من الموضوعي أن نعتقد أن الكتابات والتحليلات السريعة لحدث كثورة 25 يناير يمكن أن تقع في فخ التسرع والانفعال ورد الفعل، ونظرًا لأن عوامل كثيرة لم تتضح أبعادها بعد، فإن عملية الكتابة العلمية أو غيرها تشوبها الكثير من المحاذير والمخاطرة، لكن في الوقت نفسه ليس بإمكاننا أن نتجاهل كتابات مفكر اقتصادي واجتماعي في مكانة المفكر المصري الكبير سمير أمين. حيث أصدر أمين رؤيته التحليلية حول ثورة مصر ومقتضيات التغيير فى كتاب جديد صدر عن دار العين بالقاهرة وحمل عنوان "ثورة مصر" . يربط المؤلف في كتابه بين الثورة المصرية وسياقات الأزمة العالمية إلا أنه يؤكد على أن القول بأن الحل يجب أن يكون عالميا قول فاسد وخادع، فالإجابة الفعالة على التحدي تمر بمرحلة ضرورة "تفكيك" العولمة القائمة لإعادة بناء "عولمة أخرى" قائمة على أسس جديدة. ويُشير المفكر الاقتصادي إلى أن ما حدث فى مصر في يناير الماضي أكثر من مجرد انتفاضة، وأكثر من حركة احتجاج، لكنه أيضا أقل من ثورة، غير نافٍ إمكانية التحول إلى المد الثوري؛ وارتكزت الحركة في رأي أمين على عناصر أربعة هي: أولا: الشباب المُسيس عبر شبكات مرتبطة ببعضها البعض، بعيدا عن الأحزاب، وقريبا من المصادر المتعددة للمعرفة؛ ثانيا: اليسار المصري الراديكالي المُناهض للاستعمار، والمؤمن بالديمقراطية الصحيحة؛ ثالثا: تيار مستنير داخل البرجوازية المصرية، أما العنصر الرابع فهو فئات الشعب المختلفة التي خرجت في كل المحافظات والمدن. ويوضح أمين أننا بحاجة إلى فترة انتقالية طويلة؛ حتى تستطيع الثورة أن تسقط النظام فعليًا، شريطة أن تكون الفترة ديمقراطية وتسمح بتكوين كافة أشكال التنظيمات والأحزاب والنقابات بمهنتي الحرية؛ وفي خلال عامين يُمكن ترويج ثقافة سياسية مدنية علمانية ديمقراطية؛ ويرى المؤلف أن أهم خطوة هي الوقوف ولو بالتدريج ضد تعيين المجلس العسكري لشخصيات تنتمي للنظام القديم خلال مرحلة الانتقال. في حين تواجه الثورة استراتيجية ثورة مضادة، تنزعها كتلة تحالف رجعي تتكون من: الطبقة البرجوازية الداعمة للنظام السابق، وبعض التيارات الإسلامية كالتيار السلفي والوهابي المتجمد المدعوم بالمليارات من الخليج, ويضع أمين ضمن كتلة التحالف الرجعي "جماعة الإخوان"، ويؤكد على أنهم جزء من نظام السادات ومبارك، فالأخير هو الذي أعطى للجماعة ما يكاد يكون الانفراد في حق ممارسة الخطاب السياسي؛ كما أن النظام سلم الإخوان مسئوليات قيادية في "أسلمة السياسة والمجتمع" من خلال سيطرتهم على التعليم والقضاء والإعلام. فهم جزء لا يتجزأ من النظام – على حدّ تعبير سمير أمين- . ويضع أمين علامات استفهام حول المؤسسة العسكرية وأدائها خلال المرحلة الراهنة ويتساءل: "لماذا تبنى المجلس العسكري خطة أوباما لإجهاض المد الثوري؟" وتتمحور خطة واشنطن حول بقاء السلطة في أيدي الطبقة الحاكمة، وبعد إجراء "استفتاء باهت" والإعلان عن انتخابات سريعة عاجلة تضمن مساهم الإسلاميين في البرلمان واستمرار النظام وتسعى أمريكا إلى استلهام النموذج الباكستاني لتطبيقه في مصر، ويتمثل في هيمنة بورجوازية طفيلية تابعة، ونظام حكم يعلن نفسه إسلامياً تقف وراءه المؤسسة العسكرية، والتي تظهر على السطح من وقت لآخر باعتبارها رمانة الميزان. ويذكر أمين أن كثيرًا من قادة الجيش حاليا تلقوا تعليمهم وتدريبهم في أمريكا، كما أن الجيش اشترك على مدار السنوات الماضية في كثير من المناورات المشتركة مع القوات الأمريكية، وكان يقوم بالخدمات المعاونة. وانصرف الجيش عن العمليات القتالية إلى العمليات المدنية، بالإضافة إلى هطول الأموال الأمريكية (1.5 مليار دولار سنويا) على الجيش وتحوله إلى شركة يحقق أعضاء مجلس إدارتها أرباحًا طائلة، ويخصصون لأنفسهم رواتب باهظة من احتلالهم مقاعد الإدارة قبلها وهو في أصله مخطط خليجي أمريكي للحيلولة دون يقظة مصر. وفي نهاية الدراسة يُشير المؤلف إلى مرور مصر عبر مرحلتين من المد الثوري خلال القرن العشرين بدأت الأولى منذ 1919 إلى 1967 ويرى أن انقلابي يوليو 1952 ومارس 1954 ساهما في كتابة الفصل الأخير للمد الثوري الذي توقف منذ مجيء السادات حتى 2011، وخلال 40 عاما استغرق المجتمع المصري في النوم دون أن يكون له وزن في المنطقة ولا في العالم. ويُضيف المؤلف: "إننا ندخل اليوم المرحلة الثانية من المد الثوري، ويمكن أن تكون أفضل من الأولى، كما يمكن أن تلعب التوعية في ظل الظروف العالمية والمختلفة دورًا في تحقيق أهدافنا".