\r\n وقد انجرف العراق, في الاشهر الستة الماضية, باتجاه غياب حكومة, ووقفت قوات الأمن فيه موقف المتفرج في معظم اللحظات الحاسمة, كتلك المناسبة التي وقعت في شهر شباط, عندما قتلت الميليشيات الشيعية أفراد السنّة, بعد تفجير احد الاماكن المقدسة. \r\n \r\n واليوم, حيث يستمتع الزعماء العراقيون في المنطقة الخضراء بطعم نجاحاتهم الأخيرة, مثل الاعلان عن تسمية اعضاء اول حكومة دائمة, منذ سقوط صدام حسين, ومقتل ابو مصعب الزرقاوي, يعيش العراقيون خارج جدران بيوتهم في حالة من الذّعر اكثر من أي وقت مضى. فالضاحية إثر الاخرى في غرب بغداد, وقعت بأيدي رجال المقاومة, مع سواد الفوضى في الضواحي المجاورة لها. فالجثث تبقى ساعات ملقاة في الشوارع, والنفايات لم تعد تجمع, والأطفال ينالون تعليمهم في المنازل. \r\n \r\n لقد اخذ الشلل, الذي اوقف الحياة في غرب بغداد, يزحف الى وسط المدينة, وازداد الشعور بالالحاح لدى العراقيين, في المناطق القابلة للعيش والحياة, حيال الحكومة لوقف تقديم هذا الزحف, وها ما وعدت به الحكومة عندما كشفت النقاب عن الخطة الامنية الجديدة للعاصمة بغداد مؤخرا. وفي هذا الخصوص, قال احد الحرّاس في دكّان »الدلتا للاتصالات«, في ضاحية المنصور, لبيع الهواتف الجوالة, الذي أغلق بعد وقوع انفجار هناك الشهر الماضي, قال: »انه مثل السّرطان, آخذ في الانتشار من منطقة لاخرى«. \r\n \r\n والمنصور ضاحية ذات مساكن فخمة, وأسيجة منمقة, يقيم فيها من لديهم القدرة على استخدام حرّاس. غير ان هذا الامر لم يعد ذا بال في الفترة الاخيرة. ذلك ان عبوتين متفجرتين, من صنع محلّي, ضربتا عربتين رياضيتين تابعتين لأحمد الجلبي, احد المقيمين في الضاحية, في الشهر الماضي. واختطفت مجموعة من الرجال المسلحين سفير دولة الامارات العربية المتحدة واربعة من العاملين في السفارة الروسية. وتقتضي ترتيبات حفلات الزواج من العروسين توفير حرّاس الحفلات في نادي الصيد. ويقول احد المقيمين الأثرياء, »ان ابناء هذه الاسر المتوسطة والراقية لا رغبة لديهم في القتال. فذلك يشبه »الخوض في قالب من الزبدة«. \r\n \r\n منذ فترة والمنطقة يمزقها الاختطاف. فالعصابات الاجرامية تعرف اين يسكن الأثرياء. غير انه بدأ الاحساس, خلال الشهرين الماضيين, بأن اعمال العنف غدت اكثر تنظيما, وانها اكثر قسوة في الكثير من الحالات, تستهدف الشركات واماكن الاقامة الرئيسية في الضاحية. من ضحايا هذا العنف محل خسّاكي للحلويات, احد المحلات الشهيرة لبيع البقلاوة, ولفّات اللّوز الممزوجة بالعسل والكريم, التي تعرض في واجهة زجاجية بهيجة بشارع المنصور, منذ الثمانينيات. فيوم 28 ايار, وضع صبي مراهق حقيبة امام الدكان, وبعد لحظات انفجرت, ودمرّت واجهته الزجاجية, وبعثرت الحلويات, وقذفت احدى الشظايا لتسقط على رأس موظف الصندوق. وفي الاسبوع الماضي, قام العمال ببناء جدار بشع من الآجر لحماية المكان. وعلّقت يافطة