د.مازن النجار \n\n التصلب العصبي الضموري المتعدد، والذي يعرف اختصاراً بالتصلب المتعدد (M.S.)، هو مرض يصيب الجهاز العصبي، ولا يمكن التنبؤ به، وتتراوح إصاباته بين المستوى الحميد نسبياً أو المعطل أو المدمر، حيث تنقطع الاتصالات بين الدماغ وباقي أعضاء الجسم.\nيعتقد خبراء الصحة العامة وأمراض الجهاز العصبي أن التصلب المتعدد هو أحد الأمراض المناعية، حيث يُستفز جهاز المناعة لأسباب غير معروفة، فيشن الجسم هجوماً (دفاعياً!) ضد أنسجته الذاتية بواسطة جهاز المناعة. وفي حالة هذا المرض، فإن مادة المايلين العازلة للأعصاب تتعرض لهجوم ذلك الجهاز.\nتتمثل الأعراض الأولى للمرض باضطراب البصر أو ازدواج الرؤية وتشوه اللونين الأحمر والأخضر، بل وربما إصابة إحدى العينين بالعمى. كذلك، يشهد مرضى التصلب المتعدد ضعفاً في أطراف العضلات وصعوبة في تناسق حركتها والحفاظ على التوازن. \n\n وكانت دراسة إيطالية، نشرت بدورية \"نيورولوجي\" أو علم الأعصاب الصادرة عن الأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب، قد خلصت إلى أن إصابة الأطفال بالتصلب العصبي الضموري المتعدد خلال فترة طفولتهم تؤثر سلباً على مستويات منحنى الذكاء (IQ) لديهم، كما تتسبب في مشكلات إدراكية أخرى.\nصعوبات لغوية\nووفقاً لتقديرات المعهد الوطني الأميركي للاضطرابات العصبية والسكتات (الدماغية)، يتراوح عدد المصابين بالتصلب الضموري المتعدد في الولاياتالمتحدة وحدها بين 250 ألفاً إلى 350 ألفاً. كما تتراوح إصابات الأطفال بالتصلب المتعدد هناك بين 8 آلاف إلى 10 آلاف تحت سن 18 عاماً.\nأجرى هذه الدراسة فريق بحث بجامعة فلورنسا بإيطاليا، بقيادة الدكتورة ماريا بيا أماتو، فقاموا بقياس الذاكرة والانتباه والقدرات اللغوية لدى 63 مريضاً بالتصلب المتعدد و57 من المشاركين الأصحّاء للضبط والمقارنة، وكلهم دون سن 18 عاماً.\nجاءت نتائج مرضى التصلب المتعدد في اختبارات منحنى الذكاء (IQ) أقل من نظرائهم الأصحاء. فقد حقق خمسة من الأولين أقل من 70، وهو ما لم يحدث لدى الآخرين. وحقق 15 مشاركاً من المرضى نتائج بين 70 و89 مقابل اثنين فقط من الأصحّاء.\n وانطبقت معايير الضعف الإدراكي (أي الرسوب في ثلاثة أو أكثر من تلك الاختبارات) على 31 بالمائة من مرضى التصلب المتعدد مقابل 5 بالمائة فقط بين الأصحّاء. كما سجلت نتائج الدراسة صعوبات لغوية أو مشكلات تخاطب لدى 30 بالمائة من الأطفال المرضى، وهي صعوبات غير منتشرة أو قائمة بين مرضى التصلب المتعدد من الراشدين. \n\n إدارة العلاج والتأهيل\nيلاحظ فريق البحث أن إصابة الأطفال بالمرض تحدث في مرحلة هامة لتطورهم اللغوي، لذلك كانوا -على نحو خاص- أكثر تعرضاً للمشكلات اللغوية. بل إن الصعوبات اللغوية الخفية يحتمل أن يكون لها عواقب وظيفية هامة. لذلك، يستحق تقييم الوظيفة اللغوية لدى الأطفال المرضى بالتصلب المتعدد اهتماماً خاصاً في الدراسات المستقبلية.\nكذلك، أثر التصلب المتعدد سلباً على الأنشطة اليومية والمدرسية لدى 65 بالمائة من الأطفال المرضى. وانطبقت على ثلاثة أرباعهم معايير الإرهاق الكبير، كما عانى 6 بالمائة منهم من الاكتئاب. يعتقد العلماء أن علاج الأطفال الصغار جداً المصابين بالتصلب المتعدد قد يكون أكثر فعالية، نظراً لأن أدمغتهم في مرحلة النمو والتطور.