وفي الوقت الحالي تقوم سياسة كوريا الجنوبية التي تنشد تحقيق السلام مع جاراتها الشمالية والرخاء للدولتين على أساس تأجيل اعادة دمج الكوريتين حتى وقت لاحق في المستقبل على المدى البعيد وهي وجهة نظر تشاطرها معها جميع الدول المجاورة لهما. وفي الوقت نفسه فان سيئول تفضل الخروج ببوينغ يانغ من عزلتها وترويض موقفها المتشدد مع تقديم اقتصاديات السوق على نحو تدريجي للخروج بكوريا الشمالية من حالة الفقر المدقع التي يعيشها السكان هناك. وترى واشنطن ان هذا التوجه يحمل موافقة على سلوك نظام شرير يمارس القمع ضد أبناء شعبه ويواصل تهديداته لجيرانه. وتعتقد ادارة بوش أن هناك ضرورة لتغيير النظام في بوينغ يانغ عاجلا وليس آجلا وترى أن هذا هو الطريق لتوقيع معاهدة سلام ورخاء في شبه الجزيرة الكورية. وفي هذا الاطار فقد جاءت التجارب الصاروخية الاخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية لتمثل فقط آخر المؤشرات التي تدل على اخفاق سياسة التقارب التي تسعى كوريا الجنوبية الى تفعيلها للسيطرة على سلوكيات بوينغ يانغ ونشر الاستقرار في المنطقة. كما أن هناك قضايا أخرى تلقي بظلالها على علاقة واشنطن وسيئول ومنها الخلافات المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة واعادة صياغة الأدوار والمهام الخاصة بالجيش الأميركي في كوريا الجنوبية اضافة الى ما يبدو أنه عدم تقدير من قبل واشنطن لمشاركة سيئول الجوهرية بقوات في العراق. ومن الواضح أن التحالف الأميركي الكوري الجنوبي قد بات في حالة أسوأ مما كان عليه قبل عدة سنوات قليلة ماضية. ونعتقد أن قيمة التحالف بين الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية تفوق في أهميتها تلك الاختلافات حول طرق التعاطي مع ملف كوريا الشمالية. وبالنسبة للوقت الحاضر يجب أن يتفق بوش وروه على ألا يختلفا حول كوريا الشمالية وأن يتحركا قدما الى الأمام. وقد قام التحالف التقليدي بين واشنطن وسيئول لأسباب منها التهديدات المشتركة وكذلك القيم والمصالح التي تجمع الطرفين. والدولتان مطالبتان من الناحية النظرية بضرورة المشاركة في تلك المحاور الثلاثة. فالتحالفات تخدم بتوفير الأمن المشترك حيث تربط من الناحية الرسمية بين الجانبين على صعيد المؤسسات العسكرية والدبلوماسية بطريقة تبعد عن التهديدات. وتبني الدولتان لموقف واحد تجاه كوريا الشمالية لم يعد في حد ذاته رابطا قويا يدعم أوشاج العلاقات الثنائية بيد انه ما تزال هناك أسباب قوية تدعو الى تعاون مستقبلي تقوم على أرضية المصالح الوطنية الخاصة لكليهما.والموقع الجغرافي للدولتين يدعو الى العمل المشترك بينهما ، فالصين التي تمثل قوة اقتصادية وعسكرية صاعدة تثير القلق لدى سيئول وواشنطن على السواء. فمن الناحية التاريخية كانت الصين تقول بأن كوريا جزء خاضع لنفوذها التقليدي ، كما أن قلق المجتمع الاقتصادي في كوريا الجنوبية آخذ في التزايد للمنافسة الصينية القوية خاصة في صناعة الصلب والصناعات الثقيلة. وفي استطلاع أجري مؤخرا عبر 38% من الكوريين الجنوبيين عن اعتقادهم أن الصين - وليست كوريا الشمالية - هي التهديد الأكبر أمام بلدهم. وبالنسبة للولايات المتحدة فالشراكة مع كوريا الجنوبية تتيح فرصة لتكوين قواعد في شرق آسيا تخفف وطأة ضغط التحالف الأميركي الياباني ، وهي تساعد في الوقت نفسه على طمأنة سيئول حول نوايا اليابان السلمية مع تبني طوكيو لدور أكثر اعتدالا من الناحيتين العسكرية والأمنية. والى جانب ذلك فان التحالف بين واشنطن وسيئول يعطي الأخيرة قناة اتصال مباشرة مع الولاياتالمتحدة يمكن من خلالها إيجاد آليات مستمرة للعلاقات السياسية ولتوسيع أطر الأنشطة الأقتصادية. وبصرف النظر عن مصير الأزمة الكورية الشمالية فالعلاقات بين واشنطن وسيئول سوف تكتسب أهمية وزخما خلال العقد القادم. وهناك عدد من القضايا الشائكة التي تنشر سحبها فوق أجواء شمال شرق آسيا مثل التلوث البيئي والمخدرات والتجارة في البشر والقرصنة والتزييف. وما من شك أن أي دولة واحدة لن تستطيع بمفردها ان تجابه مثل تلك التحديات ومن ثم تظهر أهمية التعاون بين سيئول وواشنطن وطوكيو والآخرين. \r\n جون ايكنبري وميتشيل ريس أستاذ العلوم السياسية بجامعة برينستون نائب رئيس كلية ويليام آند ماري للشئون الدولية خدمة لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست خاص ب\"الوطن\"