د.مازن النجار \n\n عاد العلماء إلى طرح مخاوفهم حول العلاقة بين استخدام الهاتف الخليوي (الجّوال) ومخاطر الإصابة بالسرطان، وطالبوا بإجراء دراسات عاجلة وواسعة النطاق للوصول إلى بعض اليقين والوقوف على أرضية علمية صلبة في هذا السياق.\nإذن من جديد يحتدم الجدل حول المخاطر التي ينطوي عليها استخدام الهاتف الخليوي (المحمول)، وانتشار شبكاته وخلاياه ومواقع إرساله في كافة أنحاء العالم بحواضره وأريافه على حد سواء. يتلخص هذا النقاش الآن، وبشكل أكثر تحديداً، حول إذا ما كان الإشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث من الشبكات والهواتف الخليوية يزيد مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.\nوكان بعض العلماء الذين قدموا شهاداتهم في جلسة للكونغرس الأميركي (أواخر الشهر الماضي) قد تنبأوا بأن مخاطر الإصابة بسرطان الدماغ المرتبطة باستخدام الجّوال سوف تشهد مساراً شبيهاً بمسار العلاقة بين التبغ وسرطان الرئة، حيث مرت عقود قبل أن تقرّ بها الهيئات الرسمية وشركات التبغ.\nوقد شكك بعض العلماء في مصداقية الدراسات التي خلصت إلى عدم وجود مخاطر سرطان من استخدام الهاتف الجوّال، إذ أن معظمها قد أجريت على مشاركين لم يمر وقت كاف على استخدامهم للجوّال؛ كما أن هذه الأبحاث تعتبر الاستخدام المنتظم للجوال هو \"مرة واحدة\" فقط أسبوعياً. \nالخبرات الماضية\nوقد حذر بعض خبراء الصحة العامة والبيئية والسرطان من تكرار تجربة إثبات العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة، حيث تلكأت الوكالات الرسمية طويلاً قبل القيام بتحذير المستهلكين من مخاطر التدخين. وأكدوا خطورة المسألة بالنسبة للصحة العامة، وضرورة تخصيص الموارد اللازمة للهيئات الفيدرالية المختصة للقيام بالأبحاث اللازمة وتحسين إمكاناتها التكنولوجية ومقاييسها التقنية.\nوكان أحد العلماء الذين أطلقوا أحدث حلقات هذا النقاش في الشهور القليلة الماضية هو الدكتور رونالد هربرمان، المدير الطبي لمعهد (أبحاث) السرطان بجامعة بتسبرغ في ولاية بنسلفانيا الأميركية.\nفقد حذر الدكتور هربرمان جمهور مستخدمي الهواتف الجوالة من مخاطر الإشعاع الكهرومغناطيسي، ودعاهم إلى الحد من التعرّض لذلك الإشعاع الصادر عن الهواتف الخليوية. ونبه الآباء والأمهات إلى الحذر من التأثيرات المحتملة لذلك الإشعاع على أدمغة أطفالهم الذين هم طبيعياً في حالة نمو.\nيلفت هربرمان إلى أنه في ظل خبرة سبعة عقود مرت قبل انتزاع مادة الرصاص من الدهانات (البويات)، وخمسة عقود مرت قبل الإقرار بارتباط التدخين بسرطان الرئة فعلاً، ينبغي استخلاص العبر من خبرات الماضي، حتى تُفسر مؤشرات مخاطر الهاتف الخليوي المحتملة على نحو أفضل.\nتفادي الإشعاع الكهرومغناطيسي\nورغم أن الأدلة لا زالت مثاراً للجدل أو ربما غير قاطعة إكلينيكياً أو أكاديمياً، يصر الدكتور هربرمان على اقتناعه بأن الإشعاع الكهرومغناطيسي يمثل خطراً حقيقياً على صحة البشر. وكما يشير هربرمان، فقد أصدرت بالفعل بلاد عديدة -بما فيها فرنسا وألمانيا والهند- مثل تلك التحذيرات لمواطنيها حول المخاطر الصحية للخليوي.\nيقترح الدكتور هربرمان 10 طرق للحد من التعرّض لمخاطر الجوال، منها الحد من استخدام الهاتف المحمول ذاته، واستخدام سماعات أذن تجنباً لحمل الهاتف باليد ووضعه على الأذن والفك والعنق، نقل الهاتف من أذن إلى أخرى أثناء المحادثة للحد من تركيز الإشعاع في موضع واحد، وتجنب استخدام الهاتف المحمول في الأماكن العامة للحد من تأثيرات الإشعاع الثانوية.\nعلى وجه الخصوص، يحذر هربرمان الأهل من التأثيرات المحتملة لإشعاع الهاتف الجوال على صحة الأطفال. ويشير إلى ضرورة اقتصار استخدام الأطفال لهذه الأجهزة على حالات الطوارئ فقط، نظراً لأن أدمغتهم \"النامية\" -هي على الأرجح- أكثر عرضة لآثاره الجانبية المحتملة.