\r\n \r\n \r\n الجنرال هو \"محسن رضائي\" أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يتمتع بنفوذ قوي في السياسة الإيرانية، وهو شغل أيضاً منصب القائد السابق للحرس الثوري. لكنه نادراً ما يتحدث إلى الصحفيين الأجانب، لا سيما الأميركيين لذا فوجئت عندما أبلغني مساعدو \"رضائي\"، خلال زيارتي الأخيرة إلى طهران، أنه مستعد لاستقبالي في بيته الصيفي بين الجبال. وبالنظر إلى تعقد السياسة الإيرانية ، كان من الصعب التأكد ما إذا كان الجنرال \"رضائي\" يسعى إلى بعث رسالة شبه رسمية، أم أنه فقط يدلي بتصريح عادي. والحال أن الاحتمال الأول كان هو الأرجح، لا سيما وأن الحكومة الإيرانية رتبت لقاءات أخرى مع مسؤولين كبار مثل \"علي لارجاني\"، كبير المفاوضين الإيرانيين حول البرنامج النووي. \r\n \r\n وقد جاءت رسالة \"رضائي\" واضحة، فمهما تعددت الأسئلة التي أثرتها كان يعود بالنقاش إلى حاجة طهران للخروج من أزمتها الحالية مع واشنطن، موضحاً ذلك بقوله إن الرئيس بوش \"بدأ حرباً باردة ضد إيران، وإذا لم يسيطر عليها فقد تتحول إلى حرب ساخنة\". وقد أشار \"رضائي\" خلال لقائي معه أن إيران تسعى جاهدة للتوصل إلى حل بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، لكن دون أن تفقد ماء وجهها. وهو أيد أيضاً وبطريقة مباشرة لم أسمعها أبداً قبل ذلك على لسان مسؤول إيراني مقترح \"محمد البرادعي\"، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يقضي بالموافقة على \"وقت مستقطع\" توقف إيران بموجبه عمليات التخصيب، وإن على نحو مؤقت. ويوضح الجنرال \"رضائي\" هذا المقترح بقوله \"ستُبقى إيران على مستوياتها الحالية من التخصيب الذي وصلته، وفي المقابل يمتنع مجلس الأمن عن إصدار قرار جديد\"، مشيراً إلى أن الفكرة بدأت تحظى بالتأييد داخل النظام الإيراني. \r\n \r\n ولم يفت \"رضائي\" أن ينوه أيضاً إلى المحادثات التي جمعت مؤخراً في بغداد بين \"رايان كروكر\"، السفير الأميركي لدى العراق ونظيره الإيراني \"حسن قمي\" وساهمت في التخفيف قليلاً من الخطر الذي بدأت تستشعره إيران في الآونة الأخيرة. واعتبر \"رضائي\" بنوع من الارتياح أن المحادثات الثنائية في بغداد أكدت اعتراف إدارة بوش المتأخرة بضرورة التعامل مع النظام في طهران. واللافت أن \"رضائي\"، وهو في أواخر الستينيات من عمره، لا يبدو ذلك الرجل الذي تصوره سيرته الذاتية. فهو برغم انخفاض صوته وطوله المتوسط كان قائداً للحرس الثوري خلال الحرب العراقية- الإيرانية الشرسة في الثمانينيات، وساهم في قيادة الهجمات الإيرانية. كما أنه كان واحداً من خمسة مسؤولين إيرانيين كبار، ممن وردت أسماؤهم في لائحة المتهمين في تفجير مركز يهودي عام 1994 بالعاصمة الأرجنتينية الذي أدى إلى مصرع 85 شخصاً. بيد أن الجهود التي يبذلها \"رضائي\" لإيصال رسالته تؤكد بأن سياسة الضغوط الدبلوماسية، التي تتبعها الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا بدأت تؤتي أكلها إلى حد ما على الأقل. \r\n فمن الواضح أن التعب بدأ يتمكن من إيران بسبب عزلتها الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن قلق المسؤولين في طهران من احتمال توجيه الولاياتالمتحدة لضربة عسكرية لبلادهم. والواضح أيضاً أن إيران اليوم باتت حريصة على تلبية مطالب \"البرادعي\" وتبني سياسة أكثر عقلانية فيما يتعلق ببرنامجها لتخصيب اليورانيوم إلى درجة دفعت بكبير المفاوضين \"علي لاريجاني\" إلى الاجتماع به مرتين في الأسبوع الماضي. لكن الغموض يكمن في موقف إدارة الرئيس بوش وما إذا كانت ستوافق على مقترح \"الوقت المستقطع\"، أو التعليق المؤقت للبرنامج النووي مقابل استمرار واشنطن في الإصرار على ضرورة قيام إيران بتعليق