من خلال خطابه السياسي الجريء وأعماله الثورية أثار أحمدي نجاد الفزع لدى جيران إيران وضاعف من القلق الأوروبي والأميركي حول برنامج إيران النووي‚ وأما دعوته لشطب إسرائيل من الخريطة ولاحقا قوله بأن إسرائيل يجب ان تنقل إلى أوروبا فجاءت في الوقت الذي كانت فيه مفاوضات إيران الجارية منذ عامين حول برنامجها النووي مع الأوروبيين والأممالمتحدة تتجه نحو الأزمة‚ \r\n في طهران يقول المسؤولون والسياسيون ان الرئيس لا يملك السلطة على السياسة النووية أو الأمنية‚ فمنصب الرئيس وجد من أجل إدارة الحكم‚ أما القرارات الكبيرة فهي بيد القيادة الجماعية التي على رأسها آية الله علي خامنئي القائد الأعلى في إيران وصاحب القول الفصل في شؤون الدولة‚ \r\n لكن مجيء أحمدي نجاد خفف من نفوذ المعتدلين في النظام‚ وربما الأهم خفف من نفوذ ما يسمى الجناح البراغماتي المحافظ بقيادة الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان على صلة وثيقة بالسياسة النووية‚ وفي الوقت الذي تستعد الحكومات الأوروبية لتصعيد الضغوط الدبلوماسية ونقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي‚ يقول المسؤولون في أوروبا انه في ظل وجود أحمدي نجاد كرئيس لإيران فإن إيران على الأرجح سوف تخطئ الحساب وتجد نفسها في مواجهة مع الغرب‚ \r\n إن الفوز الساحق الذي حققه أحمدي نجاد في يونيو الماضي لا علاقة له بالسياسة الخارجية وإنما ارتكز على شهرته بالأمانة والتواضع والتدين‚ وقد حظي بتأييد ودعم العناصر الراديكالية في النظام‚ بما فيها ميليشيات «حراس الثورة» الإسلامية‚ ولكنه حاز أيضا على إعجاب الإيرانيين العاديين الذين خابت آمالهم بالإدارة السابقة بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي التي اعتبرت بأنها شددت كثيرا على الإصلاحات السياسية‚ ولم تكترث بحل مشاكل البطالة والتضخم والفساد‚ \r\n في بلاد تزخر بالتذمر من المسؤولين الذين يعيشون حياة رغيدة كان محمود أحمدي نجاد ابن الحداد ورجل أسرة مجد في عمله ويعيش في بيت متواضع‚ فهو يقود سيارة بيجو قديمة‚ ولم يأخذ اجازة سنوية خلال توليه منصب عمدة طهران لمدة عامين‚ وقد استبدل بذخ سلفه «الإصلاحي» الذي أدين بتهمة الفساد بالكفاءة الإدارية التي وصلت حد التقشف‚ \r\n وكطالب يتذكره أقرانه بأنه كان مولعا بالدراسة ويجنح للهدوء ويقول أحدهم: عندما كنا كصبية نتشاجر كان يفصل بيننا ويدعونا لأداة الصلاة بدلا من ذلك‚ \r\n في انتخابات الرئاسة في يونيو كان شعار حملته الانتخابية تعهده بتوزيع أموال النفط على موائد الفقراء‚ كما كانت رسالته مثيرة لشجون الماضي‚ حيث دعا للعودة إلى المثل الفروسية للثورة الإسلامية لعام 1979‚ والتي أثارت حربا مع العراق دامت من 1980 1988‚ عندما خدم كمهندس في قوات حراس الثورة التي تحملت خسائر كبيرة في الجبهة‚ وبالنسبة لأحمدي نجاد كانت الحرب هي العصر الذهبي للوحدة ورفقة السلاح‚ فالتضحية الذاتية للمقاتلين الإيرانيين مثلت الروح الاستشهادية التي تحتل مكانة مركزية في تاريخ وممارسات الإسلام الشيعي‚ \r\n في الدين مثلما هو الحال في أي من الأمور يعتبر أحمدي نجاد رجل البساطة والتصرف الطبيعي التلقائي مع الفقراء في المدن الكبيرة والصغيرة‚ والقرى في عموم البلاد التي تعادل مساحتها مجموع مساحة كل من العراق وتركيا وسوريا‚ \r\n يبدي نجاد تقديسا خاصا للإمام الثاني عشر‚ المهدي المنتظر‚ الذي يعتقد الشيعة بأنه اختفى