افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    أسعار البيض اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    "الوزراء" يكشف حقيقة اتصال البنوك بالعملاء هاتفيًا بدعوى تحديث بيانات حساباتهم    إصابة 14 شخصا في هجوم باليابان    جيش الاحتلال يشن هجوما ضد أهداف لحزب الله في لبنان    موعد وصول حافلة منتخب مصر لملعب أدرار استعدادا لمواجهة جنوب أفريقيا    حملات مرورية تضبط 120 ألف مخالفة و62 حالة تعاطي مخدرات بين السائقين    تفاصيل الحالة الصحية للفنان محيي إسماعيل بعد نقله للعناية المركزة    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    الصحة: تبادل الخبرات مع ليبيا لمواجهة ارتفاع معدلات الولادات القيصرية    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    أحمد عبد الوهاب يكتب: حل الدولتين خيار استراتيجي يصطدم بالاستيطان    رئيس وزراء السودان: نحن أصحاب مبادرة السلام ولا أحد يفرض علينا القرارات    وزيرا الإنتاج الحربي وقطاع الأعمال العام يبحثان تعزيز التعاون المشترك    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    خطوات هامة لضمان سلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع لجنة المسؤولية الطبية    وزير الكهرباء يبحث مع مجموعة شركات صاني الصينية التعاون في مجالات الطاقة المتجددة    وزارة التضامن تفتتح غدا معرض ديارنا للحرف اليدوية والتراثية بالبحر الأحمر    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    هل انتهى زمن صناعة الكاتب؟ ناشر يرد بالأرقام    نقل الفنان محمود حميدة للمستشفى بعد تعرضه لوعكة.. اعرف التفاصيل    كلية المنصور الجامعة تعزّز الثقافة الفنية عبر ندوة علمية    غارات وقصف ونسف متواصل يستهدف مناطق واسعة بقطاع غزة    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بقنا    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 26-12-2025 في قنا    كامل الوزير: إلزام كل مصنع ينتج عنه صرف صناعي مخالف بإنشاء محطة معالجة    زيلينسكي: اتفقت مع ترامب على عقد لقاء قريب لبحث مسار إنهاء الحرب    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    مسؤول أمريكي: إسرائيل تماطل في تنفيذ اتفاق غزة.. وترامب يريد أن يتقدم بوتيرة أسرع    شروط التقدم للوظائف الجديدة بوزارة النقل    زعيم كوريا الشمالية يدعو إلى توسيع الطاقة الإنتاجية للصواريخ والقذائف    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثة أسئلة دقيقة تفرض نفسها على الوكالة في مرحلة حرجة
نشر في التغيير يوم 18 - 02 - 2010

غير أن هذا الملف لم يكن هو وحده الذي أثار عاصفة من الانتقادات على الوكالة، حيث برز في الأفق خطر القاعدة الذي انفجر في وجه الأميركيين مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر. عند وفاة وليام كيسي، عيّن الرئيس ريغان «الابن الروحي» للمدير السابق للسي.آي.ايه ومعاونه منذ ربيع عام 1986، أي روبرت غيتس مكانه كمدير للوكالة. لكن بدا أن الكونغرس ليس مستعدا لقبول ذلك القرار، على خلفية الشكوك بتورطه في فضيحة «إيران جيت» التي كانت التحقيقات حولها لا تزال جارية.
\r\n
\r\n
\r\n
هكذا قرر غيتس نفسه التراجع والبقاء في ظل مديره المقبل وليام وبستر الذي كان عندها مديرا لمكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (أف.بي.آي). وكان هذا على اقتناع بضرورة «غسيل الثياب القذرة وإنما ضمن إطار العائلة». بشكل عام أحكم الكونغرس سيطرته أكثر على عالم الاستخبارات في الولايات المتحدة، وذلك في سياق دولي كانت التهديدات فيه تتنوع من حيث شكلها وطبيعتها، مما كان يتطلب مقاربة مختلفة عن تلك التي كانت مستخدمة حتى آنذاك ضد الاتحاد السوفييتي. لكن كان لا بد من مرور بعض الوقت من أجل تغيير عادات وممارسات كانت متجذرة منذ فترة طويلة داخل إطار السي.آي.ايه، لاسيما فيما يخص مواجهة الإرهاب.
