\r\n وقد رأينا أيضا كيف أن المظاهرات العارمة التي اندلعت في بيروت وشاركت فيها أعداد هائلة من المواطنين أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان وخروج رجال المخابرات الذين دخلوا الأراضي اللبنانية قبل 29 عاما. وشاهدنا كيف انحسر النفوذ السوري في لبنان الذي ظل مؤثرا في الشؤون الداخلية اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية, كذلك شاهدنا بداية مرحلة الانتخابات البرلمانية الحرة. ولم تُستثنَ الكويت من هذه الموجة، حيث خرجت المظاهرات في الشوارع مطالبة بمنح المرأة حق التصويت وبعد طول لأي، نجحت تلك المظاهرات في الاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة الكويتية وفتحت الباب أمامها للمشاركة في صنع القرار السياسي. وفي كبرى الدول العربية مصر هب المواطنون إلى الشوارع منادين بتغيير النظام السياسي وإدخال إصلاحات جوهرية عليه تجعله مفتوحا أمام المشاركة الواسعة للمواطنين. وبالفعل وكنتيجة لتلك المطالب الشعبية قام الرئيس حسني مبارك بتعديل القانون الانتخابي وصادق مجلس الشعب على ذلك التعديل مما سمح بإمكانية التنافس مع الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومع ذلك مازال الإصلاحيون يعتبرون أن ما تم إلى حد الآن ليس كافيا. \r\n \r\n وبالطبع لم يجد الرئيس بوش إزاء هذه الأحداث والتغيرات إلا الترحيب والإشادة. كما أن مسانديه في الولاياتالمتحدة أعلنوا أن تلك التطورات ترجع بالأساس إلى السياسات التي انتهجها بوش. فهل ذلك صحيح؟ \r\n \r\n وللوهلة الأولى يبدو أن الأمر فعلا صحيح. فبوش لم يكف عن الدعوة علانية إلى ضرورة إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط. وكان هو من اتخذ قرار الحرب على العراق مما أدى إلى سقوط النظام العراقي وعجل بتنظيم الانتخابات التي لم تكن ممكنة تحت حكم صدام. وبالرغم من أن السبب الرئيسي الذي أدى إلى شن الحرب على العراق كان امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل، إلا أنه مع تلاشي هذا السبب وإثبات عدم وجود تلك الأسلحة بدأ الحديث حينها يعلو عن هدف إقامة الديمقراطية في العراق. وقد أعلن الرئيس بوش عن نيته تلك صراحة في خطاب ألقاه عشية الحرب على العراق في 6 مارس 2003 عندما قال إن الولاياتالمتحدة \"ستساعد العراق على إقامة حكومة عادلة بعد عقود من الاستبداد المقيت\". ولم يحصر بوش اهتمامه في العراق فقط، بل قام في نوفمبر 2003 ببلورة سياسة موسعة لدعم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط بأكملها حيث قال: \"إن بناء عراق حر في قلب الشرق الأوسط سيكون منعطفا حاسما على درب الثورة الديمقراطية العالمية\". وقد قامت أميركا في غير ما مرة بالتشديد على موضوع نشر الديمقراطية، وذلك ما يفسر ترحيبها بالإصلاحات التي عرفتها بعض الدول العربية. \r\n \r\n لكن عندما نلقي نظرة فاحصة على الأمور فإن ما حدث في الشرق الأوسط يصبح مختلفا. فإذا كانت الانتخابات العراقية جرت بعد الدخول في الحرب والإطاحة بنظام صدام حسين، فإن الفضل في نجاحها يرجع بالأساس إلى الشعب العراقي الذي تحلى بالشجاعة الكافية لكي يخرج إلى صناديق الاقتراع في ظل الوضع الأمني الخطر. لذا فإن من يستحق الثناء على نجاح الانتخابات هو الشعب العراقي. هذا فضلا عن أن الانتخابات وحدها لا تعني أبدا ترسيخ الديمقراطية في العراق، لا سيما والوضع الأمني مازال هشا ويمكن أن يقوض الديمقراطية العراقية الوليدة. \r\n \r\n وماذا عن فلسطين؟ لقد سبق وأعلن الرئيس بوش في الخطاب الذي ألقاه قبل الحرب \"أن من شأن إحراز النجاح في العراق أن يدشن مرحلة جديدة للسلام في الشرق الأوسط، وهو ما سيمهد الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية\". غير أن الانتخابات الفلسطينية جاءت نتيجة لموت ياسر عرفات، وليست نتيجة الانتخابات العراقية ومن الصعب كشف أية علاقة بين الانتخابات التي جرت في البلدين. \r\n \r\n وحتى في لبنان، فإن ما شهده من مظاهرات كاسحة اندلعت في شوارع بيروت كان نتيجة لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واتهام الكثير من اللبنانيين لسوريا بالضلوع في هذه الجريمة بالنظر للمعارضة التي كان رفيق الحريري يبديها ضد النفوذ السوري في لبنان متمثلا في عدم تأييده للتمديد للرئيس إميل لحود المدعوم من قبل دمشق. وقد كان اغتيال الحريري السبب الرئيسي وراء اندلاع المظاهرات سواء تلك التي كانت تطالب بانسحاب سوريا من لبنان، أو تلك التي كانت مؤيدة لها. وإذا كانت هذه التظاهرات قد أدت إلى خروج سوريا من لبنان، إلا أنها لم يكن لها تأثير كبير على النظام الانتخابي أو الانتخابات. لذلك يبقى من الصعب الجزم بأن الانسحاب السوري أو الانتخابات اللبنانية جاءا كنتيجة للاستراتيجية التي صاغها بوش لدعم الديمقراطية. \r\n \r\n وربما يكون التأثير الذي مارسته الضغوط الأميركية أوضح في حالة الانتخابات السعودية أو التعديلات الانتخابية في الكويت ومصر. ومع ذلك فيمكن لتلك الإصلاحات الديمقراطية أن تكون انعكاسا لما تمور به المنطقة من تطورات وليست نتيجة الكلمات التي تنبعث من فم بوش أو التي يطلقها المسؤولون في واشنطن. وفي الحقيقة، ربما تكون الانتفاضات الشعبية التي شهدتها آسيا قد أثرت على الإصلاحات في منطقة الشرق الأوسط. فكما هو معروف نجحت بعض الحركات الشعبية ك\"الثورة البرتقالية\" في أوكرانيا في 2003 و\"الثورة الوردية\" في جورجيا في تغيير الأنظمة السياسية في تلك الدول وقلب حكوماتها. وليس غريبا أن تلهم تلك النجاحات في أوكرانيا وجورجيا شعوبا أخرى للقيام بثورات ديمقراطية مماثلة على أنظمتها الديكتاتورية بما في ذلك شعوب الشرق الأوسط. \r\n \r\n إن الأميركيين ينسون في بعض الأحيان أن الدول تختلف عن بعضها بعضاً، وأن لكل دولة نظامها السياسي الخاص وثقافتها السياسية الفريدة. غير أن المعلقين في الإعلام الأميركي غالبا ما يقفزون إلى استنتاجات تبسيطية تتهاوى بسرعة عند أول نظرة فاحصة للأمور. لذا فإن ما شهدته منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة من تغيرات قد لا تكون راديكالية بنفس الدرجة التي تبدو عليها. فالتغييرات الدائمة والحقيقية لا تحدث بين عشية وضحاها. وما لا يعرفه الأميركيون هو أن دول الشرق الأوسط أكثر استقرارا مما يعتقدون. فالأميركيون ينقصهم الوعي بالثقافة والتاريخ العربيين ويستهينون بمدى ترسخ استقرار الحكومات العربية، بالإضافة إلى أنهم يبالغون في قدرتهم على تغيير العالم. لكن أصدقاء بوش الذين يتوقون إلى تغيير العالم يعتقدون أن ما يتفوه به يؤثر بالفعل على مجريات الأحداث في الشرق الأوسط. \r\n \r\n