غير انه تحت سطح واجهة المعاداة للولايات المتحدة, تقوم امة ذات الكثير من الامور المشتركة مع ما تعلنه من شعارات انتقامية, التي تتراوح بين الاعتماد العام على الارادة السماوية والنظرة الطموحة لصورة الذات, وبين عادة تعريف الذات, في الغالب, بمعايير الاعداء ومقاييسهم. \r\n \r\n وعلى نحو ما, فإن المبارزة قائمة بين شعبين يحملان عزة قومية, وروايتيهما الخاصتين ببيان المصير فوق الجميع. وبالنتيجة, يبرز هذا التصادم حول الطموحات النووية والقومية, التي يمكن للجانبين تفهمهما لو نظرا في المرآة, وفي هذا الخصوص, يقول جواد واعيدي, محرر صحيفة »الهمشري الدبلوماسي« المحافظة, انه لدى الزعماء الحاليين في ايرانوالولاياتالمتحدة »مجموعة افكار مشتركة. فهم ينظرون الى العالم بمقياس الابيض والاسود, ويعتقدون بأن الله اولاهم واجباً, وانهم يؤدون رسالة. كما انهم يرون في انفسهم امبراطوراً على العالم«. \r\n \r\n وأمام المسجد الذي يؤمه احمدي نجاد للصلاة كل يوم جمعة, تظهر النظرة الى الولاياتالمتحدة, »كشيطان كبير«, في عرض للعلم الامريكي مرسوم على ارض الشارع, حيث يدوسه الناس يومياً. وقال صالح, الطالب في كلية الحقوق, والملتحي, الذي رسم هذا العلم قبل عامين, »لقد رسمته بغاية تحدّي الاستبداد والشمولية. فنحن نعرف هويّة امريكا, كما نعلم ما هو خلف السّتارة«. \r\n \r\n وفي الواقع, يعرف الايرانيون الكثير عن امريكا, كما يقول المحللون. ويضيف واعيدي الى ذلك, »ان الشعب الامريكي يحب هذا الرجل المجنون »بوش« لانه يصرح ويقول »سأدافع عن هذا الشعب واحمي امنه«. والايرانيون يشبهون الامريكيين في الرغبة بدعم أي مغامر مجنون للحفاظ على سلامهم وامنهم«. \r\n \r\n ان هذا الدافع قادر وحده على وضع واشنطنوطهران في حالة تضاد لكنه ليس سراً القول ان الشعب الايراني ربما يكون اكثر الشعوب موالاة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط. وقد بين استطلاع سري للرأي, اجرته لجنة برلمانية ايرانية عام ,2002 ان ثلثي الايرانيين يؤيدون الانفراج. وادى ذلك الاستطلاع الى اعتقال احد القائمين عليه, الذي كان طالباً - ويا للسخرية - ايام الثورة الاسلامية عام ,1979 وساعد في التخطيط للاستيلاء على السفارة الامريكية في طهران. \r\n \r\n فعلى الدوام, كان الامريكيون يستقبلون من الايرانيين بالمصافحة والقبل والسخريات العالية في الشوارع. وبيانات التعبير عن مشاعر الدفء حيال الشعب الامريكي امر شائع. ومع هذا, فإن انتخابات الرئاسة الاخيرة اثارت موجة جديدة من السخرية المتبادلة. فادارة الرئيس بوش, التي تعتبر ايران جزءاً من »محور الشر«, رفضت نتائج الانتخابات الايرانية مسبقاً, واعتبرتها مزيفة, وقالت الادارة ان السلطة ظلت بأيدي زعماء غير منتخبين »ينشرون الرعب في جميع انحاء العالم«. وهزىء وزير الدفاع, دونالد رامسفيلد, من »الانتخابات المهزلة«, وقال ان احمدي نجاد »لا هو صديق للديمقراطية.. ولا للحرية«. \r\n \r\n