يستطيع معك وبخيالك أن يصنع العالم الخاص الذي لا يفهمه إلا أنت، فهو يؤدي وعليك أنت أن «تتخيل».. هذه هي نواة فكرة فن «البانتومايم» الذي وجدت فيه آلاء وشروق.. ودنيا المخرج والخلاص من عالم الصمت الذي فرض عليهن منذ أن رأت عيونهن الدنيا لكنها أبت أن تزعجهما بما يتردد في الكون. ربما كانت «فرصة لصنع أحلام ثلاث فتيات في عمر الزهور. اخترن أن ينسجن طرقاً مختلفة للعيش والتواصل مع العالم. عندما توجهنا للاستماع لكلام بنات البانتومايم الذي يعبرن عنه بلغة الإشارة كان في الذهن ذللك المفهوم المعروف عن البانتومايم وللوهلة الأولي أدركنا صلة القرابة بين هذا الفن العبقري ولغة الإشارة بالأيدي التي يتعامل بها الصم والبكم فهو نوع من فن التمثيل الصامت المؤدى من قبل فنان أو مجموعة فنانين للتعبير عن الأفكار والمشاعر والآراء عن طريق الحركة الإيحائية للجسم فقط. ورغم أن البانتومايم أصلها يوناني وتعني الإبهار بالتقليد إلا أن قدماء المصريين عرفوا هذا الفن فعندما كان الملك لا يحضر المعركة كان يعرف ما دار فيها عن طريق التمثيل الصامت عن طريق تأدية حركات تقليد بغرض التعبير، لكن هذا الفن عرف أكثر على أيدي اليونانيين، وربما عاد هذا الفن لينال شهرة واسعة في العصر الحديث واحترفه الفنان المصري أحمد نبيل كما اشتهر به في أوروبا الفنان «مارسو». وها نحن أمام ثلاث فتيات مبدعات من بنات مدرسة الأمل بالإسماعيلية استطعن بالإشارات والإيماءات أن يمنحن هذا الفن بعداً إنسانياً شديد الرقة والروعة. استطاعت آلاء تلك الفتاة التي لم تتجاوز بعد عامها الثالث عشر من قيادة فريق لتمثيل البنتوماين داخل مدرسة الأمل للصم وضعاف السمع بالإسماعيلية. كسرت آلاء وصديقاتها شروق ودنيا حاجز الصمت الذي يعيشن فيه منذ ولادتهم وشكلن فريقاً من المسرح والعروض الاستعراضية داخل مدرستهم محققات المركز الأول على مستوى الجمهورية بين مدارس الصم والبكم. أحلام وآمال ظهرت جلياً في عيون الفتيات الصغيرات وهن يتحدثن بلغة الإشارة عن سعادتهن بتقديم العروض الاستعراضية على أنغام الموسيقى التي لا يسمعونها وتلقيهن التدريب اللازم من معلمة التربية الرياضية أستاذة سمية بدوي بالمدرسة..حركات وإيماءات وخطوات منتظمة يتدرب عليها يوميا التلميذات الصغيرات تبرز معها موهبتهن. وتقول سمية بدوي مدربة الفتيات ومدرسة التربية الرياضية بالمدرسة ل«الوفد»: الصم وضعاف السمع لديهم القدرة على الاستجابة السريعة للتدريبات العملية أكثر من الدراسة النظرية. وتابعت: «هناك مجهود كبير يبذل معهم لأن التدريب يكون عن طريق العد والإشارة ومع حركة الخطوات على الأرض كما أن من بينهم من ضعاف السمع يتم تدريبهم بالذبذبة». وتابعت: «أن التدريبات تكون على تمثيل المسرحيات واسكتشات وعروض تعليمية وعروض بانتومين». بابتسامة هادئة بادرت آلاء بإيماءاتها وإشاراتها الحديث عن نفسها وهي تؤكد «أنها سعيدة بالعمل في الاستعراض والتمثيل وأن أسرتها يشجعونها على تنمية موهبتها وأنها تتمنى العمل في المحاماة رغم أن هذه المهنة تحتاج للنطق لكن أحلامها التي قد تبدو متعارضة مع قدراتها تلح عليها وتجعلها دائماً معلقة آمالها بارتداء البالطو الأسود في ساحات المحاكم لتدافع عن المظلومين وتحقيق العدالة». وبلغة الإشارة أعربت شروق رأفت الطالبة بالصف السادس الابتدائي عن سعادتها بتحقيقها مركزاً متقدماً مع زميلاتها على مستوى الجمهورية وبإيماءات وإشارات ترجمتها معلمتها قالت «أنا البنت الوحيدة بين أخواتي الأربعة. ورغم حبي للاستعراض والتمثيل إلا أنني أتمنى أن أعمل بمجال التطريز والخياطة عقب تخرجي في المدرسة». لم تختلف كثيراً طموحات دنيا عن رفيقتها شروق وأعربت هي الأخرى عن رغبتها في العمل بالتطريز والخياطة لأنها المهنة الوحيدة التي يتعلمون فنونها داخل المدرسة، وهي المجال الوحيد المتاح لفتيات الصم والبكم في سوق العمل لكن دنيا تستشعر أن الحديث عن وقت المهنة سابق لأوانه وأن كل ما يشغلها حالياً الفنون التي تتدرب عليها والاستعراضات التي تقدمها أمام المسئولين بوزارة التربية والتعليم التي تلقى قبولاً واستحساناً. وزميلاتها اللائي يعشقن ما يقدمنه من عروض ممتعة.