مكتوب عليها كلمة »مفتوح«. وقال صاحب المحلّ: لقد تدمّر المحلّ, لقد تحطّم.. ولم يعد دكاناً من الدرجة الأولى«. \r\n \r\n \r\n حمّل صاحب المحلّ المغضب المسؤولية للامريكيين حيال المشاكل الأمنية, وهو رأي كثيرا ما يعبّر عنه الكثيرون في ضاحية المنصور, شيعة وسنّة على حدّ سواء. وقال صاحب المحلّ, الذي رفض ذكر اسمه, وهو شيعي وقف عابساً مقطب الجبين خلف حاجز الحلويات, »اذا كان الامريكيون يريدون تدمير العراق, فإنهم يسيرون في الطريق الصحيح«. ثم عرض لمسدس يتمنطق به, وقال: »ان لم يكونوا قادرين على تحسين الأوضاع, فعليهم ان يتركونا وشأننا«. \r\n \r\n وقال شخص, كان ينتظر دوره في الصف ليشتري حلوى تركية, مخالفا صاحب الدكان: »لكن ليس الآن. فنحن ما نزال في حالة ارتباك وتشوش«. ونظر اليه صاحب المحل باشمئزاز وبإشارة من رأسه. \r\n \r\n على ان الاعمال التي تقوم بها المقاومة على حدود ضاحية المنصور قد أغرقت الضواحي المجاورة الأخرى غرب بغداد في حال من الفوضى. ففي »دورا« من المستحيل ازالة جثث القتلى بسبب نيران القنّاصة. كما توقف تماما جمع النفايات. فما كان من علي عزيز, الشيعي, الاّ ان يحمل جثة صديقه بسرعة, في سيارة شحن صغيرة, اواخر شهر نيسان, بعد ان رفض رجال الشرطة التجاوب مع توسّل زوجة القتيل اليهم بنقله. وانتظر حتى وصل الى مركز أمن للشرطة, ليضع الجثمان في تابوت. \r\n \r\n وقال أحد العاملين على جهاز حاسوب, والذي انتقل الى ضاحية العامرية قبل اسبوعين, بعد وقوع أربعة اغتيالات في العمارة التي يسكنها, »الحكومة هنا لا وجود لها. اريد العودة الى منزلي لاحضار بعض الملابس, لكنني لا استطيع. ورغم ان هذا هو بلدي, وهذا هو بيتي, لكنني لا استطيع«. \r\n \r\n لم تتوقف الحياة تماما في المنصور, لكنها استحالت من الحيوية والنشاط الى الندرة والتقطير. وقد ذكرت صحيفة الواشنطن بوست, التي حصلت على وثيقة امن داخلية تسرّبت من السفارة الامريكية, بأن أحد الموظفين العراقيين قال ان ضاحية المنصور »مدينة أشباح لا يعلم عنها احد«. \r\n \r\n لقد أدّت التهديدات الى اغلاق عدد من المحلات في شارع المنصور, والفراغ سائد فيها في فترة العصر. وفي الاسبوع الماضي, جلس اثنان من اصحاب محلات بيع المجوهرات يشاهدان مباريات كأس العالم بكرة القدم, في غرفة خلفية من المنزل. وكانا أغلقا محليهما بعد ان تلقيا تهديدا بنسفهما ان لم يدفعا مالا. وحدث ذلك, بالصدفة, في اليوم نفسه الذي لقي فيه ابو مصعب الزرقاوي مصرعه. وقال احدهما, »اعتقدت في البداية ان المكالمة كانت مزاحا من احد الاصدقاء«. وقال هذا الجوهري, عمر, الذي رفض اعطاء اسمه الكامل, انه عندما دقق في رقم الهاتف الخاص بصاحبه, في وقت لاحق, تبيّن من الأخير أنه تلقّى ثلاث مكالمات هاتفية من رقم الهاتف المرسل نفسه. ولم يفكر عمر بإبلاغ البوليس عن ذلك. ولا يعبأ الآن الاّ بحياته. فيغسل سيارته, ويذهب للتسوق, وينام عند الظهر