وتصدى الزعيم الديني الاعلى في ايران, آية الله علي خامينئي, لهذه التصريحات ببيان قال فيه ان الانتخابات الايرانية, التي جرت بمشاركة حوالي 60 بالمئة من الناخبين, لقّنت الولاياتالمتحدة درساً. وقال خامينئي انه »بالرغم من الثرثرة الفارغة, فإن عدوكم يشعر الآن بالامتهان الكبير في اعماقه«. كما اشارت احدى صحف التيار المتشدد »الى الوجه المدمى للعم سام«. \r\n \r\n من ناحية اخرى, قال بعض الايرانيين ان تعليقات الرئيس بوش على الانتخابات دفعتهم لان يذهبوا ويدلوا بأصواتهم. وغمز آخرون بأعينهم وهم يشيرون الى عبارات بوش »بأن حكماً دينياً متشدداً يساعد حكماً اخر«. \r\n \r\n يقول المحلل السياسي سعيد ليلاز, »هناك ثلاث عواصم ايديولوجية في طهران وتل ابيب و واشنطن. ومن الواضح ان الواحدة منها ضد الاخرى, ولكنها جميعاً تحب بعضها بعضاً, والواحدة منها بحاجة للاخرى. ونحن بحاجة الى وجود عدو اجنبي كي نقوم بحكم البلاد«. \r\n \r\n ومع هذا, يعقد الايرانيون مقارنات اخرى, ايضاً. ذلك ان خامينئي وبوش يثيران سلطة الله على نحو منتظم. وفي هذا الشأن, يقول حامد رضا جلائي بور, استاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة طهران, من حيث الطرح السياسي, يتشابه الرئيس بوش والمحافظون الايرانيون كثيراً. اذ يحاولون جميعاً استخدام لغة الدين لاغراض سياسية. »ففي الولاياتالمتحدة«, يقول امير محبيان, المحرر السياسي لصحيفة »رسالات« المحافظة, »حيث يتوافر نظام ينظر الى ان التفكير دينياً ليس امراً خطأ, فإنني افضل الناس الذين يذهبون الى الكنيسة. غير ان اثارة حرب بين الشعبين - اللذين يعتقدان بأنهما يتصرفان نيابة عن الله - ليست بالامر الصحيح. فالحرب بين اصحاب العقائد الدينية امر خطير للغاية«. \r\n \r\n لا يبدو على هذه المتوازيات أنها نابعة من التواريخ الوطنية. فالتاريخ الامبراطوري لبلاد فارس يمتد الى اكثر من 2500 سنة ماضية, اما التراث البيوريتاني »البروتستانتي التطهري« لامريكا فلا يعود الا الى جزء بسيط من ذلك التاريخ الفارسي البعيد. ومع هذا, فقد صرح الرئيس الايراني السابق, محمد خاتمي, لمجلة »نيوزويك«, في عام ,2004 بأن »الشعب الامريكي شعب عظيم, وأن كنه الحضارة الامريكية نابع من الثقافة البيوريتانية التي اكن لها احتراماً كبيراً«. \r\n \r\n على ان هاتين الحضارتين تقدران الاستقلال, وانتجتا مجتمعين تستطيع الاصول المتواضعة فيهما التوجه الى مواقع القيادة. فالرئيس الايراني المنتخب حالياً, هو نجل لحداد, هذا على سبيل ذكر مثال حديث جداً. ويقول رضا علوي, الشخصية الاكاديمية, ومدير التحرير السابق لمجلة الشؤون الاسلامية والشرق اوسطية لجامعة هارفرد, »لايران تاريخ من الاستبداد المطلق, والحكم الديكتاتوري الوحشي, قام فيه الحاكم على الدوام بتحطيم الارستقراطية, وعليه, فبالإمكان العثور على اشخاص لا تعرف الاصول الى جاءوا منها, ولكنهم تبوأوا أعلى المواقع في السلطة«. \r\n \r\n ويمضي