بات من الواضح الان ان اسرائيل سددت ضربة موهنة ودائمة لحماس خلال حملتها التي استمرت ثلاثة اسابيع، وانتهت في 17 يناير، واستهدفت بنجاح مخازن اسلحتها ومنشآتها التدريبية، ومراكز قيادتها، وقتل مئات المقاتلين الحمساويين، واصيب كثيرون، حتى ان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المقيم في دمشق قال مؤخرا انه تفاجأ بطول وشراسة الرد الاسرائيلي على تصعيد هجمات الصواريخ في نهاية العام الماضي، مشيرا الى انه كان يتوقع ردا لا يزيد عن ثلاثة ايام على الاكثر. بعدم تطويل امد الحملة تركت اسرائيل حماس تفكر ليس فقط في العداء الذي تركته لدى مصر والسعودية والاردن والمسلمين العرب المعتدلين، ولكن ايضا في الشعور القاسي بالخيانة من مؤيديها السابقين سوريا وايران وحزب الله. فكلهم رضوا فقط بإصدار التحريضات اليومية للمقاتلين بالاستمرار في كفاحهم إلى النهاية بينما هم انفسهم اتخذوا ساترا ولم يطلقوا رصاصة واحدة دفاعا عن وكلائهم. فقط عندما توقف القتال اسهبت دمشقوطهران في تقديم الدعم المعنوي واعادة الامداد بالصواريخ. حماس التي لا تزال تتجرع تلك مرارة الخسارة والهزيمة دخلت مرحلة اعادة تفكير، وعليها ان تسأل نفسها ما اذا كانت ستستمر بارود مدفع لمصالح دمشقوطهران، والاهم عليها ان تفكر في ما اذا كانت تستطيع ان تحتفظ بالدعم الشعبي للجماهير الفلسطينية ما ان يظهر المغزى الحقيقي لهذا المأزق الاخير بعد سنوات عديدة نمت فيها قوتها. علينا نحن في الجانب الاخر، نحن الذين نسعى للسلام في الشرق الاوسط، ان ننتهز فرصة ضعف حماس بشدة للتفكير في كيف ندمجها في العملية السياسية بدلا من الاكتفاء بمواجهتها بالدبابات في الازقة الخلفية لقطاع غزة. بداية علينا ان نتذكر مسار الاحداث على مدار السنوات الماضية حيث عاشت حماس انتفاضتين شهدت الثانية منهما جهدا اسرائيليا ضخما لقطع رأسها واخراجها من اللعبة. ثم لدهشة الجميع بمن فيهم زعماء حماس، طالبت ادارة بوش بشكل لا لبس فيه بأن تسمح اسرائيل والسلطة الفلسطينية بمشاركة الحركة في الانتخابات العامة في 2006 حتى رغم عدم تخليها عن الارهاب وعدم اعترافها بحق اسرائيل في الوجود. ورغم ان حماس فازت بأغلبية مطلقة في مقاعد المجلس التشريعي الا ان هذا لم يمنحها الشرعية المطلوبة للحكم من قبل اولئك الذين اصروا على مشاركتها في الانتخابات في المقام الاول. بل ان حكومة وحدة وطنية برعاية سعودية حرص عليها شخصيا الملك عبد الله تم رفض الاعتراف بها من قبل اسرائيل والولاياتالمتحدة. ولقد نجحت الولاياتالمتحدة واسرائيل منذ ذلك الحين في حشد دعم دولي عريض لقائمة شروط يجب على حماس الوفاء بها قبل ان يتم قبولها لاعبا في المعادلة الفلسطينية. اولا يجب عليها ان تلتزم بالاتفاقيات التي تم التوصل اليها بواسطة السلطة الفلسطينية، وثانيا عليها ان تتوقف عن جميع اعمال العنف، وثالثا عليها ان تعترف بحق اسرائيل في الوجود. وقد أعادت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية مؤخرا التأكيد على ان تلك الشروط لن تتغير. على ان الاعتراف باسرائيل في الوجود لم يفرض على الدول العربية او منظمة التحرير الفلسطينية كشرط مسبق للحصول على وضع شريك شرعي في المفاوضات، وبالتأكيد هذا موقف ايديولوجي وليس سياسيا يتعين اعادة النظر فيه. ورغم ان حماس رفضت بتصلب قبول الشروط الثلاثة ولاسيما حق اسرائيل في الوجود الا ان قيادتها ظلت تقول طوال العام الماضي انها ستقبل بحدود 67 بين اسرائيل والاراضي الفلسطينية المجاورة كحدود مؤقتة لدولة فلسطينية؛ اليس ذلك يصل الى مرتبة اعلان قبول دولة اخرى هي اسرائيل على الجانب الاخر من تقسيم 1967؟ بدلا من الضغط على حماس لنبذ ايديولوجيتها لماذا لا نقبل منهم صيغتهم لحدود 1967 ثم نغريهم تدريجيا الى المشاركة في العملية السياسية كلاعبين عقلانيين وهم بالتأكيد كذلك؟ ان اي خطوة من حلبة الايديولوجية الى ميدان الحلول العملية الواقعية امر مرغوب بالتأكيد. لقد حان الوقت كي نتخذ هذه الخطوة؛ ذلك انه في منعطف من منعطفات التاريخ العجيبة قد يحدث ان لا يكون بوسع حماس الا ان تأمل في تعويض خسائرها في غزة بالعمل مجددا مع السلطة الفلسطينية بقيادة العجوز الضعيف ابو مازن. من وجهة النظر الفلسطينية كان اداء القيادة الفلسطينية في رام الله خلال القتال كئيبا ومثيرا للشفقة ولم يكن لديها ما تقدمه ولم تفعل شيئا اللهم الا الادانة العلنية للاعمال الاسرائيلية بينما كانوا يدعون الله في السر من اجل انتصار حاسم لإسرائيل. على الرغم من ان المجتمع الدولي يدعم السلطة الفلسطينية ويتمنى تقويتها في مواجهة حماس الا ان فتح في الواقع تخسر رصيدها من الرأي العام الشعبي بسرعة، وفرصتها الحقيقية الوحيدة في البقاء هي في جهود اعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس، وهو جهد وافق عليه تحديد مجلس الامن في السابع من يناير. ان مصر تحاول لم شمل فصائل السلطة الفلسطينية الواهنة معا مع حماس في عملية مصالحة، والنجاح غير مضمون حتى الان فيها ما دامت المرارة عميقة الجذور بينهما. ربما يتعين على المجتمع الدولي الان ان يترك الفلسطينيين يقررون الامور بأنفسهم، فإذا جاء المنتج النهائي في شكل قيادة موحدة ونأت حماس بنفسها عن طهران وركزت على رفاهية الفلسطينيين فقد يستحق الامر بذل الجهد، ومن المؤكد ان الامر يحتاج المحاولة، والشيء الاخير الذي ينبغي لنا فعله ان نحبط الامل بتصلب ايديولوجي في وقت يحتاج الى ذكاء عملي. افرايم هالفي رئيس جهاز الموساد سابقا وسفير اسرائيلي سابق لدى الاتحاد الاوروبي ورئيس مركز شاشا للدراسات الاستراتيجية بالجامعة العبرية بالقدس المحتلة. خدمة جلوبال فيوبوينت