على هذا، يستحسن إلقاء الضوء على روابط كوريا الشمالية بهاتين الدولتين. \r\n ولعل مدار تعاون بين كوريا الشمالية ودول الشرق الأوسط هو الصواريخ الباليستية. وتعود بداية هذا التعاون الى الحرب العراقية - الإيرانية. فإيران طلبت من بيونغ يانغ تزوديها بالصواريخ للرد على الهجمات الصاروخية العراقية. فمدّت بيونغ يانغ إيران بمئات صواريخ ال «سكود - بي»، ويبلغ مداها 280-320 كلم. ولكن طهران قررت، بعد انتهاج سياسة اكتفاء ذاتي، اكتساب تقنية إنتاج الصواريخ وتوطينها. فأسهمت كوريا الشمالية في إنشاء بنية تحتية لتصنيع صواريخ «سكود - بي» أو «شهاب -1»، بحسب التسمية الإيرانية، و «سكود - سي» أو شهاب -2»، ويبلغ مداها نحو 600 كيلومتر. واستخدمت إيران هذه الصواريخ في الحرب. ولكنها اضطرت الى استيراد قطع أساسية من أجل تصنيعها. \r\n وفي المرحلة الثانية من التعاون بين الدولتين، انكب الطرفان على تطوير صاروخ «شهاب - 3»، وهو يعتمد على الصاروخ الكوري الشمالي «ندونغ - 1»، ويبلغ مداه 1300 كلم وفي العقد الأخير استعانت إيران بكوريا الشمالية على تطوير صاروخ «شهاب - 4». وهو نسخة من الصاروخ الكوري الشمالي «تايفو - دونغ 1»، ومداه 2000 كلم، او «تايفو - دونغ 2»، ومداه 10 آلاف كلم. وتتعاون الدولتان على تطوير نسخة متقدمة من الصواريخ البحرية «سي - 802». وتواصل بيونغ يانغ تزويد إيران بصواريخ متطورة. فهي باعتها، في 2006، 18 صاروخاً من طراز «بي-أم 25» يبلغ مداها 2000 كيلومتر. \r\n وشأن إيران، استوردت سورية الصواريخ الباليستية من كوريا الشمالية، وسعت الى إنتاج مثل هذه الصواريخ. ففي 1990، وقعت دمشق وبيونغ يانغ اتفاقية شراء نحو 120 صاروخ «سكود 12» و «سكود 18». وبموجب الصفقة، نقلت كوريا الشمالية تكنولوجيا تركيب هذه الصواريخ وتصنيعها الى سورية. وفي 2000، أذاعت تقارير خبر توقيع الدولتين صفقة صواريخ «سكود - دي». وقدمت كوريا الشمالية يد العون لإيران وسورية في بناء مخازن صواريخ ومستودعات تحت الأرض، وأطلعت الدولتين على اختبارات الأسلحة التي تقوم بها. ويعود تطوير سورية وإيران قدرتهما على تصنيع الصواريخ الباليستية وبناء أكبر مخازن صواريخ بالشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل، إلى كوريا الشمالية. \r\n وثمة مجال آخر للتعاون بين هذه الدول هو مجال التسلح النووي. ومن العسير الوقوف على حجم هذا التعاون ومراحله السابقة. فالمعلومات المتوافرة قليلة. وعلى رغم أن المشروع النووي الكوري الشمالي يعتمد على البلوتونيوم، والمشروع الإيراني على اليورانيوم المخصب، ثمة تعاون تكنولوجي بين إيران وكوريا الشمالية. ويستند المشروع النووي في الدولتين الى معلومات سرّبتها شبكة عبد القدير خان، أبي المشروع النووي الباكستاني، غير المشروعة، والى أجهزة باعتها هذه الشبكة. وتدور الشكوك على تخصيب كوريا الشمالية في السر اليورانيوم، الى جانب المشروع النووي البلوتوني. وزودت روسيا والصين المشروع النووي الإيراني بالمعدات، قبل ان تضطرا الى تقليص مساعدتهما والنزول على مطالب المجتمع الدولي. وتشير معلومات كشفتها، في نيسان (أبريل)، الولاياتالمتحدة الى تعاون نووي كوري مع سورية. ويعود التعاون بين الدولتين الى1997، تاريخ تسريب كوريا الشمالية تكنولوجيا بناء مفاعل إنتاج البلوتونيوم الى سورية، وإرسالها مستشارين ذريين وخبراء الى سورية، وتزويدها