\nتحسين التقنيات المستخدمة\nولفت الدكتور هربرمان إلى أن بعض الدراسات قد أظهرت أن \"الأنسجة الحيّة\" معرّضة لمخاطر الحقول الكهرومغناطيسية، وضمن نفس موجات التردد المستخدمة في تشغيل الهاتف الجوال. لكنه من ناحية أخرى، لا يدعو إلى الإفراط في القلق، بما يؤدي إلى التخلي تماماً عن استخدام الهاتف الجوال.\nوكان هربرمان قد أشار في مذكرته إلى أنه لا يمكن للمجتمع الاستغناء عن الهواتف الجوالة. لكنه يقول أن هناك ما يكفي من البيانات والمعطيات البيولوجية التي تشير إلى ضرورة أن يتوخى المستخدمون الحذر. ودعا صناعة الهاتف الخليوي بكاملها إلى تحسين التقنيات المستخدمة الراهنة للحد من مخاطر الإشعاع الكهرومغناطيسي.\nالمعلوم أن هيئة الاتصالات الفيدرالية (الأميركية) تتولى إقرار تصميمات أجهزة الهاتف الجوال بعد اختبارها والتحقق من أن ذبذباتها لا تؤدي لارتفاع حرارة الأنسجة الحية. ويقر المسؤولون بالهيئة بأن فريقها لا يتمتع بالمؤهلات والخبرات الكافية لتقدير تأثيرات تعرض الجسد لذبذبات الأجهزة اللاسلكية على صحة البشر.\nيذكر أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم تستجب لطلبات الحصول على تعليق حول الموضوع، لكنها ذكرت على موقعها الإليكتروني أنه ليس لديها ارتباط واضح لاستخدام الهاتف الجوال بالسرطان.\nالأطفال ومخاطر سرطان الدماغ\nوكانت دراسة طبية حديثة قد وجدت أن الأطفال الذين يستخدمون الهاتف الخليوي أكثر تعرضاً بخمس مرات للإصابة بسرطان الدماغ مقارنة بغيرهم.\nوذكر باحثون سويديون أن الأطفال دون 16 عاماً معرضون للإصابة بأورام الدماغ أكثر من أترابهم الذين لا يستخدمونها، لأن أدمغتهم وأجهزتهم العصبية غير مكتملة النمو، وذكروا أن إشعاعات الخليوي تخترق جماجمهم قليلة السُمك لتصل للأماكن العميقة فيها نظراً لصغر جماجمهم.\nوحثّ العلماء أيضاً على تقليل استخدام الأطفال والمراهقين للهاتف الخليوي إلا في حالات الطوارئ، واقترحوا استخدام الرسائل النصية بدلاً من المكالمات الهاتفية. وحذر أحد هؤلاء العلماء من مستشفى جامعة أوريبو بالسويد من أن الأطفال الذين يبدأون باستخدام الهاتف النقال قبل سن العشرين عاماً يزداد خطر إصابتهم بأحد أنواع سرطان الدماغ، المعروف بالغليوما، بخمسة أمثال.\nيذكر أن هذه الدراسة أجريت بمقر الجمعية الملكية في لندن، ونظمها صندوق أبحاث الإشعاعات، وهي منظمة غير غير حكومية تنشط في مجال الكشف عن المخاطر المحتملة لاستخدام الهاتف الجوال والوقاية من الإشعاعات.\nوالمعلوم أن حوالي 90 بالمائة من طلاب المدارس الثانوية دون السادسة عشرة في بريطانيا يقتنون هواتف خليوية مقارنة مع حوالي 40 بالمائة من طلاب المدارس الابتدائية.\nنداء من عشرين عالما\nفي مطلع الصيف الماضي، جاءت تحذيرات أخرى حول خطورة استخدام الهاتف الجوال على صحة الأطفال في نداء أطلقه عشرون عالماً، أغلبهم إخصائيون في مرض السرطان. النداء يهدف إلى توعية الجمهور بمخاطر الهواتف الجوالة تلك على الدماغ، لا سيما أدمغة الأطفال تحت سن الثانية عشرة عاماً.\nيذكر هؤلاء العلماء أنه رغم عدم توافر الدليل القاطع الجازم على وجود علاقة بين الهاتف الجوال والإصابة بالسرطان، لكن هناك خطر أن يساهم في الإصابة بمرض السرطان في حال استخدامه على المدى الطويل. ويشير العلماء إلى أنه إذا كان هذا هو الحال بالنسبة لكبار السن، فإن الأطفال طبيعياً أكثر تعرضاً لمخاطر الهاتف الجوال، لأن أدمغتهم وبحكم أنها في طور النمو تكون أكثر قابلية للتضرر من الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي يصدرها الجوال.\nوكوسيلة لتفادي مخاطر استخدام الجوال، ينصح هؤلاء العلماء باتباع حزمة خطوات أبرزها منع الأطفال تحت سن الثانية عشرة من استخدام الهاتف الجوال؛ إبعاد الهاتف من الجسم مسافة متر لدى استخدامه وذلك بالاعتماد على السماعة الخارجية أو سماعة الأذن؛ الاحتفاظ بجهاز الهاتف الجوال بعيداً عن الجسم لدى حمله وأثناء النوم؛ عدم استخدام الهاتف لفترة تتجاوز دقائق معدودات في المكالمة الواحدة؛ الحرص على تبديل الأذن المستخدمة للاستماع للهاتف الجوال بين الحين والآخر.