\r\n
\r\n
وكانت العلاقات القائمة على الثقة بين الرئيس ريغان والأمين العام الجديد للحزب الشيوعي السوفييتي مخائيل غورباتشوف قد لعبت دورا مهماً في المنعطف الذي عرفته العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي منذ أواسط سنوات الثمانينات. وكان غورباتشوف، على قاعدة إدراكه للوضع الاقتصادي الصعب لبلاده، قد قرر القيام بسلسلة من الإصلاحات الجذرية أكثر فأكثر. كذلك فهم أنه، من أجل إنقاذ الاتحاد السوفييتي، ينبغي تقليص النفقات العسكرية.
\r\n
\r\n
\r\n
هكذا شهد عام 1987 التزام غورباتشوف وريغان بتدمير الصواريخ النووية المتوسطة المدى. واختارت مجلة «التايم» القائد السوفييتي ك «رجل العام». وضمن السياق نفسه جرى سحب القوات السوفييتية من أفغانستان عام 1988، واكتسبت نقابة «التضامن» شرعية قانونية في بولندا عام 1989.
\r\n
\r\n
\r\n
الملف العراقي
\r\n
\r\n
\r\n
كان الحدث الأكبر في 9 نوفمبر 1989 هو انهيار جدار برلين وبداية نهاية الحرب الباردة، ثم وصول جورج بوش (الأب) إلى الرئاسة الأميركية حيث قال بمناسبة تسلّمه مهام منصبه رسميا: «إنني أصل إلى الرئاسة في لحظة واعدة جدا. إننا نعيش فترة هادئة ومزدهرة، فزمن الدكتاتوريات قد انتهى».
\r\n
\r\n
مع ذلك أشارت أجهزة الاستخبارات آنذاك إلى وجود حشود عسكرية عراقية على الحدود الكويتية. لكنها اعتقدت، وخاصة في أوساط السي.آي.ايه أن الأمر يرمي إلى امتلاك وضع أقوى في المفاوضات حول سعر برميل النفط. كان الرئيس بوش (الأب) يؤيد ذلك الرأي. وكان بعض القادة العرب قد أكّدوا له أن صدام حسين «يناور». ورأت السي.آي.ايه أن الجيش العراقي لن يقوم بعملية عسكرية كبيرة قبل تدعيم قوته أكثر. لكن غزو الكويت وقع.
\r\n
\r\n
\r\n
أدانت الأمم المتحدة الغزو وصرّح بوش وغورباتشوف أنهما سوف يظلاّن متحدين ضد العدوان العراقي طيلة استمرار الأزمة. وفي مثل ذلك السياق قام ائتلاف دولي، بموافقة الأمم المتحدة، بعمل عسكري ضد العراق. وقدّمت الولايات المتحدة نفسها على أنها المدافعة عن العالم الحر في فترة ما بعد الحرب الباردة والتي تقوم بدور الشرطي فيما وصفه الرئيس بوش نفسه ب «النظام الدولي الجديد».
\r\n
\r\n
\r\n
ويسوق المؤلف في هذا الإطار أن الاستخبارات البولندية هي التي أخرجت من العراق ستة من ضباط السي.آي.ايه كانوا «محصورين» في العراق لمدة أسابيع ويمكن أن تكشفهم أجهزة النظام في أية لحظة. وكان هؤلاء الضباط قد دخلوا إلى البلاد من أجل القيام بعمليات استكشاف لبعض المواقع في منظور إمكانية القيام بهجوم عسكري. وكانت السي.آي.ايه قد اتصلت بوارسو من أجل تأمين خروج أولئك الضباط الذين خرجوا بالفعل على أساس أنهم عمال سلافيون عائدون إلى بلادهم. ومن أجل تجنيبهم الأسئلة المحرجة وتعزيز تغطيتهم تعاطوا كمية كبيرة من الفودكا.
