وفي الكلمة التي ألقتها صباح الأربعاء الماضي، سعت المسؤولة الأميركية أيضا إلى طمأنة إندونيسيا بأن الولاياتالمتحدة مدركة للدور الذي يمكن أن يضطلع به تجمع دول جنوب شرق آسيا، وذلك في محاولة على ما يبدو لتبديد المخاوف هنا من أن إدارة بوش تحاول تجاوز هذه المنظمة الإقليمية وعقد اتفاقات تجارية مع دول المنطقة بشكل منفرد. \r\n \r\n أما الجزء الرئيسي من الخطاب فقد خصصته \"رايس\" للدفاع عن مساعي الإدارة الأميركية الرامية إلى نشر الديمقراطية في كثير من المناطق المضطربة من العالم. وفي هذا السياق، أعلنت \"رايس\" أن إندونيسيا أثبتت أنه من الممكن التغلب على الاختلافات الطائفية والعرقية وتأسيس نظام ديمقراطي. كما صرحت أيضا بأن إندونيسيا قد أحرزت تقدماً ملموساً على طريق محاربة الفساد العسكري قائلة \"إن جيشاً إندونيسياً فعالاً ومستفيداً من الإصلاحات هو في مصلحة جميع دول المنطقة، لأن التهديدات التي تواجه أمننا المشترك لم تختفِ بعد\". \r\n \r\n والواقع أن \"رايس\" حظيت بتصفيق على الخطاب الذي ألقته أمام نحو 500 من شخصيات المال والأعمال والسياسة والأكاديميين بمقر \"مجلس الشؤون العالمية\" الإندونيسي، ولكنها أيضاً واجهت أسئلة حملت بين طياتها انتقادات لاذعة للسياسات الأميركية وخصوصا حول موضوعي العراق والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. كما بدا أن الكثير ممن حضروا الخطاب يعتقدون بأن الولاياتالمتحدة تنتهج سياسة مبنية على القوة في مقاربتها تجاه جنوب شرق آسيا. \r\n \r\n وردا على سؤال حول أسباب استعمال الولاياتالمتحدة للقوة تحقيقا لأهدافها، قالت رايس إنه \"من النادر، والنادر جدا\" أن يتم إحداث التغيير عبر اللجوء إلى القوة العسكرية. وحول السياسات التي تتبعها الإدارة الأميركية تجاه إندونيسيا، قالت المسؤولة الأميركية \"الأمر لا يتعلق بالأبوية، وإنما بالشراكة\". والحقيقة أن اللقاء عكس ما يصفه المسؤولون الأميركيون بجو عدم الثقة السائد حيال النوايا الأميركية، فإندونيسيا على سبيل المثال لم تساند مقاربة الولاياتالمتحدة القائمة على ضرورة إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي. كما أن إندونيسيا ودولاً عديدة أخرى في المنطقة تبدي معارضة قوية في وجه الجهود الأميركية الهادفة إلى إقناع دول المنطقة بقطع علاقاتها مع ميانمار (بورما سابقاً). \r\n \r\n هذا وقد ضغطت وزارة الدفاع في الولاياتالمتحدة مؤخراً في اتجاه استئناف تقديم المساعدات العسكرية إلى إندونيسيا، والتي شهدت تقلصاً مطرداً بعد أن أطلقت قوات الأمن الإندونيسية النار على مدنيين كانوا يحتجون على الحكم الإندونيسي في تيمور الشرقية سنة 1991. إلا أن استفتاء 1999 في هذا الإقليم والذي أفضى إلى استقلاله أزاح حاجزاً كبيراً أمام استئناف هذه المساعدات، وإن كانت بعض منظمات حقوق الإنسان تعارض الفكرة. \r\n \r\n وقد توقفت \"رايس\" في جاكرتا ضمن جولة قامت بها عبر النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، والتي استهلتها بتشيلي نهاية الأسبوع المنصرم. وكانت أستراليا هي محطتها التالية بعد إندونيسيا. وقد أوضح مسؤولو وزارة الخارجية الذين رافقوا \"رايس\" أنه من المهم جداً أن تشدد الوزيرة على أهمية العلاقات مع إندونيسيا منذ انتخاب الرئيس \"سوسيلو بامبانغ يوديونو\" في 2004، الذي، يقول المسؤولون، إنه يسعى إلى استعادة المراقبة المدنية لجيش إندونيسيا، ومحاربة الفساد وتهيئة الظروف المواتية للاستثمارات الأميركية. \r\n \r\n أما الهدف الثاني من زيارة الوزيرة \"رايس\" فيتمثل في محاولة التقرب من الأغلبية المسلمة في إندونيسيا، والتي تبدي نوعا من الريبة وعدم الثقة إزاء النوايا الأميركية بسبب الحرب في العراق واعتقال المتهمين بالإرهاب في خليج غوانتانامو بكوبا. وقد أثارت زيارة \"رايس\" إلى إندونيسيا غضب المئات من المتشددين الذين تظاهروا أمام السفارة الأميركية احتجاجا على الزيارة. \r\n \r\n وحسب المسؤولين الأميركيين، فقد كان للمساعدات الأميركية بعد كارثة \"تسونامي\" في ديسمبر 2004، والتي بلغت 400 مليون دولار، دور كبير في ارتفاع المواقف الإيجابية تجاه الولاياتالمتحدة في إندونيسيا إلى أكثر من 50 في المئة، وذلك استنادا إلى استطلاعات الرأي. إلا أن استطلاعات أخرى للرأي أظهرت أن النسبة لا تتعدى 40 في المئة فقط. \r\n \r\n وفي هذا الإطار إذن تأتي زيارة الوزيرة \"رايس\" إلى إحدى المدارس الدينية التي تتلقى دعما مالياً من الولاياتالمتحدة. كما أعلنت المسؤولة الأميركية عن برنامج جديد لجلب شخصيات البرنامج التلفزيوني \"سيزام ستريت\" إلى الجمهور الإندونيسي. هذا ومن المرتقب أن تمنح الولاياتالمتحدة الحكومة الإندونيسية مساعدات تقدر ب135 مليون دولار. \r\n \r\n وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته بالمناسبة قالت المسؤولة الأميركية \"أحيانا أعتقد أن ثمة نقصاً في الفهم وبأن الناس لا يدركون إلى أي مدى تكن الولاياتالمتحدة الاحترام للشعوب المسلمة\". وفي المدرسة الدينية، تحدثت \"رايس\" للحظة مع أولاد وبنات في القسم، وصرحت في وقت لاحق بأنها كانت تتمنى أن يرى الأميركيون إلى أي مدى تختلف هذه المدرسة عن المدارس المعروفة بتدريس التطرف في العديد من دول العالم الإسلامي. \r\n \r\n وحسب عدد من المحللين، فإن لإدارة الرئيس بوش مصلحة كبرى في ضمان أن تتعاون إندونيسيا مع الولاياتالمتحدة في معركتها ضد المتطرفين الدينيين. وتجدر الإشارة إلى أن نحو 90 في المئة من سكان إندونيسيا البالغ عددهم 240 مليون نسمة مسلمون. وكثيرا ما يضرب المثل بالبلاد باعتبارها نموذجا للإسلام المعتدل ولعدم تعارض الإسلام مع الديمقراطية. وحول هذه النقطة تقول \"رايس\": \"إن إندونيسيا تشكل مصدر إلهام بالنسبة لأولئك الذين يواجهون اختلافات في العالم من حيث العرق والإثنية والدين\". \r\n \r\n ستيفان آر. ويزمان \r\n \r\n محرر الشؤون الخارجية في \"الواشنطن بوست\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n