د.مازن النجار \n\n لا يزال النوم وآلياته وأسباب اضطرابه لغزاً كبيراً يحير الأفراد العاديين، كما يثير اهتمام العلماء والأطباء، الذين يبحثون عن إجابات أو علاجات لاضطرابات النوم التي يعاني منها مرضاهم وكثيرون غيرهم. فعلى سبيل المثال، ما الذي يجعل البعض يعانون من فرط النوم لساعات طويلة ولا يستطيعون مغالبة النعاس ليلاً أو نهاراً، بينما يعاني آخرون من القلق أثناء نومهم أو الحرمان من النوم الطبيعي في أوقات الليل، ويجدون صعوبات جمة في الإخلاد إلى الراحة أو مجرد الدخول فيها، مما يترك آثاره عليهم في صورة إرهاق مستمر خلال ساعات النهار.\nهذه الأسئلة وغيرها دفعت فريقاً من العلماء والباحثين الأميركيين بالمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتات (NINDS)، والمعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH)، والمعهد الوطني للشيخوخة (NIA)، التابعة كلها لمعاهد الصحة القومية، نحو الاهتمام بالنواحي الفسيولوجية (وظائف الأعضاء) والكيمياء الجزيئية (المركبات الكيميائية المؤثرة في الدماغ)، ودور مختلف أنواع خلايا الدماغ في النوم، وآلياته الحيوية. \nفي هذا السياق البحثي، وجدت دراسة علمية تجريبية أجريت على فئران المختبر أن الخلايا النجمية بالدماغ تسبب الرغبة في النوم التي تأتي بعد يقظة طويلة. تطلق هذه الخلايا النجمية مركباً كيميلئياً يطلق عليه اسم \"أدينوسين\"، وهو معروف بتأثيره المحفّز على النوم، والذي يعطّل عمله هذا تناول مركب الكافيين المتوفر في الشاي والقهوة والكاكاو، بحسب ما صدر عن \"معاهد الصحة القومية\".\nالسيطرة على عملية النوم\nوالمعلوم أن ملايين البشر في الولاياتالمتحدة وحدها يعانون من اضطرابات تحرمهم من النوم الليلي الكامل، وآخرون كالطيارين والجنود في المعارك، يمارسون أعمالاً يُعَدّ فيها النعاس خطراً جسيماً عليهم وعلى أدائهم لوظائفهم. في ضوء ذلك، يؤمل أن يؤدي هذا البحث إلى تصميم عقاقير أفضل لتحفيز الدماغ على النوم لدى الحاجة إليه، أو لدرء النوم والنعاس عندما يكون خطراً ماثلاً.\nأجرى هذه الدراسة فريق من الباحثين بقيادة مايكل هَلسّا وفيليب هَيْدُن بكلية طب جامعة تفتس ببوسطن، وتيد إيبل بكلية طب جامعة بنسلفانيا بفيلادلفيا، ونشرت حصيلتها بالعدد الأخير من الدورية العلمية المتخصصة \"نيورون\" أي الخلية العصبية.\nرغم أن الغاية (الفسيولوجية) المحددة للنوم غير معروفة، يبدو أن الجميع بحاجة إليه. وتشير بعض البحوث إلى أن النوم يعزز الذاكرة بواسطة تعديل الروابط بين الخلايا العصبية (العصبونات). ولدى بدء ساعة اليقظة في الدوران، تشهد كافة الحيوانات بدء رغبة متنامية في النوم، ويسمى ذلك \"ضغط النوم\". وإذا يُؤخّر النوم، يترتب على ذلك عادة نوم طويل وعميق، كوسيلة أو آلية تعويض.\nوكانت دراسات سابقة قد أشارت لمُرَكّب \"أدينوسين\" باعتباره مفتاح إطلاق ضغط النوم. يتراكم هذا المركب بالدماغ خلال ساعات اليقظة، بحيث يساعد في نهاية المطاف على تنشيط أنماط فريدة ومحددة من أنشطة الدماغ التي تحدث أثناء النوم.\nدور خلايا الدعم النجمية\nيلفت الدكتور هلسا إلى أن نتائج هذه الدراسة الجديدة تظهر أنّ مركب \"أدينوسين\" القادم من الخلايا النجمية ينظم بشكل واضح ضغط النوم. ويلاحظ أن هذه هي المرة الأولى التي تُظهر أن خلايا \"غير عصبية\" ضمن الدماغ تؤثر على السلوك. وبخلاف الخلايا العصبية أو \"العصبونات\"، فإن الخلايا النجمية لا تطلق طفرات كهربائية، وهي غالباً ما توصف بأنها \"خلايا دعم\".\nفي تجاربهم على الفئران، استخدم الباحثون مفتاح تعطيل وتفعيل جيني (وراثي) منقول، لاعتراض إطلاق الأدينوسين والكيماويات الأخرى من الخلايا النجمية. هذا الجين العابر أو المورّث المنقول ويسمى (transgene)، هو في الحقيقة أي جين أو مادة جينية يتم نقلها، من كائن عضوي إلى آخر، بأي تقنية من تقنيات الهندسة الوراثية المعروفة.\nثم منع الباحثون الفئران من النوم لفترات قصيرة، وقاموا بتقييمها باختبارات سلوكية وتخطيط الدماغ كهربائياً بواسطة (EEG)، لتسجيل نشاطات المخ.\nأظهرت الفئران المحورة وراثياً -لاعتراض أدينوسين- ضغط نوم أقل. وبعد الحرمان من النوم، لم تظهر حاجة لكثير من النوم التعويضي. وخلال المراحل الأولى من النوم، أبدت هذه الفئران أنماطاً من نشاطات المخ تتسق مع انخفاض ضغط النوم. ولدى تقييمها باختبار الذاكرة، بدا أداؤها كأن نومها طبيعي.\nنحو عقاقير جديدة\nلاحظ الباحثون نتائج مماثلة لدى استخدام مركبات أخرى معينة تعطل تأثير مركب أدينوسين على الخلايا العصبية (العصبونات). وللعصبونات أنواع عديدة من مستقبلات سطح الخلايا تمكنها من الاستجابة للأدينوسين، لكن الاعتراض الفارماكولوجي (الكيميائي الدوائي) لنوع A1 من المستقبلات كان فاعلاً.\nتظهر النتيجة أن أدينوسين عَمِلَ من خلال مستقبل A1 على إحداث ضغط النوم.\nوبالنظر في النتائج إجمالاً، فإنها تشير إلى إمكانية التوصل لعقاقير جديدة تزيد أو تخفض \"ضغط النوم\" بحسب الضرورة. فأفضل العقاقير المتاحة هي علاجات فاعلة في تحفيز النوم، لكنها غير فاعلة في إبقائه مستمراً منتظماً طوال فترة الليل.\nفي نفس الوقت، يعمل الكافيين، أكثر المنشطات شيوعاً، على عدة أنواع من مستقبلات مركب الأدينوسين، ويؤثر في أنماط النوم، حتى لدى استهلاكه صباحاً. والعقاقير التي تستهدف خلايا الدماغ النجمية، أو مستقبلات A1 بالعصبونات، قد تغدو أكثر فاعلية لدى الضبط الدقيق للرغبة في النوم.\nالخلاصة أن هذه الدراسة سوف تضع \"الخلايا النجمية\" في صلب اهتمام العلماء والباحثين المنشغلين بفهم وتفسير آليات النوم.