\r\n
\r\n
\r\n
كانت لحرب الخليج عام 1991 نتائج كبيرة بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. إن تلك الحرب أدّت إلى تغير إستراتيجي مهم يحدده المؤلف بالقول إنها دفعت تنظيم القاعدة إلى توجيه الجهود ضد ما سُمي ب «العدو البعيد»، أي الولايات المتحدة. وهذا هو الأمر الذي تأخرت السي.آي.ايه في فهم طبيعته وصبّت جهودها عند نهاية حرب الخليج على الاهتمام أكثر بنظام صدام حسين. واعتبارا من عام 1991 بدأت بتنظيم عمليات دعاية ضده وأخذت بتمويل وتجميع المعارضين العراقيين الذين كانوا بأغلبيتهم منفيين في لندن.
\r\n
\r\n
\r\n
وعندما جرت عملية نزع سلاح العراق بعد إرسال مفتشين دوليين إلى العراق تبيّن مدى جهل السي.آي.ايه بكمية الأسلحة الكيميائية والجرثومية التي كان يمتلكها نظام صدام حسين. هذا إلى جانب أنها لم تكن تعرف سوى نصف المنشآت العراقية التي كانت تشهد نشاطات نووية. ويؤكد مؤلف هذا الكتاب قوله: «لو لم تندلع حرب الخليج فلربما أنه كان قد جرى تصنيع قنبلة نووية في مدة تقل عن عام واحد»، هذه في الوقت الذي كانت فيه السي.آي.ايه ترتقب أن يتم ذلك في نهاية سنوات التسعينات. وفجأة في السنوات التالية مالت الوكالة نحو المبالغة شبه المستمرة بالقدرات العسكرية لصدام حسين.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت مجريات الحرب نفسها مصدر انتقاد للسي.آي.ايه فإذا كان الجيش الأميركي قد نجح في استخدام صواريخه الجديدة الموجّهة بأشعة الليزر وأسلحته المتقدمة الأخرى، فإن العسكريين أكّدوا أن السي.آي.ايه لم تقدم لهم مساعدة كبيرة في ذلك النموذج من الحروب الإلكترونية. وبالمحصلة تعرّضت الوكالة الاستخبارية الأميركية خلال الأسابيع التي تلت نهاية الحرب إلى حملة أخذت عليها أخطاء أحكامها وعدم الإتقان في عملها وخاصة عدم فائدتها.
\r\n
\r\n
حجتان صادقتان
\r\n
\r\n
\r\n
في ذلك السياق اقترح السناتور الأميركي الديمقراطي باتريك موينهان إصدار قانون ينص على إلغاء الوكالة بكل بساطة وإلقاء (مفاعل الاستخبارات) في مياه حمّام الحرب الباردة. ورأى السناتور أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى سي.آي.ايه تكشف أن نشاطاتها ولمرّات عديدة شديدة السوء بالنسبة لصورة أميركا. وكذلك القول إن وجودها ينافي المبادئ المؤسسة للديمقراطية وللمبادئ الأميركية . وأعرب السناتور عن تمنياته أن تتولّى وزارة الخارجية بعض وظائف السي.آي.ايه. هكذا تمكن الرقابة على تلك الوظائف وتصبح نشاطات الاستخبارات الخارجية مصانة من الانحرافات.
\r\n
\r\n
\r\n
اعتمد السناتور موينهان على حجتين صادمتين، تقول الحجة الأولى أن السي.آي.ايه غير فاعلة إلى درجة أنها لم تر زوال ألد أعدائها. والحجة الثانية هي أن الاتحاد السوفييتي لم يسقط بفعل نشاطات السي.آي.ايه وإنما بسبب نظامه الاقتصادي وبسبب الطبيعة القمعية للنظام. هاتان الحجتان وجدتا صدى كبيرا في العديد من المؤلفات.
\r\n
\r\n
\r\n
لكن مؤلف هذا الكتاب، وبالاعتماد على وثائق جرى رفع السرية عنها في نهاية سنوات التسعينات المنصرمة، يؤكد أن محللي السي.آي.ايه قد تحدثوا منذ أواسط السبعينات عن صعوبات حقيقية يواجهها النظام السوفييتي. وإنهم وجدوا في غورباتشوف بعد وصوله بقليل إلى السلطة «نموذجا جديدا من الزعامة».
