لم تُعر الصحافة العربية بعكس الصحافة الإسرائيلية الاهتمام الكافي لقضية عقار "شيبرد" العائد لورثة الحاج أمين الحسيني في القدسالمحتلة. صحيفة "النهار" البيروتية طرحت على حفيدته السيدة منى الحسيني عدداً من الأسئلة حول القضية التي تحولت قضية سياسية فلسطينية - اسرائيلية. وفيما يلي النص الكامل لتقرير "النهار": خسرت عائلة الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس والزعيم الفلسطيني التاريخي، في نيسان الماضي، دعوى الالتماس التي قدمتها امام المحكمة الاسرائيلية العليا لاسترجاع منزل المفتي في حي الشيخ جراح في القدسالشرقية، المعروف ب"فندق شيبرد"، والذي استولت عليه شركة استيطانية في ثمانينات القرن المنصرم مستغلة قانونا اسرائيليا يسمح لما يسمى "حارس املاك" الغائبين التصرف بها. وقامت الشركة التي يرأسها كبير ممولي مشاريع الاستيطان، الاميركي ارفين موسوكوفيتش وبتفويض من السلطات الاسرائيلية بهدم اجزاء كبيرة من العقار، السنة الفائتة، ضمن مشروع يهدف الى بناء 120 وحدة استيطانية على مرحلتين. وعلى عكس اهتمام الاعلامين الاسرائيلي والغربي بقضية منزل المفتي، لاقت القضية، مع ما تحمله من رمزية مقدسية خاصة، تجاهلاً من الاعلام العربي عامة، لأسباب ربما كانت أولوية متابعات "الربيع العربي" أبرزها.. مثل هذا التجاهل بات المقدسيون يشكون منه بقوة مع خوضهم معارك قانونية يومية للوقوف في وجه المخططات التي تسير دون رادع في احياء القدس العربية من سلوان، وجبل الزيتون، ورأس العمود، والعيسوية الى احياء اخرى، في سياق الجهود الإسرائيلية لتغيير الوقائع الديموغرافية ولخلق طوق استيطاني يفصل البلدة القديمة من المدينة عن باقي أحياء القدسالشرقيةالمحتلة. "قضايا" النهار" تسلط الضوء على قضية "منزل المفتي" من خلال حوار مع وريثة العقار وصاحبة الدعوى القانونية حفيدة المفتي المقيمة في لندن السيدة منى الحسيني، كريمة ابنته جهاد، والتي شرحت تفاصيل القضية القانونية وأفقها، كما كان الحوار مناسبة للسؤال عن غياب العائلة الحسينية عن المشهد السياسي اليوم وعن مسائل مقدسية وفلسطينية عامة. ____________________________________________________________________________________________________________ مرّ وقت طويل على السيطرة الاسرائيلية على "شيبرد" وبيعه لشركة موسكوفيتش قبل أن تقرري كوريثة رفع الدعوى. لماذا؟ - لقد كان الملف منذ سنوات مخفياً وغامضاً بعض الشيء وفيه نوع من الضبابية. لقد أوهمنا الاحتلال أن العقار ظل تحت سيطرة ما يسمى "حارس املاك الغائبين" وان الملكية لم تتغير. وقد حاول ممثلو الورثة فحص الملف ولكنهم لم يجدوا تغيراً، او تم اخفاء معلومات عنهم وتضليلهم. خلال السنوات الخمس الأخيرة تسربت الى وسائل الاعلام نيات انشاء مستوطنة اسرائيلية على العقار فقمنا بالفحص مجدداً وكُشفت المؤامرة. لقد تم تحويل الملكية من "حارس املاك الغائبين" الى المدعو ارفين موسكوفيتش بشكل غير قانوني، دون اشهار، ودون حق الاعتراض، وبسعر بخس وفي ظروف