"على هامش قمة "حركة عدم الانحياز" في طهران سيتشاور المسؤولون الإيرانيون مع جمهوريات آسيا الوسطى في محاولة فاشلة أخرى لتقوية وضع الجمهورية الإسلامية ومواجهة ما يرونه نفوذاً أمريكياً خطراً في المنطقة." في الأشهر الأخيرة كانت مساعي طهران الدبلوماسية في آسيا الوسطى قد تخطت مستواها التقليدي على نحو بعيد. ففي مناسبات عديدة التقى مسؤولون إيرانيون مع ممثلي الجمهوريات السوفيتية السابقة في المنطقة، وكذلك على هامش قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" التي عُقدت في 6 حزيران/يونيو، وفي العديد من الفعاليات التي نظمتها "منظمة التعاون الاقتصادي" التي تخضع لنفوذ طهران، وفي اجتماعات لجنة التجارة الثنائية مع كازاخستان (حزيران/يونيو) وتركمنستان (15 تموز/يوليو) عبر تبادل الوفود، وفي منتديات اخرى ثنائية ومتعددة الأطراف. غير أن التأثير الفعلي لهذا النشاط المحموم ما يزال ضبابياَ. مخاوف من نفوذ أمريكي أكبر يشكل الانسحاب العسكري الأمريكي المزمع من أفغانستان أحد الأسباب الرئيسية وراء الدبلوماسية الإيرانية المكثفة في المنطقة. وتتفق النخب الحاكمة في إيران في اعتقادها بأن الرحيل المعلن للقوات الأمريكية هو ليس سوى غطاء للعودة إلى تعبئة استراتيجية. وحسب هذه الرؤية ربما تقرر الولاياتالمتحدة ليس البقاء في أفغانستان فحسب بل أيضاً زيادة وجودها العسكري في دول أخرى في آسيا الوسطى. وقد تعاظمت مخاوف طهران في الفترة من حزيران/يونيو إلى تموز/يوليو عندما بدأت مصادر إعلامية في آسيا الوسطى وروسيا تتداول شائعات عن المساعدة الأمريكية لحكومة طاجيكستان لقمع المتمردين المحليين وعن احتمال عودة التقارب بين واشنطن وأوزبكستان. إن إيران محبطة أيضاً بسبب إقصائها التام من الخطط الأمريكية الحديثة الخاصة بالتكامل الاقتصادي الإقليمي لأفغانستان حيث إن طهران قلقة بوجه خاص من محاولات الغرب وضع أفغانستان كطريق بري بديل يربط باكستان والهند بأسواق آسيا الوسطى وروسيا والصين. وعلى الرغم من أن ممر نقل في أفغانستان لا يبدو ممكناً على المدى القريب والمتوسط إلا أن مجرد قيام هذه الفكرة يبدو أنها قد أرعبت طهران. وبالإضافة إلى ذلك، ضعف الموقف الإقليمي الروسي بشكل خطير في 2012 - وهو المؤشر الذي تراه طهران مقلقاً بالنظر إلى رؤيتها طويلة المدى لموسكو باعتبارها جبهة مضادة للولايات المتحدة في آسيا الوسطى. على سبيل المثال في 28 حزيران/يونيو علقت أوزباكستان عضويتها في "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" التي تدعمها موسكو والتي تمثل العصب العسكري لما يُعتقد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يأمل تحقيقه بين الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تؤلف "رابطة الدول المستقلة" ألا وهو إقامة ما يسمى ب "الاتحاد الأوراسي". وفي تموز/يوليو عرضت طاجيكستان التي هي عضو آخر في "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" شروطاً غير مقبولة مبدئياً لإطالة وجود القاعدة العسكرية الروسية 201 على أرضها بما يضع مستقبل الوجود العسكري لموسكو في تلك البلاد موضع تساؤل. وقد كانت علاقات روسيا مع تركمانستان وكازاخستان متوترة أيضاً. ولذا فإن طهران قلقلة من أن يؤدي هذا التضاؤل في نفوذ موسكو إلى تقوية وضع واشنطن هناك، وهو ما دعاها إلى السعي لزيادة وجودها في المنطقة. وطهران قلقة أيضاً إزاء ما تعتبره نفوذ تركيا المتزايد في آسيا الوسطى. على سبيل المثال أصبحت المنطقة سوقاً مهمة للبضائع التركية حيث بلغ إجمالي التجارة التركية مع كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان في عام 2011 ما مجموعه 6.8 مليار دولار، أي أعلى ب 50 بالمائة من إجمالي تجارة إيران البالغة 4.1 مليار دولار مع هذه البلدان