\r\n
\r\n
\r\n
وينقل المؤلف أن أحد محللي الوكالة شرح في نهاية عام 1985 للرئيس ريغان قوله: «حتى لو أننا لا نعرف بالضبط متى، فإننا نرى التوجه الذي سيجعل النظام في مواجهة فقدان الرقابة السياسية إلى درجة أنه سيكون من الصعب عليه أن يحتويها». بالمقابل لم تكن تتفق الآراء داخل الوكالة حول معنى القرارات الأولى التي اتخذها غورباتشوف.
\r\n
\r\n
\r\n
تعالت بعض الأصوات مطالبة بحل السي.آي.ايه بعد انهيار المعسكر الشيوعي وتهديده. لكن الميل العام لم يكن في مثل ذلك الاتجاه، وإنما بالأحرى «تخفيض ميزانيتها». وخرج وليام كولبي المدير السابق للسي.آي.ايه من جديد ليدافع عن وجهة النظر هذه، إذ قال: «لقد قمنا بتفكيك جهازنا الاستخباري بعد الحربين العالميتين قبل أن نفهم أننا كنا لا نزال بحاجة إليه. وعلينا أن لا نقترف من جديد الخطأ نفسه. فلنلجأ إلى إعادة توجيهه، وإلى تقليص ميزانيته، ولكن ليس تهديمه. فمن يعرف ما هي الأخطار التي سوف نواجهها بعد عشر سنوات»؟
\r\n
\r\n
\r\n
أما الرئيس جورج بوش الأب فقد حذر من جهته قائلا: «إن أمة قوية تفترض وجود جهاز استخبارات قوي». لكنه مع ذلك لم يستطع معارضة تخفيض الاعتمادات المكرّسة للسي.آي.ايه، فالولايات المتحدة لم تعد في حالة حرب، حتى لو كانت باردة.
\r\n
\r\n
\r\n
وجد الرئيس بوش أن وبستر، مدير السي.آي.ايه لم يقدم ما يكفي من الجهود من أجل أقلمة الجهاز مع السياق الجديد ولذلك لم يتمسّك به عندما طلب الاستقالة بسبب النقد الذي تعرّضت له الوكالة بعد حرب الخليج. وعيّن بدلا منه روبرت غيتس الذي صرّح أنه ينبغي على عالم الاستخبارات: «أن يتغيّر بالسرعة نفسها والعمق ذاته اللذين تغيّر بهما العالم نفسه. وقد حاول إجراء إصلاحات عديدة شكّل من أجلها 14 مجموعة دراسات. لكن الوقت لم يسمح له بذلك فجورج بوش الأب خسر الانتخابات واستغنى الرئيس المنتخب بيل كلنتون عن خدماته.
\r\n
\r\n
\r\n
هكذا في الوقت الذي انتخب فيه الأميركيون رئيسا جديدا كان قد قال لا للحرب الفيتنامية، بل هرب من التجنيد والذهاب إلى الجبهة، كانت فيه السي.آي.ايه تبحث عن مدير جديد ومعه عن هوية جديدة.
\r\n
\r\n
\r\n
سقوط السي.آي.ايه
\r\n
\r\n
\r\n
قال جيمس ولزي أثناء الجلسة التي سبقت اعتماده على رأس السي.آي.ايه: «لقد حاربنا تنينا كبيرا خلال خمسة وأربعين سنة. قتلناه ثم وجدنا أنفسنا وسط غابة من الأفاعي السامة». لقد أراد ولزي أن يؤكد استمرار التهديد على الأمن القومي الأميركي ولكن مع تغيير طبيعته أو نوعه. ثم إن «التنين»، وبسبب ضخامته، يبقى من السهولة التعرف عليه ورؤيته من الأعالي بواسطة الأقمار الصناعية المكلّفة بالتجسس. ثم إن استهدافه، وحتى قتله، ميسور. أما الأفاعي بالمقابل، فإنها تمثل تهديدا خفيا، ولا نراها حتى تصبح بالقرب منّا. والأفاعي عددها كبير ولدغتها قاتلة، أما من يمثّلها فيكمن في الإرهابيين وتجاّر المخدرات وخصوم الولايات المتحدة الكثيرين.