كامل لأنشطها النووية. وليس واضحاً كذلك ما إذا كان بوش سيتخلى عن مسعى تغيير النظام الذي قاده مؤخراً إلى الترخيص لوكالة الاستخبارات المركزية بإجراء عمليات داخل إيران. ويبدو أن الرئيس بوش قانعاً، بعد تمكنه من عزل طهران دبلوماسياً، بممارسة لعبة الانتظار ومجيء لحظة رضوخ إيران. غير أنه طيلة العشرة الأيام التي قضيتها في إيران نهاية شهر يونيو الماضي، وأمضيت معظمها في طهران لم تقنعني قط بأن إيران على وشك الرضوخ. فمع أن النظام يعاني من ضغوط شديدة، فإنه مازال بعيداً عن مرحلة الأزمة الاقتصادية، وذلك رغم قرار تقنين البنزين الذي أعلنت عنه الحكومة الإيرانية مؤخراً وأثار استياء شعبياً واسعاً. فالمحلات التجارية ممتلئة بالبضائع والشوارع تزدحم بالمتسوقين، كما تكثر محلات بيع الورود والبضائع الفاخرة، ما يعني أن الناس في هذا البلد الغني بثروته النفطية مازالوا قادرين على الإنفاق. كما أن الأضرار التي تتسبب فيها العقوبات الأممية وضغوط البنوك الدولية بقطع تعاملاتها مع إيران لم تصل بعد إلى مرحلة حرجة. وحتى نظام العقوبات الدولية مليء بالثغرات، بحيث تواصل الدول الأوروبية معاملاتها التجارية مع إيران، وهو ما حدا بالسلطات في طهران إلى اعتماد اليورو بدلاً من الدولار. وحتى في ظل الضغوط الأميركية المتنامية، تشير تعليقات \"رضائي\" و\"لاريجاني\" إلى أن إيران مستعدة لمنح إدارة بوش فرصة أخيرة خلال الفترة المتبقية لها في البيت الأبيض. بيد أن إدارة بوش قامت في مناسبتين على الأقل بإغلاق الباب أمام المبادرات الإيرانية. ففي أواخر 2001 وفرت إيران دعماً قيماً للإسهام في استقرار أفغانستان بعد الإطاحة بنظام \"طالبان\"، متعهدة بتقديم مساعدة مالية بلغت 500 مليون دولار، وهو نفس ما تعهدت به الولاياتالمتحدة. فما كان من إدارة بوش بعدة أسبوع على ذلك إلا إدراج إيران ضمن ما أسماه بوش \"بمحور الشر\". \r\n وفي ربيع 2003 لجأ المسؤولون الإيرانيون إلى وسيط سويسري لإرسال فاكس عبارة عن مقترح من صفحتين إلى وزارة الخارجية الأميركية تضمن نقاشات عن \"حل الدولتين\" للموضوع الإسرائيلي- الفلسطيني، دون أن يقابل ذلك برد أميركي. والخوف اليوم أن يترك فريق بوش الفرصة الحالية تمر بين يديه، لاسيما وأن الإدارة الأميركية لا تدرك بأن الضغوط الدبلوماسية على إيران لن تنجح أبدا، على الأقل في بلد يعتبر برنامج التخصيب النووي قضية قومية. والأكثر من ذلك أن المسؤولين الأميركيين لا يرون في العلاقات مع إيران سوى المصالح المتضاربة، وهو التصور هو ما يسعى \"رضائي\" إلى تبديده. فقد أشار إلى أن بلاده هي الوحيدة القادرة على مساعدة واشنطن للسيطرة على الميليشيات الشيعية في العراق، وإخماد تمرد \"طالبان\" في أفغانستان، فضلاً عن ترويض \"حزب الله\" في لبنان. والأهم من ذلك ما ذهب إليه بعض المتشددين والمصلحين الإيرانيين معا خلال مناقشاتي معهم من أن بلدهم، وفي ظروف ملائمة، قد توقف مسيرتها لتطوير القنبلة النووية. فحسب \"عادلي\" السفير الإيراني المعتدل في لندن \"تسعى إيران إلى الحصول على التكنولوجيا، وهذا يكفي للردع\". \r\n لكن ماذا عن المصالح المشتركة الأخرى بين أميركا وإيران؟ فلو نظرنا إلى العراق نجده المثال الوحيد الذي تعترف فيه إدارة بوش بحاجتها إلى مساعدة إيران، حتى وهي تتهمها بتزويد المقاتلين بالمتفجرات. وفي هذا السياق يؤكد \"رضائي\" أن حكومة \"نوري المالكي\" التي يهيمن عليها الشيعة \"تكتسي أهمية استراتيجية لإيران\" كما يقول، مضيفاً \"إننا نريد لحكومة المالكي أن تظل في السلطة، بينما تعارض الحكومات السنية في المنطقة بقاءها\". \r\n \r\n محرر رئيسي بمجلة \"نيوزويك\" الأميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست \" \r\n