في عام 941‚ وسيعود ذات يوم ليحكم لفترة معينة قبل يوم الحساب‚ وقد أبرز أحمدي نجاد الإمام المهدي في خطابه في الأممالمتحدة في أكتوبر الماضي وبلبل عقول الدبلوماسيين الغربيين وأثار القلق لدى المسؤولين العرب الذين لا تؤمن الغالبية السنية من سكان بلدانهم بعودة الإمام‚ وعندما بث موقع إيراني على الانترنت شريط فيديو للرئيس يقول لأحد كبار رجال الدين في مدينة قم المقدسة بأنه رأى «ضوءا أخضر» خلال إلقائه لخطابه في الأممالمتحدة‚ بدأت أجراس الإنذار تدق في أوساط النخب السياسية والدينية الإيرانية‚ \r\n الصعود السريع لأحمدي نجاد يعني أنه ليس من داخل المؤسسة المعززة بروابط معقدة‚ من الولاءات الدينية والأسرية والمصالح المادية‚ ولذلك وقع بسرعة في مشاكل مع البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون الذي رفض المصادقة على ثلاثة مرشحين قدمهم لتولي منصب وزير النفط وأجبروه على اختيار وزير من داخل المؤسسة معارض لرغبته لقمع «مافيا النفط» التي قال انها تهيمن على قطاع النفط‚ \r\n بالنسبة لآية الله خامنئي يعتبر أحمدي نجاد بركة متعددة المنافع‚ فانتخابه انتصار للقوى المحافظة‚ كما أنه يدين بالولاء للقائد الأعلى ولكن راديكاليته وعدم قابليته للتكهن بتصرفاته تجعلان نفوذه السياسي خطيرا‚ ولذلك تعتبر اعادة تشكيل قيادة الحرس الثوري من قبل خامنئي كمحاولة للحد من نفوذ الرئيس في المراكز الحيوية للنظام‚ \r\n يبقى أحمدي نجاد مشهورا في أوساط قاعدته الانتخابية وبشكل بائن في أوساط ميليشيا حراس الثورة ولكن أيضا في الوقت الحالي على الأقل في أوساط الشعب الإيراني عموما‚ \r\n لكن منتقدي أحمدي نجاد من الإيرانيين قلقون من راديكاليته خصوصا عندما يهاجم إسرائيل وتعاطفه مع الفقراء في إيران وخارجها‚ وقد حذر خاتمي الشهر الماضي من التفسير المتزمت للإسلام‚ ولكن احتمالات حدوث أزمة دولية لا تخيف أحمدي نجاد الرجل الذي يضع ثقته بالله والذي تشكلت حياته في خنادق الحرب العراقية الإيرانية‚ في الوقت الذي كان أعداء إيران تدعمهم الولاياتالمتحدة وروسيا وجميع الدول العربية باستثناء سوريا‚ ويحترم أحمدي نجاد واحدا من كبار رجال الدين هو آية الله محمد مصباح تقي مصباح يزدي الذي يدعو منذ وقت طويل إلى العزلة عن الغرب للحفاظ على نقاء الإسلام في إيران‚ \r\n عملت إيران بجهد وجلد لتنويع مورديها وتشجيع الاكتفاء الذاتي طوال 26 عاما من الحصار الاقتصادي الأميركي الذي منع بيعها قطع غيار لطائراتها المدنية وعقدت العمليات البنكية وحرمت إيران من التكنولوجيا‚ وحسب قول أحد المسؤولين من داخل النظام أبلغ أحمدي نجاد اجتماعا ضم كبار القادة الإيرانيين في سبتمبر بأنه ينبغي ألا يقلقوا من احتمال فرض عقوبات دولية أخرى على إيران‚ وقال انها ليست مهمة‚ ومع وصول سعر برميل النفط إلى أكثر من 60 دولارا يشكك المسؤولون الإيرانيون بإقدام الغرب والدول الآسيوية المتعطشة للنفط على مقاطعة إيران‚ رابع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم‚ \r\n انه هذا الاستعداد لتحدي العالم هو الذي يقلق «الإصلاحيين» ويثير فزعهم وهم الذين حذروا طويلا من أن المواجهة سوف تعزز وتقوي نفوذ الأصوليين واليوم هم يخشون من أن يؤدي تهديد إيران بالحرب أو بالعزلة على المدى القصير على الأقل إلى إخلال ميزان القوى في إيران لصالح توجهات أحمدي نجاد‚ مع عواقب خطيرة على إيران والمنطقة والعالم الإسلامي الأوسع‚ \r\n