وفي داخل المبنى، وفي نهاية قاعة مزدحمة برجال صغار يحملون هواتف جوالة ومذكرات، كان مدير الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء اياد علاوي جالسا خلف مكتبه يشتكي. \r\n وقال عدنان الجنابي الشيخ القبلي المسؤول عن حملة رئيس الوزراء العراقي «مما نشاهده ونشعر به، فإن رسالتنا قد وصلت الى درجة ان العديد من الناس يقولون انهم يريدون علاوي ولكن (الكثيرين) سيصوتون للسيستاني ورجال السيستاني». \r\n واكد الجنابي ان اول انتخابات لعراق جديد قد تبلورت فيما يلي: بسماح اية الله العظمى علي السيستاني اكثر الشخصيات الدينية نفوذا في اوساط الشيعة، باستخدام صورته في ملصقات الائتلاف العراقي الموحد، فإنه ضمن تصويت انصاره بطريقة معينة حتى لو كانت ميولهم مختلفة. \r\n واضاف الجنابي «لسوء الحظ فإن الاختيار قد تحدد عن طريق تفسير دعوة السيستاني للديمقراطية، وكأنه يقول: اذا لم تصوتوا لي ستذهبون للجحيم». \r\n واذا ما اعتبرت انتخابات اليوم علامة مميزة في تاريخ العراق والشرق الاوسط، فإنها نهاية لحملة سياسية ربما لا نشاهد مثلها مرة اخرى - حتى ولو انها لم تشاهد على الاطلاق. \r\n فمع اغتيال المتمردين للمرشحين ونسف المقار المحتملة للاقتراع، فإن كل الحملات الانتخابية للمجلس الوطني الانتقالي الذي يضم 275 عضوا، تمت بطريقة حذرة بعيدا عن متناول «المسلحين» كما يشير العراقيون الى الجماعات المسلحة. \r\n الاستثناء الوحيد كان حملة علاوي. فهي حملة محترفة ذات توجه شخصي وقد اكتسبت المزيد من القوة في الاسبوع الاخير قبل الانتخابات، واضافت العديد من المميزات للانتخابات: قوة الالتزام، ميزانية يتردد انها حصلت على دعم دول الخليج، وخبرة مستشار حملات بريطاني، واهم من كل ذلك سجل من الصمود ضد المتمردين الذي يجذب العراقيين الذين يعتقدون ان ما تحتاجه بلادهم هو يد حازمة. \r\n الا ان علاوي اتى بأكثر من ذلك: اسطول من المركبات الرياضية، وجيش من الحرس الخاص الاميركي وعديد من الاجراءات الامنية الاضافية (حماية جوية في بعض الاحيان) وهو ما يجعله يقود حملته في امن نسبي بالمقارنة بالمرشحين الاخرين. \r\n وتقول سلامة الخفاجي مرشحة الائتلاف العراقي الموحد، عن المرشحين الاخرين الذي يصل عددهم الى 7700 واحتفظ معظمهم باسمه سرا الى ان نشرت الهيئة الانتخابية العراقية اسماءهم على الانترنت يوم الاربعاء، «انهم لا يشعرون بالخجل بل يشعرون بالخوف». \r\n وبالنسبة لهم، فإن الحملة الانتخابية مرت بلا صخب تقريبا، وبدون منشورات وبلا مناقشات بل وبدون معرفة الناخب بهم. \r\n ومما لا شك فيه ان اكثر الاحزاب شجاعة، من بين 111 حزبا وتحالفا وفردا في الانتخابات، هو الحزب الشيوعي العراقي. ففي مقر الحزب في بغداد، يجري الترحيب بالزوار بتقديم صورة المرشحين اللذين اغتيلا منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واحد منهم خنقا. وبالرغم من ذلك فقد بدأ الحزب الشيوعي حملته بتجمع شارك فيه 4 الاف شخص في ملعب لكرة القدم في بغداد. \r\n وقال جاسم الحلفي وهو مسؤول كبير في الحزب الشيوعي ان تبني حزبه للديمقراطية الجديدة في العراق ينطلق من تعرضه للقمع في ظل النظم الدكتاتورية السابقة. ويدعو برنامج الحزب لخلق فرص عمل جديدة وهي القضية الاولى بين العراقيين، طبقا للاستطلاعات وشعاره الانتخابي هو رمز الشمس في بلاد ما بين الرافدين بلا أي لون احمر. \r\n وقال الحلفي «شعارنا مثلنا، فنحن لسنا من