\nويؤكد العلماء على أهمية العلاج والدعم النفسي والاجتماعي لأن ذلك يساعد المرضى وأسرهم على التعايش مع الصعوبات النفسية والاجتماعية، ولا مناص من الاعتراف المبكر بالمشكلة وتحديد استراتيجية التعاطي مع المرض، من ناحية الدواء وإعادة التأهيل.\n\n مخاطر الإصابة بالتصلب المتعدد\nمن ناحية أخرى، توصل باحثون من جامعة أستراليا الوطنية إلى أن نشوء الطفل حول إخوته الأصغر سناً (سن عامين أو أقل)، وتعرضه لمختلف أنواع العدوى منهم، له تأثير وقائي ضد الإصابة مستقبلاً بمرض التصلب العصبي الضموري المتعدد. كان ذلك حصيلة دراسة نشرت نتائجها بدورية \"مجلة الجمعية الطبية الأميركية\" (JAMA).\nيعتقد بعض الباحثين أن للجينات (المورّثات) دور في الإصابة بهذا المرض مجهول المسببات، الذي يصيب الدماغ والحبل الشوكي، وتطال أعراضه القوة والتحكم العضلي والبصر والتوازن. فالأشخاص الذين يصاب أفراد من أسرهم بالمرض هم أكثر عرضة للإصابة به مقارنة بغيرهم. كذلك، تلعب العوامل البيئية كالأمراض الفيروسية والالتهابات دوراً في احتمالات الإصابة بالمرض.\nولكن السؤال الكبير هو عن الكيفية التي يساعد بها صغار الأطفال على وقاية إخوتهم الأكبر سناً من الإصابة بالتصلب العصبي الضموري المتعدد.\nيعتقد العلماء الذين قاموا بهذه الدراسة أن الإجابة هي في عدوى الالتهابات التي كثيرا ما يتعرض لها صغار الأطفال خلال العامين الأولين من حياتهم. فعندما يمرضون، ويتعرض بالتالي إخوتهم الأكبر سناً للعدوى يتقوى جهاز المناعة لدى هؤلاء. فقد كان ينظر إلى التصلب المتعدد (ولا يزال) كأحد أمراض المناعة الذاتية، أي أن جهاز المناعة لدى المصابين بهذا المرض قد أصابه التبدل، مما جعله يهاجم بطريق الخطأ الألياف العصبية للدماغ والحبل الشوكي.\nبيد أنه ليس هناك من دليل واضح بعد على أن التهاب معين أو عدوى بعينها تطلق بداية الإصابة بأمراض المناعة الذاتية. فقد قام الباحثون بدراسة حالات أكثر من 400 مشارك في الدراسة، منهم 136 من البالغين المصابين بالتصلب المتعدد، و272 مشاركاً من الأصحّاء غير المصابين به. وكان متوسط أعمار جميع المشاركين حول 43 عاماً. تم مسح أدمغة المشاركين بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي للتثبت من حالات الإصابة بالمرض أو عدمها، حيث تظهر مناطق العطب في الدماغ، وتميز المصابين بهذا المرض عن الأصحّاء.\nأخوة أكثر ومخاطر أقل\nوجد الباحثون أن الأشخاص الذين كان لهم أخ أو أخت أصغر سناً قبل بلوغهم سن السادسة هم أقل تعرضاً لمخاطر الإصابة بمرض التصلب المتعدد كبالغين. وكلما زاد الزمن الذي قضاه المشاركون قبل بلوغهم السادسة مع إخوتهم من صغار الأطفال، كلما قل احتمال إصابتهم بالتصلب المتعدد كبالغين.\nأما المشاركون الذين قضوا قبل بلوغهم السادسة فترة تتراوح من سنة إلى ثلاث سنوات مع أخوتهم من صغار الأطفال، فقد كانوا أقل تعرضاً للإصابة بالمرض بنسبة 34 بالمئة. أما الذين قضوا من ثلاث إلى خمس سنوات مع إخوتهم الصغار فقد كانوا أقل تعرضاً للإصابة بالمرض بنسبة 60 بالمئة.\nوكان أكبر انخفاض في احتمال الإصابة بالتصلب المتعدد، 88 بالمئة، هو بين المشاركين الذين قضوا –قبل بلوغهم سن السادسة– خمس سنوات أو أكثر مع إخوتهم الأصغر سناً. أما المشاركون المصابون بالمرض فقد أخّر تواجدهم حول إخوتهم الصغار بداية إصابتهم بالمرض أيضاً.