\r\n
\r\n
\r\n
بكل الأحوال طرحت أسئلة ثلاث نفسها، وهي: ما هي الإمكانيات المالية المطلوبة من أجل «مطاردة الأفاعي»؟ وما هي المقاربة الأفضل من أجل ذلك؟ وما هو التهديد ذو الأولوية؟
\r\n
\r\n
\r\n
كانت كلمة «الإصلاح» هي الأكثر تكرارا لدى الأميركيين، كثرت الاقتراحات والدراسات على جميع المستويات، فبالنسبة لعالم الاستخبارات الأميركية لن تكون نهاية الحرب الباردة لحظة، وإنما هي فترة طويلة لن تكتمل في الواقع إلا مع تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن. لقد قلّصوا ميزانيتها بينما كثرت تحدياتها مع ظهور المافيات الروسية وعصابات المخدرات والإرهاب وانتشار الأسلحة النووية وتدفقات اللاجئين وجرائم الحرب... وتحت إلحاح نائب الرئيس الأميركي آنذاك آل غور ضمّت السي.آي.ايه مركز مكافحة الأخطار على البيئة.
\r\n
\r\n
\r\n
كان جيمس ولزي ديمقراطيا محافظا، ولم تكن علاقاته ودودة مع الرئيس كلينتون. ولم يستطع أن يقابله مرّة واحدة على انفراد. ينقل عنه المؤلف قوله: «المسألة ليست معرفة ما إذا كانت علاقاتي مع الرئيس سيئة فهي كانت بكل بساطة غير موجودة».
\r\n
\r\n
\r\n
وكان يردد دائما حكاية تقول: «عندما تحطمت طائرة صغيرة على أعشاب حديقة البيت الأبيض، سرت دعابة أثارت ضحك فريق الرئيس كلنتون مفادها أن الطائرة التي تحطمت كانت تقلّ ولزي وهو يحاول الحصول على موعد مع الرئيس. تلك الدعابة لم تضحكني أبدا، لكن مع مرور الزمن أدركت أنها كانت تصف بالأحرى ما كنت أعيشه. لم تكن لدى الرئيس أية رغبة في الاستماع إلي. وكل ما كان يتعلق بالمصالح الاستخبارية لم يكن يثير اهتمامه».
\r\n
\r\n
\r\n
وينقل المؤلف عن مستشاري كلينتون أن «احتقار» الرئيس لولزي كان يعود لأسباب شخصية، وهو أن مدير السي.آي.ايه كان قد رفض توظيف أحد أصدقاء الرئيس في الوكالة بسبب عدم كفاءته. وكان كلنتون قد أشار أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية إلى أنه سوف يقلّص ميزانية الاستخبارات ما يقارب الربع. هكذا وجدت مكاتب الوكالة كلها اعتماداتها تتضاءل بمعدل 60 بالمئة. بل جرى إغلاق بعضها في أوروبا وأميركا اللاتينية، وخاصة في إفريقيا. وهذا ما ستأسف له السي.آي.ايه شديد الأسف في صباح 11 سبتمبر 2001.
\r\n
\r\n
\r\n
في سياق حالة التهميش التي عرفتها السي.آي.ايه أحس ولزي بأنه وحيد تماما. وفي عشية يوم عيد الميلاد من عام 1994 استدار صوب أفراد أسرته وسأل زوجته وأبناءه الثلاثة: هل ينبغي علي البقاء كمدير للسي.آي.ايه؟ وكانت الإجابة مكتوبة على أوراق صغيرة، وحصيلتها «لا» أربع مرّات. غداة اليوم التالي اتصل ولزي بالرئيس كلينتون هاتفيا كي يخبره بقراره وهو أن السي.آي.ايه مؤسسة من المستحيل إدارتها في مثل هذه الظروف، وبالتالي لا بد من البحث عن مدير جديد.
\r\n
\r\n
تعاقب المديرين
\r\n
\r\n
\r\n
فوجئ الرئيس كلينتون باستقالة مدير السي.آي.ايه إذ كان عليه أن يواجه الجمهوريين الذين فازوا بالأغلبية في مجلسي الكونغرس. وفي يوليو 1995 وضّح الرئيس كلينتون عبر توجيه رئاسي الأولويات بالنسبة للنشاطات الاستخبارية. وتمثّلت تلك الأولويات في ثلاث، الأولى كانت دعم العمليات العسكرية.