الحمر المتطرفين ايضا». \r\n ولكن في مجتمع تنتشر فيه انقاض السيارات المنفجرة، فإن الامن هو القلق الاساسي. ويوضح سعد جواد قنديل المدير السياسي للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، وهو الحزب الشيعي الذي يضم القائمة الشيعية الموحدة وفي الوقت ذاته هو الهدف الاول للمتمردين السنة، «هناك العديد من القرارات التي نتخذها ليس من منطلق سياسي، ولكن من منطلق امني». \r\n وقد تأسس المجلس في ايران وتعرض لتفجيرين في الشهر الماضي. وفي اخر تلك الحوادث قاد شاب مراهق سيارة وعربة بيضاء نحو الكتل الخرسانية خارج مقر الحزب. وقبل ان يفجر طلقات مدفعية قال «لدي هدية لعبد العزيز الحكيم» وقتل واحد من الحرس وفقد اخر نظره. \r\n وبالنسبة لقائمة شيعية مفضلة، تتداخل السياسة والامن احيانا. فأخطار الحملة على الافراد جعلت الملصقات اكثر اهمية، وتظهر على ملصقات التحالف العراقي المتحدة صورة السيستاني. وصورته فعالة بين الاغلبية الشيعية الى درجة ان حملة علاوي اشتكت للمفوضية العليا من ان التحالف ينتهك حظرا على الرموز الدينية. الا ان الشكوى رفضت. وقال جواد ان «معظم الناس يصوتون من اجل الهوية. ويمكنهم رؤية هوية هذه القائمة». \r\n غير ان الظروف لا تقدم أي بديل. فقد الغت سلامة الخفاجي التي قالت انها انضمت للقائمة الشيعية على مضض، خططها للقاء الناخبين شخصيا في جنوب العراق. والمنطقة هادئة نسبيا، وعقدت الاحزاب مؤتمرات هناك وفي المناطق الكردية الاكثر امنا في الشمال. الا ان مجموعة استطلاعية من بين فريق الحراسة الخاص بها الذي يضم 25 حارسا، قال ان الطريق الخارج من بغداد غير آمن، ومزدحم بالعديد من حواجز الطرق التي اقامها المتمردون مثل هؤلاء الذي شنوا غارة على قافلتها في العام الماضي، مما ادى الى مقتل ابنها احمد 17 سنة. واضطرت خفاجي للبقاء في العاصمة، التي ستتوجه للادلاء بصوتها اليوم وهي ترتدي العباءة العراقية التقليدية بل وستغطي وجهها. \r\n وثلث المقاعد في المجلس الجديد مخصصة للنساء، وهو ما ادى بطريقة غير مباشرة، الى زيادة فرصة الحملات بالنسبة لهن. فالتجول في الشوارع والقرع على ابواب البيوت امر خطر. ولكن المرأة يمكنها دخول البيوت وهو امر غير مسموح به بالنسبة للرجال. \r\n وقالت رجاء الخزاعي، وهي واحدة من المرشحات، انها استوعبت اهمية السياسة على مستوى القاعدة خلال زيارتها لتكساس قبل الحملة الانتخابية للرئيس الاميركي. \r\n ويشير المنافسون لعلاوي الى انه يحصل من اميركا على اكثر ما يحصل عليه نموذج للممارسة الديمقراطية، وهو ما ينفيه المسؤولون الاميركيون. وقد استفادت حملته من كل ما هو ممكن. فقد اقامت مؤتمرات صحافية، عدة مرات في الاسبوع في الاونة الاخيرة. وقد بثت فضائية «العربية» سلسلة مقابلات مع علاوي، مما عزز الشكوك في ان الدول العربية السنة تدعم حملته من اجل عرقلة الانتصار الشيعي. \r\n كما ان علاوي يروج بلا هوادة لقوات الامن العراقية الجديدة، وهم يردون الجميل اليه. ففي يوم الجمعة واجهت السيارات التي تقترب من المنطقة الخضراء ثلاثة حواجز طريق. وفي الحاجز الثالث قدم الجنود العراقيون منشورات انتخابية تأييدا لعلاوي. وكان عنوان المنشور «قيادة قوية وبلد سلمي». \r\n وقد شاهد الجنابي مدير الحملة الانتخابية ذلك وتنصل من توزيع الجنود للمنشورات الا انه لم ير خطأ في الاستفادة من بعض مخصصات السلطة. \r\n \r\n * خدمة «واشنطن بوست» خاص ب«الشرق الأوسط»