطحها، والبعض يفترش أرضيتها، بينما يقف آخرون على باب مؤخرتها، لم يكتف السائق بتلك الأعداد الطافحة وقد زادت على 25 راكبًا، بل أخذ ينادي ليقل المزيد، فتعريفة الأجرة متروكة لتحديد السائقين من آن لأخر ، ومن يطالب بتعريفة المرور عليه أن يبحث عنها بعيدا عنهم ولن يجدها . وفى موقف سيارات سكة تلة كما يسميه المواطنون، يضم سيارات لأكثر من 30 قرية ونجع غرب مدينة المنيا، ويعد واحدًا من أشهر المواقف بالمحافظة وأهمها، يكتظ الموقف بسيارات ربع النقل، ويعتمد عليها جموع أهالي القرى من موظفين وطلاب مدارس وتجار، بإستثناء قرى صفط الخمار ومنشأة الدهب وتلة ، يعتمدون على الميكروباص، بعضه مكهن، وآخر غير مكهن. ويقول وليد محمود بقرية طوخ الخيل ، إن سيارات نقل الماشية هى الوسيلة الوحيدة لقاطني القرية وتوابعها والقرى المجاورة؛ لعدم توافر "الميكروباص"، وتعمل منذ 40 عامًا، ولم تعد صالحة، وتلاحقها الأعطال على الطريق من حين لآخر، ولكن الأهالى مضطرين لإستخدامها حيث لايوجد البديل . وعن معاناة المواطنين داخل تلك السيارات يقول "محمود " عقب مرور السيارة على المطبات لا يسلم مستقلوها من المعاناة والألم، خاصة السيدات والفتيات وكبار السن، كما يبطئ ويسرع السائق فجأة ما يؤرق الركاب، خاصة أن المقاعد خشبية غير مبطنة، وهي أمور لا يراعيها معظم السائقين، مضيفًا: معاناة الصيف والشتاء، التي لا يراعيها أغلب السائقين تتمثل في عدم تغطية السيارة جيدًا، بل إن بعضهم لا يضع غطاءً من الأساس، وبالتالي يصاب الركاب بنزلات برد في الشتاء، أما في الصيف فتطاردهم حرقة الشمس وتساقط العرق. ويضيف كامل سيدهم بمركز سمالوط ، أن بعض المواطنين يضطر إلى التسطيح فوق السيارات، لقلة عدد السيارات، خاصة مع تزايد أعداد طلاب المدارس، وغياب الميكروباص، إضافة إلى أنه وبعد فترة الغروب لا يعمل السائقون، وتخلو خطوط الأرياف من تلك السيارات، وبالتالي يحرص المواطنون على العودة لقراهم قبل الغروب، لكثرة عددهم يكون التسطيح السبيل الوحيد لضمان عودتهم لمنازلهم. سمعان نصيف أحد أهالي قرية زهرة التابعة لمركز المنيا ، قال أن وسيلة المواصلت التى يستقلها من قريته الى محل عمله بمدينة المنيا ، غير آدمية ولا تتوافر فيها شروط السلامة ، حيث انها عبارة عن سيارة ربع نقل ، يقوم مالكها بتحويلها الى ما يشبه الصندوق ، وتخصيصها لنقل الركاب ، على مرآى ومسمع من المسؤلين بادارة المرور التى باركت ذلك بحصولها على بونات من تلك السيارات باعتبارها ركاب رغم انها نقل خاصة بالبضائع ورؤوس الماشية وأضاف حسن متولي أحد اهالي قرية الإسماعيلية بمركز المنيا ، انهم الأكثر سوءا فى وسائل المواصلات من بين اهالى قرى المنيا ، حيث يقوم عددا من اهالى القرية بشراء سيارات الربع نقل ، وتحويلها إلى ركاب ، دون أن يقوم بتحويلها حتى إلى صندوق ، الأمر الذى يتسبب فى قتلى واصابة العديد من ابناء القرية ، نتيجة سقوطهم من أعلى السيارة خلال سيرها على الطريق الزراعى مصر أسوان ، بسبب عدم وجود حواجر . وأوضح سعودى فيصل ، أحد أبناء مركز مغاغة ، ان تلك السيارات غير ادمية ، وانه سبق واصدر اللواء احمد ضياء الدين محافظ المنيا الاسبق والاخير