لفترة قصيرة. ويفقد 500 دولار في كل يوم يغلق فيه محلّه لبيع المجوهرات. \r\n \r\n وقال بعض اصحاب المحلات ان رجال المقاومة طلبوا الى التجار من الشيعة انزال صور القديسين. وقد سخر عمر من فكرة التهديد التي تقوم على دوافع طائفية. وقال »الأمر كلّه يدور حول المال. اما انزال الصّور فمجرّد ذريعة«. \r\n \r\n وعلى موائد العشاء, تتخلّل الجبرية والدعابة السوداء أحاديث الأصدقاء في ضاحية المنصور. »كان احدهم يرتدي بنطالاً قصيراً, فقال آخر: »حسنا, إننا ندرك الآن أنه في حالة وصول جماعة الزرقاوي, ستكون أول المقبوض عليهم«. \r\n \r\n ومع كل هذا, يأمل العراقيون بأن تؤتي خطة الأمن الجديدة, التي وضعت موضع التنفيذ, نتائج مفيدة. ففي الأسبوع الماضي, وقف جندي عراقي باسم, يشير الى السيارات باتجاهها, من نقطة تفتيش دورية بالقرب من مسكن الجلبي, مقابل نادي الصيد. فعلّق موّلا قائلا بأن الهدوء ساد المنطقة منذ تطبيق الخطة الامنية. \r\n \r\n على ان المشكلة الكبرى تكمن في الدولة نفسها. فمع وجود حكومة مركزية ضعيفة, يقوم العراقيون الأقوياء وأصحاب النفوذ, وهم الأثرياء والزعماء السياسيون وشيوخ العشائر, بتطويعها بسهولة ويُسْر, مستخدمين في ذلك نفوذهم لتحديد ضباط الشرطة والجنود لتنفيذ ما يريدون. كما تقوم مجموعات أصغر بشراء الأزياء اللازمة. وبالنتيجة, يغدو من المستحيل التمييز بين القوات الرسمية وغيرها. ولننظر الى قضية »عراقنا«, أحد اكبر محلات توفير الهواتف الخلوية, الذي أغار عليه حوالي 10 عراقيين بالزي الرسمي لأفراد الجيش, اوائل شهر نيسان. اذ احتجز المهاجمون 60 موظفا في غرفة واحدة, وعاثوا بالجوارير, واخذوا منها الهواتف والمحافظ. وقضي على الجميع. \r\n \r\n ما يزال المسؤولون في الشركة يتحزّرون ان كان المهاجمون من القوات الحكومية أم لصوص بثياب جنود. فقال ألان سينت - ماري, كبير المسؤولين فيها, بأنه رفع قضية قانونية في المحكمة, لاجبار الدولة على التحقيق في اصل ما حدث. مضيفا بأن »شهودا قالوا ان المغيرين كانوا من قوات رسمية. وكي اكون صريحا, وبالطريقة التي وقعت فيها, فما زالت تساورني الشكوك«. \r\n \r\n لقد أغلق هذا الفرع من فروع الشركة, ويعمل سينت - ماري على وضع خطة امنية جديدة. وفي محاولة للحفاظ على الجانب الأخلاقي, تخلّى عن اقتراح بناء حواجز من الإسمنت. وقال »يجب ان يبقى الفرع ودّيا, ولا اريد له ان يبدو كمقر سرّي تحت الأرض«. \r\n \r\n ويرشف موّلا من كأس الماء المثلج امامه في مكتبه الجديد خلف نادي الصيد, ولكنه قلق. فالأعمال التجارية, التي تتضمن الحفلات والموائد, هبطت بمعدّل النصف تقريبا خلال الشهرين الماضيين. ولا تحجز حفلات الزواج الآن الاّ قبل اسبوع من موعدها, وليس قبل شهر. وقال موّلا, الذي غاص في كرسيّه ذي الظهر العالي, »لقد اخذوا يقتربون منّا الآن. وأنا تعبتُ, وتعبتُ كثيرا من السيطرة على الوضع, ولا اجد مساعدة من أحد«. \r\n