\r\n ولم يبق من هذه الثورة سوى أطلالها الماثلة في خطب الرئيس الاميركي. والحق أن السياسة الخارجية الأميركية في ولاية بوش الثانية، انتهجت نهجاً سياسياً جديداً. ففريق بوش السابق تجاهل ما يترتب على سياسة ولايته الأولى من خسائر مادية وأزمات ديبلوماسية مع حلفاء اميركا التقليديين. فأنهك الجيش الاميركي في الحرب على العراق، واستنفد أموال البنك المركزي. وقبل خلوصها الى وجوب تجنب التدخل في شؤون البلدان الاخرى، انقسمت الادارة الاميركية الى فريقين. الاول، وأبرز أنصاره بول وولفوفيتز وجون بولتون، يؤيد فرض الديموقراطية بواسطة القوة العسكرية. والثاني يحبذ واقعية سياسة الرئيس جورج بوش الأب، ويرفض فرض الديموقراطية بالقوة. وينتمي نائب الرئيس ديك تشيني، وهو اعترض على إطاحة صدام حسين في حرب الخليج الأولى، ورئيس الخارجية السابق كولن باول ووزيرة الخارجية الحالية كوندوليزا رايس، الى هذا الفريق. ورأت رايس حين كانت مستشارة الأمن القومي، أن نظامي صدام حسين وكوريا الشمالية يعيشان «في زمن غابر ومفبرك». وعليه، لا داعي للخوف منهما. والحق أن «ثورة بوش» نجمت، الى حد ما، عن شعور الأميركيين بأنهم مستهدفون بعد تفجيرات 11/9/2007، وعن زهوهم بقوتهم العسكرية العظمى في آن واحد. فتغلب الفريق الاول في الادارة الاميركية على الفريق الثاني. وبادر بوش الى حماية أميركا بإطاحة صدام حسين، والى نشر الحرية والديموقراطية. ولكن الرياح لم تجر بما اشتهت السفن. فالحرب على العراق غذّت حركات التمرّد والمقاومة، وألحقت الخسائر بالمدنيين العراقيين والقوات الأميركية، وأوشكت على بعث حرب أهلية عراقية. وبعد ثلاثة أعوام على سقوط بغداد، أدرك معظم الاميركيين، وهم أيدوا الحرب على العراق في بادئ الامر، أن ادارتهم ارتكبت خطأ فادحاً. فهذه الحرب وتعذيب المعتقلين والاستهزاء باتفاقية جنيف والقوانين الدولية، قوضت شعبية الولاياتالمتحدة في العالم، وأبعدت عنها الحلفاء. وتراجعت شعبية الولاياتالمتحدة بين 2002 و2005، من 72 في المئة إلى 59 في المئة بكندا، ومن 61 في المئة إلى 41 في المئة بألمانيا، ومن 75 في المئة إلى 55 في المئة ببريطانيا، ومن 25 في المئة إلى 21 في المئة بالأردن. \r\n \r\n وترافق تدني شعبية الولاياتالمتحدة مع عزوف الاميركيين عن دعم سياسة حكومتهم الخارجية. والحق أن هذا الدعم هو شرط سياسة خارجية ثورية في نظام ديموقراطي. وبعد سلسلة من الفضائح، وتدهور الاوضاع الامنية بالعراق، وإهمال معالجة آثار إعصار كاترينا، ومنع شركة إماراتية من إدارة موانئ اميركية، انخفضت شعبية بوش . وأساء المحافظون الجدد تقويم تكلفة الحرب على الاميركيين، ما قوض قدرة الإدارة على متابعة سياسة خارجية «تغييرية». وفي ولاية بوش الثانية، تغيرت لهجة الادارة الاميركية. وبشّرت وزيرة الخارجية رايس الاميركيين ببزوغ عهد الديبلوماسية، واستهلت سياستها بزيارة أوروبا. وعلى خلاف نهجه الأحادي، زار بوش أوروبا، وسعى الى التقرّب من الحلفاء الأوروبيين. وفي ولايته الثانية، عدل بوش عن معاداة المنظمات الدولية، على غرار محكمة العدل الدولية ومنظمة الأممالمتحدة. وعوض شنه «حرباً شاملة على الإرهاب»، سعى بوش الى «النضال ضد التطرّف والعنف». وعلى رغم سلبيات سياسة بوش «الثورية»، قطف العالم بعض ثمار هذه الثورة. فالعراقيون مارسوا حقهم في الاقتراع، وشكلوا حكومة عراقية. وتدنت نسبة الهجمات الارهابية بالشرق الاوسط، وخطت الديموقراطية خطواتها الاولى بأفغانستان والعراق ولبنان وليبيا. وهذه الخطوات حملت منتقدي سياسات بوش على الاعتراف بصوابها. \r\n \r\n (باحث في معهد دراسات بروكينغز)، «فورين أفيرز» الأميركية،