\r\n فقد أظهر الخطاب كيف أصبح الكثير من الحسابات الدبلوماسية السابقة لإدارة الرئيس بوش في عداد الماضي ولحقها التغيير، لاسيما خلال ولايته الثانية. فمع تورط الولاياتالمتحدة في العراق وتعقد الوضع الأمني لم تعد الحرب إحدى الوسائل الناجعة والفعالة التي يمكن اللجوء إليها كلما عنَّ ذلك للإدارة الأميركية. وبدلاً من الحرب غيَّر البيت الأبيض وجهته ليخوض المعترك الدبلوماسي، وهو في جميع الأحوال لا يقل شراسة عن الحرب الحقيقية. وفي الواقع لا يعني هذا التحول على مستوى الإدراك الأميركي لجدوى الحرب سوى استيعاب مصالح البلدان الأخرى وتفهم مطالبها، حتى وإنْ استدعى ذلك تراجع الولاياتالمتحدة عن بعض مواقفها السابقة التي كانت إلى وقت قريب ثابتة لا تقبل النقاش. \r\n \r\n وهكذا يجد البيت الأبيض نفسه يتقدم ببطء لكن بثبات، ليلامس قضايا لم تكن مطروحة على أجندة الإدارة الأميركية في السابق. فبعد إصرار الرئيس بوش على ضرورة تعليق إيران لبرنامجها النووي ووقف تخصيب اليورانيوم كشرط لبدء المفاوضات، يبدو أن المسؤولين الأميركيين شرعوا مؤخراً في الخضوع للضغوط الأوروبية لاجتراح طرق بديلة تفضي إلى المباحثات، وفي الوقت نفسه تحفظ للولايات المتحدة ماء وجهها. ومع أن المسؤولين الأميركيين مازالوا يدفعون في اتجاه العقوبات بعد صياغتهم فعلاً لمشروع قرار موجه إلى مجلس الأمن، إلا أن تحفظ الحلفاء الأوروبيين لم يترك المجال أمام الولاياتالمتحدة وأجبرها على تبني خيار المفاوضات واستبعاد طريق العقوبات. ولا ننسى أن بوش استخدم عبارات لينة عندما تحدَّث عن إيران في خطابه، مشيراً إلى أن أميركا وإيران يمكنهما التحول إلى \"صديقتين وشريكتين تعملان سوياً لتعزيز السلام\". وتظهر صعوبات أميركا في إقناع حلفائها بخيار العقوبات من خلال حفل العشاء الذي نظمته وزيرة الخارجية يوم الثلاثاء الماضي في فندق \"ولدورف أستوريا\" على شرف نظرائها من روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. فرغم أن الاجتماع الذي رعته كوندوليزا رايس كان هدفه أصلاً الوصول إلى اتفاق حول قرار العقوبات، فإنه ما إن انتهى العشاء حتى أكد وكيل وزارة الخارجية الأميركية \"نيكولاس بيرنز\" أمام الصحفيين دعم وزراء الخارجية المشاركين لخيار المفاوضات مع إيران قائلاً: \"نحن نسعى إلى حل دبلوماسي للأزمة\"، مضيفاً في الوقت ذاته أن: \"الدبلوماسية تحظى بالأولوية على ما سواها\". واللافت أن بوش أكد أيضاً في خطابه أمام الجمعية العامة أن المسؤولين الأميركيين: \"لا يعارضون سعي إيران للحصول على برنامج سلمي حقاً للطاقة النووية\"، وهو ما يختلف جوهرياً مع سياسة الرئيس بوش تجاه طهران إبان ولايته الأولى عندما كان المسؤولون الأميركيون يمانعون بأعلى صوتهم في حصول إيران على التكنولوجيا النووية ما دامت تمتلك احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي. لكن الضغوط المستمرة التي مارستها الدول الأوروبية على أميركا جعلتها في النهاية تتخلى عن حجتها تلك وتقبل بالمفاوضات. \r\n \r\n وفيما يتعلق بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، دأب الرئيس بوش في السابق على الدفاع عن الديمقراطية في المنطقة وضرورة تشجيعها كوسيلة للحفاظ على الاستقرار وقطع الطريق أمام التشدد الذي يجد تربة خصبة في مناخ القمع وانسداد الأفق السياسي. غير أنه بالنسبة للعديد من المسؤولين الأميركيين لا يمكن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وضمان أمنه، إلا إذا تم إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ولتحقيق هذه الغاية أطلق بوش في خطابه مبادرة جديدة قائلاً إنه أوصى وزيرة الخارجية كوندليزا رايس \"بقيادة الجهود الدبلوماسية مع القادة المعتدلين في المنطقة لمساعدة الفلسطينيين على إصلاح أجهزتهم الأمنية وتقديم الدعم للزعماء الفلسطينيين والإسرائيليين لحل خلافاتهم\". هذه التصريحات لم تأتِ بجديد حسب بعض المسؤولين، وكل ما هنالك أنها عكست رغبة الإدارة الأميركية في استغلال الاستياء الشعبي من حكومة \"حماس\" التي وصلت إلى السلطة العام الماضي. \r\n \r\n ويتوقع أن تسافر كوندوليزا رايس إلى الشرق الأوسط بعد انتهاء اجتماع الأممالمتحدة، رغم عدم تأكيد المسؤولين الأميركيين لذلك. ويرجع انتعاش الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط إلى الضغوط التي تتعرض لها واشنطن من قبل الدول العربية والاتحاد الأوروبي من أجل الدفع بعملية السلام والمساهمة في حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني المستفحل منذ أمد طويل. وبينما يحاول رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التوصل إلى حل للخلاقات المستحكمة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة، دعا الرئيس الفرنسي من جهته إلى عقد مؤتمر دولي حول السلام في الشرق الأوسط \"لمناقشة ما يمكننا تقديمه من ضمانات للأطراف المختلفة بعد توصلها إلى اتفاق نهائي\". هذه المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي لم تلقَ آذاناً صاغية من قبل المسؤولين في واشنطن وتل أبيب الذين اعتبروها سابقة لأوانها. \r\n \r\n وفي تصريح آخر أدلى به أحد كبار مساعدي وزيرة الخارجية الأميركية \"فيليب زيليكو\"، أكد أن الحراك الدبلوماسي الذي تسعى واشنطن لخلقه في الشرق الأوسط إنما يهدف إلى تأمين تعاون دبلوماسي أكبر من قبل حلفائها في المنطقة لمواجهة إيران. وقد أزعجت تلك التصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين أبدوا قلقهم من تغير المواقف الأميركية وتحول إسرائيل إلى أداة في لعبة الحسابات الأميركية. \r\n \r\n جلين كيسلر \r\n \r\n مراسل \"واشنطن بوست\" في الأممالمتحدة \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n