بأجهزة ومواد. \r\n وبحسب تقرير عرض على الكونغرس الأميركي، تعاونت كوريا الشمالية مع «حزب الله». وتعود علاقات الطرفين الى الثمانينات، حين شارك كوريون شماليون في تدريب مسؤولين كبار في «حزب الله»، طوال أشهر. وتوسع نطاق التعاون بينهما، بعد عام 2000. \r\n وقصد خبراء كوريون شماليون لبنان لتدريب عناصر «حزب الله» على بناء مخابئ تحت الأرض. وكشفت حرب لبنان الثانية (حرب تموز/ يوليو 2006) الستر عن دور هذه المخابئ أو المحميات الطبيعية، على ما يسميها الجيش الإسرائيلي، في المعارك. \r\n وأسهمت كوريا الشمالية في بناء قوة «حزب الله» الصاروخية. فالصواريخ التي أطلقها الحزب في أثناء حرب لبنان الثانية على إسرائيل إيرانية التجميع، وكورية شمالية التصنيع. \r\n وتعاون بيونغ يانغ العسكري مع إيران وسورية هو فرصة تطوير المشروع النووي. ويجمع بين كوريا الشمالية وإيران وسورية معارضتها النظام العالمي «الأميركي»، وتنديدها بمساعي الولاياتالمتحدة الى صبغ هذه الأنظمة بصباغ توتاليتاري شمولي. وحلت سورية محل العراق في محور الشر، وهي الركن الثالث فيه. \r\n وشعرت كوريا الشمالية وإيران وسورية أن مصيراً مشتركاً يجمعها في مواجهة الضغط الدولي، الذي تتولاه الولاياتالمتحدة. وتهدد استجابةُ هذه الأنظمة الضغط الدولي بقاءها، في حين أن استمرار المواجهة مع النظام الدولي يقوض قوتها. وتفاقم سياسة الولاياتالمتحدة المزدوجة مع كوريا الشمالية وإيران، الأزمة. فواشنطن تجري مفاوضات علنية مع بيونغ يانغ، بينما تنتهج سياسة متشددة مع طهران، وترفض التفاوض معها مباشرة ما لم توقف تخصيب اليورانيوم. ولا تستبعد واشنطن الخيار العسكري ضد إيران. \r\n ووراء سياسة الولاياتالمتحدة الأسباب الآتية: \r\n - سيطرة إيران على احتياط نفطي كبير، وموقعها الجغرافي في الخليج الفارسي. وترى واشنطن ان إيران تتهدد مصالحها بالشرق الأوسط. \r\n - تمسك إيران بمشروعها النووي ومحاولتها الاستقلال به عن كوريا الشمالية. \r\n - كلفة توجيه ضربة عسكرية الى كوريا الشمالية باهظة. فبيونغ يانغ تملك سلاحاً نووياً. ومثل هذه الضربة تخالف مشاركة الولاياتالمتحدة في محادثات الدول الست. \r\n والحق أن نشر كوريا الشمالية السلاح النووي بالشرق الأوسط هو من نتائج تقاطع مسارين: الصراعات الموروثة من مخلفات الحرب الباردة، وسعي إيران وسورية الى المحافظة على مكانتهما الإقليمية ونفوذهما. ولا شك في أن إسرائيل هي المتضررة من التعاون بين بيونغ يانغ ودمشق وبين بيونغ يانغ وطهران هو بالطبع إسرائيل. ويغذي الحلف الإيراني - السوري معاداة إسرائيل جراء أسباب أيديولوجية وجغرافية. وإسرائيل هي أبرز حلفاء الولاياتالمتحدة. \r\n وتعزز العلاقات الأميركية - الإسرائيلية لحمة التعاون العسكري الكوري الشمالي - الإيراني - السوري. فهذا التعاون يبعث ذكريات تأييد الكتلة السوفياتية الصراع العربي ضد إسرائيل، في الحرب الباردة. وعلى إسرائيل السعي الى لفت اهتمام الأطراف الدولية، وخصوصاً الولاياتالمتحدة، الى الجانب الشرق أوسطي من المشكلة الكورية الشمالية، وإلقاء الضوء على سبل التعاون بين بيونغ يانغ وطهرانودمشق. فنتائج نشر كوريا الشمالية التكنولوجيا العسكرية في إيران وسورية لا تقتصر على الشرق الأوسط، بل تتعداها الى الدول المجاورة والمعادية لبيونغ يانغ. \r\n \r\n \r\n عن «عدخين استراتيجي» الإسرائيلية، 6/ 2008