فى عهد مبارك ، قرارا بتطوير تلك السيارات حتى تكون صالحة لنقل الركاب، إلا أنه وبسبب قيام ثورة 25 من يناير ورحيل المحافظ، أصبح الوضع كما هو دون تغير" ويضيف منير بدرى أحد أهالي مركز ملوي "السائق لا يعاملنا كبشر.. وسياراته تهدر كرامتنا"، موضحًا أن جشع السائقين وأطماعهم تدفعهم لسجن الركاب داخل سياراتهم، مستغلين كثرة أعداد الركاب، وبات فرضًا أن تقل السيارة 18 شخصًا أسوة بالميكروباص، بواقع 6 على كل مقعد أساسي، واثنين على المقعد خلف كابينة القيادة، واثنين بالكابينة، و4 يقفون على الباب. وأضاف "بدر" أن بعض السائقين يستغلون طلاب المدارس بجعلهم يعتلون سطح السيارة غير مبالين بخطورة الأمر، كما أضاف أنه عند اعتراض أي راكب يكون مصيره الشتم والسباب وكلمات يكررها السائقون "مش عاجبك انزل شفلك عربية تانية ربنا ما يجعلك قطاع أرزاق". صورة أخرى للمعاناة يحكيها محمد عابدين أحد أبناء مركز ديرمواس، وهي حمل بعض الركاب لأدوات ومعدات تشغل حيزًا ليس صغيرًا داخل السيارة، موضحًا أن بعض السيدات يحملن أواني اللبن والجبن والبيض والخبز، إما لبيعه بسوق الأثنين بالمنيا، أو لتوصيله لأقاربهم، مما يتسبب في معاناة معظم الركاب، وأحيانا يتعرض الموظفين لمواقف محرجة نتيجة لتوقف السائق بشكل فجائى ، يتسبب فى إنقلاب أواني الجبن داخل السيارة وعلى ملابسهم ، الأمر الذى يضطرهم للعودة مرة أخرى لمنازلهم لتبديل الملابس . ويضيف عدد من الأهالى ، أنه بالنسبة لسيارات الميكروباص المكهنة، كالتي تعمل على خط قرية تلة، لا تختلف كثيرًا عن سيارات الربع نقل، وكانت تعليقات المواطنين وشكواهم بأن بعض السائقين يزيد صف مقعد كامل وسط المقاعد، مما يضيق المسافة بين المقاعد، ليجلس الركاب في ضيق شديد، كما أن بعض السائقين يعتبر خلف الكابينة مقعدًا آخر يعرف باسم "الضهرية"، ويطلب جلوس 3 أفراد قبل مغادرته الموقف ، كما اشتكى المواطنون من أن الميكروباص بات معظمه مكهنًا ومقاعده لا تصلح، وأبوابه لا تسمح بالغلق ما يعرض حياة بعض الركاب في المقاعد الأمامية للخطر. وصرح مصدر بإدارة مرور المنيا: سيارات الأرياف لا تخضع بشكل جيد للرقابة المرورية الكافية، وطالب بتكهين أغلبها وعدم السماح لها بالسير، مع استثناء السيارت الجديدة، وطالب أيضًا بتخصيص رجل مرور بكل موقف وقرابة 3 أفراد مرور بالمواقف الكبيرة؛ ليتمكن موظفو إدارة المواقف من محاسبة ومنع سير أي سيارة تقل ركابًا بأعداد أكثر من المتعارف عليها قانونيًّا وعرفيًّا؛ لمنع مشكلة تسطيح الركاب. وطالب المواطنون بتكثيف الرقابة على المواقف المجمعة والسيارات المخالفة وعدم السماح لها بالعمل، حتى يضطر السائقون لتغيير سياراتهم وتجديدها، ووضع لوائح منظمة لعمل السيارات داخل المواقف. وأكد إبراهيم محمد قناوي، رئيس اللجنة النقابية لعمال النقل البري بالمنيا ل"الوفد"، أن السيارات الربع نقل على خطوط الأرياف غير شرعية؛ لكونها مخصصة لنقل البهائم وليس البشر، ولابد من تخصيص سيارات ميكروباص أو سيرفيس كبديل لنقل المواطنين بشكل يحترم آدميتهم، وطالب بتخصيص قطعة أرض لعمل مجمع مواقف، حتى يتمكن موظفو إدارة المواقف من أداء دورهم الرقابي وضبط عمل السيارات.