علوي قائلاً »هناك قيمة نجاح حضارية مماثلة في العقلية الامريكية«. وبنتيجة ذلك كله, »تجد الفردية المتطرفة, ولهذا بالضبط تجد العديد من الايرانيين المتكيفين تماماً مع امريكا. فعندما يذهبون الى الولاياتالمتحدة, فكأنهم اسماك في الماء«. \r\n \r\n ومع هذا, فالاختلافات بارزة ايضاً. ذلك ان امريكا مجتمع منصاع للقانون, بينما لا تعتبر ايران دولة قانون. كما ان الطوائف الدينية في الولاياتالمتحدة مختلفة تماما عن تلك المتواجدة في ايران, وفي هذا الصدد, يقول علوي. »ان مجتمع بوش منبثق من حركة إحياء, وهذا يعتبر في الغرب ردة فعل على العلم الحديث, ولكنه لم ينجح نجاحاً حقيقياً ابداً لان كلا من امريكا واوروبا الحديثتين محددتان ومعرفتان بالعلم. اما في ايران, فإن النص التقليدي انتقل الى العصر الحديث, والدين جزء منه. فان اتى امريكي بعمل خاطىء يقول: اسف, اما الايراني فيقول: هذه ارادة الله. وأنه لامر مختلف تماماً عندما ينطق الرئيس بوش بكلمة الله, عنه عندما ينطق بها خامينئي«. \r\n \r\n ويقول محللون انه بالرغم من تشابه الخطاب عن »العدو«. فإن للمقارنات حدودا. وفي هذا الخصوص, يقول احد الدبلوماسيين الغربيين, »يعيش المتشدوون في ايران في عزلة عن العالم.. فلا يلتقون الاجانب او يصغون اليهم على الاطلاق, ويقتلون المنشقين وينتهكون ويفسدون حقوق الانسان. اما في الولاياتالمتحدة, فهناك نوع مختلف من المتشددين, هناك قناعة بسلطة الحرية. ولدى المتشددين فيها مجموعة متكاملة مختلفة من القيم«. \r\n \r\n ومهما يكن من امر, فقد سعى احمدي نجاد, ولا يزال يسعى الى ترويض سمعته. فقال الرئيس المنتخب, »في السياسة الداخلية, ستنهج الحكومة سياسة الاعتدال. وعلى اولئك الامريكيين الذين يرغبون في اقامة علاقات مع ايران. ان يفصحوا عن سياساتهم بشفافية ووضوح, كي نستطيع دراسة الاحتمالات«. \r\n \r\n ويقول مسؤولون, لكن ايران تتوقع اولاً معاملتها كصنو-وهو امر ترفضه الولاياتالمتحدة الى ان تسوّي ايران موضوع اتهامها بالأرهاب, وموضوع طموحاتها في التسلح النووي. \r\n \r\n ويطيب للبعض ان يعقدوا مقارنة موازية مع حكم الشاه الموالي للغرب, الذي تربى كحليف قبل ان يخلع من السلطة في عام ,1979 وفي ذلك الوقت توثقت العلاقات الى درجة كبيرة, لدرجة ساعدت الولاياتالمتحدة معها في وضع الخطة الاصلية للبرنامج النووي الايراني. \r\n \r\n يقول واعيدي, »اذا كان للامريكيين حق ان يصبحوا امبراطور العالم, فإن الايرانيين يعتقدون بأن لهم الحق في ان يصبحوا امبراطور المنطقة على الاقل, وان تمكنا من ايجاد الطريقة الافضل للتوفيق بين هذين الاتجاهين للهيمنة, فذلك هو الصحيح«. \r\n \r\n ويمضي واعيدي ويقول »لقد ادركت امريكا هذا الدور لشاه ايران, لكن كان ذلك دور العميل للولايات المتحدة, وليس دور الحليف, فإن استطاعت امريكا اعتبار ايران حليفاً, وليس كعميل, فقد تنجح. اما الرسالة الى الحكومة الامريكية فهي: عليكم ان تقبلوا وجودنا«. \r\n