\r\n
\r\n
\r\n
وجاء في التوجيه الرئاسي: «إذا كان علينا أن نتحرك لمنع اعتداء عراقي جديد في منطقة الخليج أو تشجيع قيام نظام ديمقراطي في هاييتي، فإنه يُفترض استطاعة قادتنا العسكريين الاعتماد على وكالات الاستخبارات للاحتفاظ بالحذر واتخاذ القرارات الجديدة وضمان أمن القطاعات». الأولوية الثانية خصّت الاستخبارات الاقتصادية. والثالثة التهديدات الدولية مثل انتشار الأسلحة والإرهاب وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة ومشاكل البيئة التي يمكن أن يكون لها نتائج على أمن الولايات المتحدة.
\r\n
\r\n
\r\n
بقيت الأولوية الدائمة هي للعمليات المكرسة ل «حفظ السلام». فالجيش عليه أن يبقى في حالة تأهب في إفريقيا والبلقان والشرق الأوسط ومنطقة الكاريبي، بشكل خاص. وهكذا أيضا اتجه الرئيس كلينتون نحو عسكريين أو مدنيين مارسوا مسؤوليات في وزارة الدفاع (البنتاغون) من أجل إيجاد خلف لولزي. ورسى القرار على جون دوتش الذي شغل منصب الرجل الثاني في وزارة الدفاع.
\r\n
\r\n
\r\n
حصل دوتش على مكانة عضو في الحكومة، مثلما كانت حالة كيسي في ظل الرئيس رونالد ريغان. وقام «دوتش» بوضع عسكريين في المناصب الأساسية بالسي.آي.ايه الاستثناء الكبير الوحيد كان تعيين جورج تينيت بمنصب نائب مدير الوكالة وهو حاصل على إجازة جامعية بالشؤون الدولية. وكان قد عمل لفترة طويلة مع برلمانيين جمهوريين وديمقراطيين، لذلك أراد تعزيز العلاقات بين المصالح الاستخباراتية والكونغرس وكذلك «تنشيط إدارة العمليات».
\r\n
\r\n
\r\n
ولكن تنشيط تلك الإدارة لم يكن سهلا في ظل إدارة دوتش بسبب إيمانه أن «الأقمار الصناعية» لها الأولوية في النشاطات الاستخبارية. وكان قد عيّن على رأس تلك الإدارة نورا سلاتكين مما شكّل أول سابقة بتاريخ الوكالة تصل فيها امرأة إلى ذلك المنصب الرفيع. لكن إلى جانب «الحرب بين الجنسين» أظهرت سلاتكين عدم كفاءة في عملها. لم يستمر جون دوتش على رأس السي.آي.ايه سوى حتى شهر ديسمبر 1996 حيث قدّم استقالته. وقد خلفه نائبه جورج تينيت الذي كان الرئيس الخامس للوكالة خلال ست سنوات. وقد نال بسرعة شعبية كبيرة داخل الوكالة التي حدد مهمتها ب «الإنذار والحماية».
\r\n
\r\n
\r\n
لكن التغيير السريع لمدراء الوكالة كانت له نتائجه السلبية خاصة أنها كانت تواجه إحدى نقاط ضعفها الرئيسية، أي تجنيد عملاء في الخارج. وقد اعترف مديرها الجديد أن «مكتب التحقيقات الفدرالي لديه عناصر في نيويورك أكثر مما لدى السي.آي.ايه من ضباط سريين في العالم أجمع».
\r\n
\r\n
\r\n
ظهرت آثار ذلك النقص على مستوى مكافحة الإرهاب خاصة، ذلك أن السي.آي.ايه أدركت عبر أحد الفارّين من صفوف القاعدة أن أسامة بن لادن هو أكثر من مجرد مصدر تمويل. وبمساعدة وكالات أخرى مثل «مكتب التحقيقات الفيدرالي» أوجدت السي.آي.ايه وحدة مهمتها التصدي لإبن لادن وعُهدت برئاستها لمحلل اسمه مايكل شوير وجرى تعميدها بتسمية «اليك»، وهو اسم ابن المحلل المذكور.
