\r\n تولى شرودر السلطة منذ سبعة أعوام حيث كان آنذاك يمثل جيلاً جديداً لم يكن من بين الخبرات التي أسهمت في تكوينه وصياغة هويته الحرب الباردة، ولا التكامل الأوروبي، ولا الصداقة بين ضفتي الاطلسي، بل توحيد ألمانيا واستعادة السيادة الوطنية. وكانت ألمانيا في نظره ونظر الفريق الذي تولى السلطة، بعد حكم هلموت كول الذي دام ستة عشر عاماً، قد أصبحت دولة طبيعية لا تختلف عن الدول الأوروبية الأخرى من ذوات الوزن الثقيل مثل فرنسا وبريطانيا.\r\n والحقيقة أن واحدة من بين أولى الخبرات الكبرى التي عاصرها شرودر في مجال السياسة الخارجية كانت قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت في عام ،1999 حيث لجأ زعيما فرنسا وبريطانيا إلى اللعب بخشونة مع القادم الجديد من برلين. وكان الدرس الذي خرج به شرودر من هذه التجربة هو الإصرار على أن التعامل مع ألمانيا باستخفاف لم يعد أمراً ممكناً، ويجب المطالبة بدور يتناسب مع حجم ألمانيا وثقلها. وعلى هذا فقد أصبح الشغل الشاغل للسياسة الخارجية الألمانية هو إثبات الذات. \r\n ومن هنا، فحين تحدث شرودر عن ظروف خاصة لفشل ألمانيا في الالتزام بسقف الميزانية الذي حددته معاهدة الاتحاد الأوروبي للاستقرار والنمو، فقد بدا الأمر وكأنه يريد أن يؤكد أن القيود ينبغي أن تنطبق على الدول الأصغر حجماً فقط، وليس على اللاعبين الكبار. وحين عارض الحرب التي شنتها أمريكا ضد العراق، وكان مُحِقاً في ذلك، كنا نستطيع أن نلمس الشعور بالاعتداد بالذات في الوقوف في وجه القوة العظمى الوحيدة في العالم. وحين أسس علاقات شخصية وسياسية وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد كان بذلك يلفت انتباه العالم وانتباه الدول الأعضاء الجديدة في الاتحاد الأوروبي من شرق أوروبا إلى أن سياسة ألمانيا الخارجية لن تظل مكبلة بقيود بالماضي بعد ذلك. \r\n تقتضي الأمانة أن نعترف بأن ألمانيا لم تتخل عن ترددها السابق بشأن نشر جنودها في الخارج إلا تحت زعامة شرودر. وكان دعمه لمهام التعامل مع الأزمات الدولية في كوسوفا، أو البوسنة، أو أفغانستان يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة السياسية، ولقد أدى ذلك إلى جعل ألمانيا واحدة من كبار المساهمين في الجهود الدولية الرامية إلى نشر الاستقرار في العالم. ولقد كان انتشال تلك القضية من براثن الجدل الايديولوجي الداخلي من بين الإنجازات الكبرى التي تحققت أثناء ولاية شرودر. ولكن كان المقصود بذلك أيضاً إبلاغ العالم أن ألمانيا قد نضجت وتحولت إلى قوة دولية حقيقية. \r\n تحت زعامة ميركل سوف يتغير جوهر السياسة الخارجية الألمانية قليلاً، لكن الأسلوب الحازم لن يظل قائماً كما كان. وسوف يرحب قادة أمريكا بانتخابها كدليل على انتهاء النفور في العلاقات الثنائية بين الدولتين. لكن الحقيقة أن ذلك النفور والتباعد كانا قد انتهيا إلى حد كبير في وقت مبكر من هذا العام، حين أدركت إدارة بوش أن وجود حلفاء لها أمر ضروري، وأن ألمانيا حليف مهم. وسوف تعمل ميركيل على إعادة الحرارة إلى العلاقة بعد أن كانت مفقودة أثناء ولاية شرودر، لكنها لن تصبح المرأة التي توافق أمريكا على الدوام. \r\n كما أنها لن تتخلى عن العلاقات الخاصة التي تربط بين ألمانيا وروسيا، والتي حرص كل مستشار لألمانيا منذ أديناور على تأكيد أهميتها الكبرى. لكن ميركل قد أوضحت بالفعل أن جيران ألمانيا من جهة الشرق لن يجدوا من الأسباب ما يدعوهم إلى الشعور بأن ألمانيا تتجاهلهم، بل إنها قد ترغب في التأكيد على هذه الرسالة من خلال جعل أول زيارة رسمية لها في الخارج ليس إلى باريس، بل إلى وارسو أو فيلنيوس. \r\n أما فيما يتصل بالمشروع الأوروبي، فهي لا تقل عن سلفها التزاماً بالتكامل الأوروبي. ولسوف تستمر في التأكيد على العلاقات الوثيقة مع فرنسا، وذلك لأنه لا مناص من هذا. فمع غياب بريطانيا عن منطقة اليورو وعدم دخولها ضمن حدود دول "الشينجين"، فإنها تظل العضو المنعزل داخل الاتحاد الأوروبي. \r\n ولكن لن تكون هناك مبادرات جديدة في مجال التكامل الأوروبي إلى أن يصبح زعماء الدول التي رفضت المعاهدة الدستورية مستعدين لمحاولة جديدة. وحين يحدث هذا فلسوف تكون ميركيل في موقع رئيسي يسمح لها بإضافة الثقل إلى جهود جديدة ترمي إلى تحريك الاتحاد الأوروبي إلى الأمام. كما أنها ستستمر في تأييد انضمام دول البلقان إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها لم تترك أي مساحة للشك في معارضتها للعضوية الكاملة لتركيا، وهو ما يمثل التغيير الجوهري الأكبر عن فترة ولاية شرودر (ومع ذلك فلن تحاول حكومتها وضع العراقيل أمام بدء المفاوضات مع تركيا). \r\n الحقيقة أن ميركل لن تضطر إلى بذل قدر كبير من الجهد بعد انتخابها لكي تضع بصمتها على السياسة الخارجية لألمانيا، ذلك أن التغيير الملموس في الأسلوب سيكون كافياً لأداء هذه المهمة في البداية على الأقل. كما أنها ستكون مشغولة على أي حال بدفع الإصلاحات الاقتصادية التي انتخبت من أجلها، والتي تمثل أهم أولوياتها. هناك من المؤشرات ما يؤكد أن ألمانيا في طريقها أخيراً للخروج من أعوام من الركود الاقتصادي، ولا ننكر في ذلك فضل الإصلاحات التي بدأها شرودر. وفي الداخل فلميركيل أن تأمل في جني الثمار. \r\n وعلى صعيد السياسة الخارجية فلا تحتاج ميركيل إلى إقامة الدليل على أن ألمانيا واحدة من دول الاتحاد الأوروبي الكبرى، ذلك أن شركاءها يدركون هذه الحقيقة تمام الإدراك، لكن ألمانيا أيضاً أكثر من مجرد دولة عادية، فهي تظل على قدر كبير من الأهمية فيما يتصل بالربط بين المؤسستين الدوليتين اللتين ستستمران في ضمان رخائها واستقرارها، ألا وهما الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. هناك بعض المؤشرات التي توحي بأن ميركل أكثر إدراكاً لهذه الحقيقة من شرودر. وليس لنا إلا أن نأمل في أن يكون في هذا الإدراك ما يهديها إلى طريق الصواب حين يتطلب الأمر اتخاذ قرارات صعبة، وحين لا يكون التغيير في الأسلوب كافياً. \r\n \r\n * مدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية ببرلين، والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت" \r\n