يأتي رمضان، وكالعادة تنفجر في وجوهنا جميعا نافورة مسلسلات لا حصر لها بأبطالها وقصصها على مدار اليوم والساعة. وتصم الآذان عن دعاوى توزيع الإنتاج على مدار العام طلبا للجودة والإتقان، وإن كنت لا أدرى لماذا رمضان تحديدا، رغم أن هذا الشهر لم يخلق لمثل هذا. لكن والحال كذلك فلا مناص من الحديث عن الدراما في رمضان. بعد أن أدارت السينما وجهها لنجومها القدامى— باستثناء عادل إمام—اتجه الجميع للدراما التليفزيونية. فلم يعترفوا بفشلهم السينمائي، وأنهم لم يعودوا نجوما، تدر أموالا، لكنهم أتوا إلى التليفزيون ومعهم أسباب فشلهم سينمائيا، لينقلوا مساوئ أعمالهم السينمائية للدراما التليفزيونية من حكاية النجم الأوحد المتحكم في العمل والمواضيع التي تدل على سطحية أفكارها وسطحيتهم بالتبعية، وتزداد عدد الحلقات (فتش عن السبوبة)، وتزداد الإطالة بلا داع، ولا داع كذلك للقلق، فلو لم تسعفك الظروف لمشاهدة إحدى الحلقات لا تقلق ستتولى بقية الحلقات عملية تعويضك. فلن تشعر بأنه قد فاتك شئ. أذكر أني مع دراما الراحل القدير أسامة أنور عكاشة، لو صدرت مني التفاتة قصيرة بعيدا عن العمل، فالنتيجة هي فقداني لمعان كثيرة ومنطق للتالى من الأحداث. لا أعمم! فهناك أعمال قوية ساهموا بها، لكنها تظل تعد على أصابع اليد الواحدة. مع الهجوم المتتالى على ازدياد عدد الحلقات بلا داع والمط والتطويل غير المبرر، ظهرت فكرة جيدة على يد ليلى علوى حينما اقتسمت حلقات المسلسل الثلاثين لقصتين مختلفتين، وتبعتها إلهام شاهين، ولا ندرى من سيتبعها هذا العام. لكن يعيب الفكرة أن بطل العمل مصر على التواجد طوال الشهر الفضيل غير مكتفِ بالخمسة عشرة حلقة فقط. من الصعب بمكان على ناقد مطلوب منه الحياد أن يشاهد هذا الكم محافظا على ذهنه حاضرا ومتابعا جيدا للأحداث دون خلط بين عمل وآخر. والصعوبة الأخرى مع تواجد أسماء لامعة تشارك فى هذا السيرك التليفزيوني أن يهمل إحداها خشية الاتهام بالانحياز لاسم دون آخر. والأشد صعوبة لو كان هذا العمل لا يرقى للمستوى الفني، ولا يرقى لاسم بطله أو تاريخه. فهنا يظهر الوجه الحقيقي له، وإما أن يتقبل النقد، ويعترف بسوء اختياره، وأن الحماس للفكرة طغى على التنفيذ، وإما تبدأ حملات الهجوم المكثف وادعاءات بأن النقد غير بناء، وأن الناقد موجه ضده، ويريد هدمه، وأن فكرة مسلسله، لم يأت بها الاوائل، وكيف بذل جهدا خارقا في اختيار الموضوع وفريق العمل، وكيف بذل هو شخصيا مجهودا جبارا في الدخول تحت جلد الشخصية على طريقة "خدوهم بالصوت"، ناسيا أن جودة الفكرة والموضوع شيء وطريقة العرض والسرد مسألة أخرى. فمهما كانت الفكرة عميقة وقوية، لكن إن لم توضع في إطار فني قوى متماسك في سرده وسريع بلا قفز وملل فلا معنى لها. "السينما هي التاريخ" كلمة فقدت معناها. فقد ظهرت على ألسن نجومنا القدامى وتابعهم الأحدث ثم تلاهم من لا قيمة فنية لهم في سلوك ببغائي غريب دون إدراك لماذا قيلت قديما؟ وهل ما زالت تحتفظ بمعناها وقيمتها؟ قالها القدامى لأن الشريط السينمائي وقتها كان هو المصدر الوحيد لمشاهدة إبداع هذا الفنان والحكم عليه، فلم يكن للدراما التليفزيونية مكان بعد. مع ظهور الدراما التليفزيونية، وأصبح لها روادها ونجومها، أصبح هناك شريط آخر، يحمل إبداعا لا ينكر. لكن ربما بقي للسينما لغتها الخاصة وألقها الخاص بلا جدال، لكنها ليست التاريخ الوحيد للفنان. يحيى الفخراني لا يصنف سينمائيا كنجم، لكن لا أحد ينكر تألقه التليفزيوني، وأنه من علامات دراما رمضان بتنوع أعماله وثراء الشخصيات التى يلعبها من سليم البدرى في "ليالي الحلمية" إلى عبد المتعال محجوب في "لا" وسيد عبد الحفيظ في "الخروج من المأزق" وربيع الحسينى في "نصف ربيع الآخر" و سيد أوبرا في "أوبرا عايدة "، وغيرها مما لم تسعف به الذاكرة وآخرها "شيخ العرب همام"، ليصبح من الظلم أن يقال أن السينما هي التاريخ الوحيد للفنان. أكثر ما يسوؤني في هذا السيرك الدرامي أنه من المطلوب أن أصدق أحدهم في أحد أدواره التي يتقمص فيها الطبقة الكادحة والمطحونة أو أحد المقهورين المضطهدين، ثم تجده في الواقع يعادي الثورة وأهدافها وفلولي من الدرجة الأولى. كنا رواد الدراما بلا جدال وفى الدراما التاريخية كانت لنا أيام ولكن للأسف مع تخلى التليفزيون المصري عن دوره في الإنتاج، وطغيان فكرة المنتج المنفذ، توارت الأعمال خجلا من إهمال صانعيها، في مقابل ظهور قوى وكاسح للدراما التاريخية السورية. ولم يتبق لنا سوى ذقون عيرة وديكورات فقيرة وأداء بدائي واستسهال (أو استهبال) ولغة عربية أضاعها أهلها وقتلوها على أشرطة الفيديو. في تاريخنا الطويل من بداية الدعوة الإسلامية وحتى تاريخه علامات مضيئة في وسطيتها وفهمها لصحيح الدين. فأين قصص الأنبياء والصحابة والتابعين؟ أين قصص علماء المسلمين في شتى المجالات الذين أضاءوا العالم فتقدم هو وانحدرنا نحن؟! تركنا أطفالنا نهبا لقنوات الكارتون بأبطال وهميين للأسف رغم أن فى تاريخنا – وبالتبسيط – نستطيع تقديم قدوة حقيقية وقوية لأطفالنا سواء بالكارتون أ و الصلصال يجد معها خوارق تعاد بالجد والتفكير ويستطيع السير على نهجها ولكن ماذا نفعل فى مواجهة أعمال تفضل الربح واللعب على القلب ولا تناقش العقل؟! فى النهاية، رمضان شهر للعبادة والتدريب على السلوك القويم، لهذا اختر عملا أو اثنين للمشاهدة والاستمتاع وعدم التضييق. تقبل الله طاعاتنا جميعا.