نفسها. طهران تقدم إغراءات في ظل هذه الظروف تأمل إيران أن يؤدي الحوار النشط مع جمهوريات آسيا الوسطى إلى إقناعها بأن الصداقة مع إيران أجدى من المصادمة. وقد استُخدِمت وسائل الإقناع باسلوب رقيق حتى الآن حيث عرضت طهران العديد من الجَزر لا العِصيِّ. على سبيل المثال في منتصف تموز/يوليو وافقت تركمانستان على زيادة صادراتها المستقبلية من الكهرباء والغاز للجمهورية الإسلامية. وفي حزيران/يونيو توصلت طهران إلى عدد من الاتفاقيات الاقتصادية المهمة مع كازاخستان والتي تشمل خططاً لإنهاء بناء طريق السكك الحديدية "أوزين - إتريك - جرجان" يربط كازاخستان وتركمانستان وإيران بحلول عام 2013. وفي أواخر تموز/يوليو حصلت قيرغيزستان على عرض مبدئي للانضمام إلى مشروع السكك الحديدية "إيران - أفغانستان - طاجيكستان - الصين" حيث عبَّرت طهران عن استعدادها لتمويل حصة بيشكيك [عاصمة قيرغيزستان] من مشروع البناء. بل لقد حصلت طاجيكستان على اهتمام أكبر هذا العام. ففي آذار/مارس وافقت طهران على المشاركة في بناء طريق سريع يربط الجمهورية الإسلامية بأفغانستان وطاجيكستان. وأثناء اجتماع اللجنة الاقتصادية الإيرانية الطاجيكية في 27-28 أيار/مايو توصل البدلان إلى اتفاقيات مبدئية لبناء خطوط نفط وغاز ومياه مشتركة. كما ناقشا تصدير الكهرباء الطاجيكية إلى إيران وكذلك مشاركة إيران في بناء مصفاة لتكرير النفط في طاجيكستان. وفي حزيران/يونيو قررت طهران زيادة استثماراتها في إنشاء محطة توليد الطاقة الكهرومائية "سانغتودا-2" في طاجيكستان. وعلى نطاق أوسع، لا تدّخر إيران وسعاً في اثبات أهميتها كمحور نقل إقليمي تعتبره ضرورياً لتأمين المكاسب الاقتصادية والجيوسياسية. ولأجل هذه الغاية تعزز طهران بقوة ما يسمى ب "قطارات حاويات «منظمة التعاون الاقتصادي»" على خطوط السكك الحديدية "إسلام أباد - طهران - اسطنبول" و "اسطنبول - طهران - طشقند - ألماتي" و "بندر عباس - ألماتي". وعلى مدار العامين الماضيين سعت إيران أيضاً إلى تحسين سعة القدرة الاستيعابية لكل من المسافرين وحمولات السفن على أطرافها الحدودية مع تركيا والعراق وتركمانستان وأفغانستان. الثمار ضئيلة ستواصل إيران التشاور مع دول آسيا الوسطى حول العديد من القضايا وخاصة في مجال أمن الحدود والاستقرار في أفغانستان وسهولة النقل إلى أسواق روسيا والصين. وسيكون تطوير أسواق الطاقة الإقليمية على الأرجح هو الدافع الرئيسي لدبلوماسية طهران في المنطقة على المدى القريب. وسوف تستغل طهران أيضاً اتصالاتها مع هذه الدول لإقناع الشعب الإيراني أن المحاولات الأمريكية لعزل الجمهورية الإسلامية عديمة الجدوى. ومع ذلك فإن هذه الجهود في النهاية لن تغير بشكل كبير من الاتجاهات الحالية في آسيا الوسطى ما بعد المرحلة السوفيتية. فقدرة طهران على التأثير على الوضع الإقليمي محدودة بشكل كبير. ورغم أن هذا الموقف قد جاء جزئياً نتيجة للمشاكل التي تعانيها إيران بسبب العقوبات والرغبة في تفادي توترات صريحة مع لاعبين معينين غير إقليميين (مثل روسيا وتركيا) إلا إنه يمثل دلالة على تحولات في السياسة الخارجية لحكومات آسيا الوسطى نفسها. وكما أوضح بعض المحللين فإن تلك الدول قد مرت بتغيرات هائلة في تصوراتها الذاتية خلال العقد الماضي، حيث لم تعد ترى نفسها على أنها تعيش في منطقة محصورة ومعزولة تعتمد كلية في علاقاتها مع العالم الخارجي على روسيا أو إيران. كما أن الوجود الأمريكي والصيني والتركي والعربي المتزايد هناك قد أعطى هذه الدول إحساساً بأهميتها وخيارات أوسع بكثير لانتقاء الشركاء والفرص التي لا تبدو أن إيران هي الأكثر جاذبية من بينها. ------------------------------------------------------------------- *نيكولاي كوزهانوف هو خبير في معهد الشرق الأوسط في موسكو.