\r\n
\r\n
\r\n
كانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ السي.آي.ايه التي يتم فيها تشكيل وحدة لملاحقة نشاطات شخص واحد. وخلال عامي 1996 و1997 توصلت وحدة محطة «اليك» إلى تحديد ثلاثة أمور هي أن القاعدة تمتلك فرعا شبه عسكري يستهدف المصالح الأميركية، وهي ترغب في استهداف أميركا على أرضها، وأخيرا تبحث عن الحصول على أسلحة غير تقليدية.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان قد جرى تكليف تينيت، في إحدى المهمات، بالقيام بدور الوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ذلك أن الرئيس كلينتون كان يريد تنشيط مسار السلام. كان الناقص هو الثقة، فطلب من «تينيت» أن يلعب دور الوسيط بين الفريقين. كان ضباط السي.آي.ايه يتطلعون بدهشة إلى مديرهم وهو يلعب دور الدبلوماسي.
\r\n
\r\n
\r\n
وافق الإسرائيليون على الوساطة، وراقت للرئيس عرفات فكرة أن يكون محاوره هو السي.آي.ايه، الوكالة المحاطة بعالم من الأسرار في البلدان العربية. وقد تمّ في ذلك الإطار الوصول إلى توقيع اتفاقيات «واي بلانتيشن» المتمثلة في «الأمن مقابل الانسحاب التدريجي» من الأراضي المحتلة.العراق كان هو المسرح الذي ركّزت فيه السي.آي.ايه برنامج عملياتها السرية، بالإضافة إلى دعم معارضي النظام العراقي منذ نهاية حرب الخليج الأولى (1991). وقد نظّم أولئك المعارضون عدة محاولات انقلابية فاشلة أدّت إلى اعتقال المئات من المتآمرين والعاملين مع السي.آي.ايه مما شكّل ضربة كبيرة لعمل الاستخبارات الأميركية في العراق.
\r\n
\r\n
وعلى أساس مشكلة المفتشين الدوليين وقرار صدام حسين وقف التعاون مع أولئك الذين يحملون منهم الجنسية الأميركية، أطلقت الولايات المتحدة عملية «ثعلب الصحراء» في نهاية عام 1998 حيث استهدف 400 صاروخ منشآت قيل أنها تنفذ برامج لتصنيع أسلحة دمار شامل. وقد وصف الرئيس كلنتون العملية بالقول: «ربما أننا دمّرنا كل شيء.
\r\n
\r\n
\r\n
وربما نصف الأهداف، وربما لا شيء، إننا لا نستطيع معرفة الحقيقة». وفي نهاية تلك السنة 1998، وأمام ملاحظة فشل البيت الأبيض، قرر الكونغرس الأميركي أن يأخذ الدور الأول، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الإطاحة بصدام حسين تمثل الهدف الرسمي للولايات المتحدة والكونغرس.
\r\n
\r\n
\r\n
في الفترة نفسها جرى تفجير السفارة الأميركية في نيروبي بكينيا. الحصيلة: 257 قتيلا وحوالي 5000 جريح. وفي اليوم نفسه تم تفجير السفارة الأميركية في دار السلام بتنزانيا مع سقوط عدد من القتلى. أصبح بن لادن عندها هدفا لنشاطات السي.آي.ايه.
\r\n
\r\n
\r\n
ويشير المؤلف إلى أنه خلال فترة 1998-2000 اقترحت وحدة «اليك» المكلّفة برصد نشاطاته داخل الوكالة الاستخبارية الأميركية أربعين خطة لاعتقاله. ولكن لم يتم تنفيذ أي منها، إما بسبب رفض البيت أو بسبب حظوظ النجاح القليلة أو المخاطر الكبيرة. مع ذلك كان التهديد يقترب إلى أن انفجر ب «وجه» الأميركيين مع تفجيرات 11 سبتمبر 2001 التي شكّلت مصدر مشكلات، وإنما أيضا مصدر شرعية جديدة، بالنسبة للسي.آي.ايه.
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.