غامضة. فبدأ العمل القانوني والسياسي. القدس مدينة محتلة وهي لا تخضع إلا للقانون الدولي، ولو كان القانون الاسرائيلي هو المعمول به على الارض. فحتى تقادم الزمن لا يشرع إجراءات إسرائيل وذهابنا الى القضاء حتى لو كان غير عادل كما هي الحال في اسرائيل كان الخطوة الضرورية من أجل استنفاد السبل وتثبيت الحق وعدم ترك الحلبة والساحة للمحتل وللمستوطنين. بمعنى آخر هل مطالبتكم من الناحية القانونية باستعادة العقار في ثمانينات القرن الماضي كانت ستؤدي الى نتيجة مغايرة؟ - الظروف تغيرت منذ الثمانينات حيث كان هناك غموض وتضليل. وكان هناك تستر على هذا الملف خصوصا حول ما كانت تنوي إسرائيل فعله بهذا العقار. وقد كشفت نيات اسرائيل الفعلية مؤخراً وتحركنا بكل قوة ولم نترك باباً إلا وطرقناه، سياسياً مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع منظمة التعاون الاسلامي، كون المفتي قائداً اسلامياً ايضاً، ومع الدول العربية والاسلامية ذات الشأن مثل الاردن مصر والسعودية والمغرب وتركيا وكذلك دول اوروبا والولايات المتحدة. وذلك للحيلولة دون استيلاء المستوطنين على العقار عبر عمل استيطاني غير شرعي. ما هو المستند القانوني الذي سمح من الوجهة الاسرائيلية لما يسمى "حارس أملاك" الغائبين بيع العقار الى شركة اسرائيلية؟ - المستند كان يدور في فلك ما يسمى "حارس الاملاك"، لقد استغل الاسرائيليون القانون الجائر الذي يتيح لاسرائيل وضع اليد ولكنه لا يجيز لهم نقل الملكية بالطريقة التي تمت. فهم يعتبرون اي ملك عربي في القدس، اصحابه باتوا غائبين، ولا توجد لديهم اوراق اقامة اسرائيلية، او هويات، من "املاك الغائبين". هذا اجراء غير قانوني وتعسفي ومنافٍ للمواثيق الدولية. لقد خالف حارس الاملاك الاجراءات القانونية، اذ لا يجوز بيع العقار إلا بعد الاشهار، وفتح المزاد العلني للبيع، واعطاء فرصة متساوية للجميع للتقدم بعرض شراء. ولو علمنا بنية البيع لقمنا نحن كعائلة ورثة بمحاولة شراء العقار بأنفسنا. وهل كانت علاقة التواصل مقطوعة بين الورثة ومستأجري المنزل الذي حوّل فندقاً فاستغل الاسرائيليون الامر؟ - لقد كان هناك وكيل على اتصال بالمستأجر. إلا ان هذا وقع في الفخ وقام ببيع "حق الايجار" وليس العقار الى شركة سويسرية ظناً منه انها شركة سياحة دولية. وكانت هذه البداية لمؤامرة طويلة اتضحت فصولها الآن فظهر لنا ان العقار كان مستهدفاً لأنه بيت المفتي. وتم التستر على النيات حتى تمكنوا من العقار. كيف ستواصلون المعركة القانونية بعد رفض الدعوى من المحكمة الاسرائيلية؟ - نحن لا نؤمن بعدالة القضاء الاسرائيلي، لكن واجبنا التاريخي يملي علينا المقارعة والمحاربة على كل الجبهات. فنحن بعدما خسرنا المعركة القضائية في "العليا". سنحاول طلب جلسة استماع موسعة من المحكمة العليا بحضور ثلاثة قضاة اضافيين حتى نستنفد كل السبل، ونحاول شراء الوقت وعدم ترك الساحة للمستوطنين وتعطيل اعمال البدء بالبناء مجدداً. سنجعل القانون و"القضايا" مصلتة على رقابهم لإخافة شركات البناء والتطوير العقاري ولجعل الاضواء السياسية والاعلامية مركزة على القضية. سنذهب بعد فحص السبل والجدوى الى القانون الدولي فورثة المفتي يحملون جنسيات اميركية وارفين موسكوفيتش اميركي ايضاً، سنذهب الى كل قضاء وفضاء حتى نحرر العقار. هل صحيح ما قيل انك، وفي حال ربحتِ الدعوى، تريدين تحويل العقار الى مركز للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين؟ وفي حال صحت المعلومة، هل من افق حقيقي امام السلام برأيك؟ - في حال كسبنا المعركة القضائية والسياسية فإننا نريد تحويل العقار مركزاً فكرياً، والقيام بوهبه الى جهة دولية او عربية اسلامية لتحويله مركزاً لحوار الثقافات والحضارات، وبث روح التسامح والحوار والسلام بين الشعوب، بدلاً من تحويله مستوطنة للحقد والكراهية والعنصرية في قلب القدس العربية. نحن نريد ان نجعل من القدس عاصمة للسلام والتسامح والمحبة وليس كما يريدها الاحتلال عاصمة للكراهية والعنصرية والبغض والحقد الصهيونيين، فالمفتي كان رجلاً عاماً وهب حياته للقضايا الوطنية والعربية والاسلامية. فهو ليس رجلاً متشبثاً بالملكيات الخاصة والرفاهيات، بل وهب حياته للعمل الاسلامي العام. ولم يكن كما وصَفوه كارهاً لليهود والشعوب بل كان مناضلاً وفياً لمبادئ الاسلام واخلاقه، الدين الحنيف المسالم وكذلك لقضية شعبه. من هذا المنطلق وبعد التشاور مع منظمة التعاون الاسلامي وجميع الورثة وابناء العائلة قررنا ان نهب البيت الى اي جهة تقوم على مبادئ الحوار والتسامح ما بين الشعوب والاديان والحضارات، لأن هذه هي رسالة القدس ودورها في الماضي والحاضر والمستقبل. هل ترين ان عصر القيادات الوطنية الفلسطينية الجامعة كالحاج أمين قد ولى الى غير رجعة خصوصا في ظل الانقسام الفلسطيني الراهن؟ - أعتقد أن المرحلة التي قادها الحاج أمين رحمه الله عليه تختلف عن المرحلة الحالية. فمنذ العام 1929 والى 1948، عندما كان الحاج أمين قائدا بلا منازع، كان الشعب الفلسطيني – في غالبيته الساحقة – لا يزال يعيش على أرضه وفي وطنه، وبالتالي لم يستطع الأعداء آنذاك - ولا حتى من ادِّعوا أنهم أصدقاء - أن يدقوا الأسافين بين الشعب وقيادته. كذلك، فقد كان الحاج أمين مناضلا مضحيا بكل ما لديه من مال خاص وفراق عن العائلة وبعد عن الوطن وتشرد وملاحقة لسنوات طوال. وبالتالي فان الشعب لم يرَ منه إلا التضحية بالغالي والرخيص للوطن، فأحبه واحترمه. وأهم من هذا وذاك أن الحاج أمين جمع بين صفتين قلما تجدهما في قائد واحد: فقد كان رجل دين ومفتيا في الشريعة الإسلامية، وفي الوقت نفسه مؤمنا بأن الوطن للجميع بمسيحييه ومسلميه، وحتى للطائفة اليهودية غير الصهيونية التي عاشت في فلسطين بسلام مع مسلميه ومسيحييه مئات السنوات. وبالفعل فقد كانت معظم القيادات المسيحية في فلسطين نصيرة للحاج أمين المفتي المسلم في نضاله ضد الاستعمار البريطاني المسيحي والحركة الصهيونية، واليوم لا توجد هاتان الصفتان – القيادة الدينية والقيادة الوطنية - مجتمعتين في شخصية واحدة كما جسدها الحاج أمين.