فالجنرال ريتشارد مايرز, رئيس هيئة الاركان المشتركة, يؤكد لنا ان القوات الامريكية وقوات الحكومة العراقية تتقدم بثبات في هذا المعقل الحصين من معاقل التمرد, ويخبرنا ان الهجوم كان »ناجحاً جداً, جداً« لكن مقياس النجاح يظل غير واضح حتى عندما نشاهد الجنود وهم يتحركون من شارع الى اخر, اذ ليس ثمة من قوة نظامية للعدو, ولا مقرات له, ولا محطات قيادة مركزية يمكن للقوات الامريكية ان تحتلها وتحقق النصر عليها. وبالتالي لن يكون هناك اي استسلام. \r\n \r\n علينا, بدلاً من ذلك, ان نحكم على نتيجة المعركة بمقاييس اخرى لا تتصف بمثل هذا الوضوح. فإن كنا لا نستطيع ان نحكم تبعاً للاستيلاء على ارض العدو واحتلالها, فما علينا الا ان نعتمد على الاثر الذي خلفته المعركة على العملية السياسية والدبلوماسية في العراق, ان فرص نجاحها في هذه الميادين غير مؤكدة. الى حد كبير فهل ستكون الفلوجة, مثل تلك القرية الفيتنامية الشهيرة, الموقع الذي دمرناه من اجل ان ننقذه, وهل سيخرج المتمردون من الفلوجة لينتشروا في مدن عراقية اخرى? وهل سنكسب انتصاراً تكتيكياً يجعلنا نخسر الهدف الاستراتيجي وهو اقناع العراقيين بأننا نحول بلدهم الى بلد آمن قادر على احتواء الديمقراطية, وعلى اجراء الانتخابات في نهاية كانون الثاني على وجه التحديد? \r\n \r\n لقد اصبح الهجوم على الفلوجة امراً حتمياً منذ عدة شهور. فاذا كان لنا ان ننجح في دمقرطة العراق, فإن الحكومة المؤقتة وحليفتها الولاياتالمتحدة وبقية دول التحالف يجب ان يكون لهم »احتكار« استخدام القوة داخل حدود البلاد. وليس من الممكن الابقاء على الملاذات الامنة التي تحوي المتمردين والارهابيين, ولا الاقطاعيات المستقلة التي تديرها الجيوش الخاصة. وليس بوسع الفلوجة ان تستمر في كونها قاعدة لاولئك الذين يشنون الحرب على الحكومة العراقية ومكاناً محرماً على اولئك الذين ينظمون الانتخابات. \r\n \r\n والان, وقد دخلنا المعركة, فلا يمكن ان يكون هناك مجال للشك في نتيجتها. فالنتيجة حتمية هي الاخرى, اذ ان القوات الامريكية لا »تخسر« في المعارك هذه الايام. فنحن لم نخسر اية معركة في العراق. لا في افغانستان. ولا في البلقان, ولا في حرب الخليج الاولى, ولا في بنما. فنحن نقاتل حيثما نؤمر, وننتصر حيثما نقاتل, ونحن حسنو التدريب, والتنظيم, ولدينا معدات ممتازة. ولسوف نسيطر على الفلوجة بخسائر امريكية قليلة نسبياً, وسوف نقتل الكثير من المسلحين الذين قاومونا. \r\n \r\n ولكن بأي معنى يمكن ان نعتبر هذا »انتصاراً«? \r\n \r\n ان النصر لا يعني مجرد احتلال المدينة, انما احتلالها بالطريقة التي تقضي نهائياً على الخصم, وتخرجه تماما من المعركة, وتثبط المقاومة الاوسع, وتضفي الشرعية على اهداف الولاياتالمتحدة واساليبها وحلفائها. عند النظر اليها بهذه الطريقة, لا تغدو معركة الفلوجة مجرد مسألة اطلاق نار وقتل. فهي جزء من عملية تعامل اكبر شملت عناصر التفاوض, والتهديد, والاستعداد للضغط على الجماعات المتمردة ودفعها الى الاستسلام, وتجريدها من الدعم الشعبي, واطلاع الشعب العراقي وسواه على ان القوة لم تستخدم الا كملجأ اخير بهدف كسب المزيد من الشرعية للحكومة العراقية المؤقتة. \r\n \r\n حتى استخدام القوة يتطلب حسابات ابعد. فلو اننا تعمدنا تدمير المدينة وقتل اعداد كبيرة من المدنيين الابرياء او لو اننا تكبدنا خسائر فادحة في المعركة, لاعتبرنا, بكل تأكيد, »خاسرين« كما اننا سنعتبر خاسرين لو اننا لم نستطع الامساك بالمدينة ومنع المتمردين من التسلل اليها ثانية, كما حدث مؤخراً في مدينة سامراء »المحررة«. \r\n \r\n لقد صممت خطة المعركة على النحو الذي يمنع وقوع التدمير الكبير, واعتمد فيها اسلوب الخنق البطيء الذي يبتدىء بضربات دقيقة ضد اهداف محددة يتبعها احتلال المدينة مع التركيز على تقليل عدد الضحايا بين المدنيين والاصدقاء. ونحن نتمتع بالتفوق في الحركة بعربات مدرعة, كما نتمتع بالتفوق في القوة النارية بكل ما نملكه من مدافع برادلي 25ملم, ودبابات ابرامز, والمدفعية والضربات الجوية. كذلك نتمتع بكل مزايا الاستطلاع بما لدينا من اقمار صناعية وطائرات بدون طيار وكامل تجهيزات الحرب الالكترونية, لكن حرب المدن تحيد جميع هذه الامتيازات, اذ قرر ان يقاتل حتى الموت. الامر في الفلوجة, اذن. لم يكن »نزهة« بل كان معركة قاسية, ورجالنا ونساؤنا الذين قاتلوا هناك يستحقون كل ما يمكن ان يقدم لهم من الاوسمة والميداليات. \r\n \r\n خلال الحملة الانتخابية الرئاسية قريبة العهد في امريكا كان هناك الكثير من الحديث عن ضرورة دعم قواتنا في زمن الحرب. لكن تسمية ما يجري حالياً في العراق »حربا« قد صرفنا عن تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي الذي تحتاجه قواتنا لكي تحقق النصر هناك. \r\n \r\n ان التمرد في العراق قد حصل على دعم خارجي مثل تسهيل عبور المجاهدين في سوريا, ومساعي ايران الحثيثة لدعم الشيعة وضمان قيام نظام عراقي يروق لطهران, تقابلها مساعي بعض السعوديين لتعزيز الهيمنة السنية في العراق. ولهذا السبب فان نجاح مجهودنا العسكري في العراق يرتبط ارتباطاً مباشراً بمساعي الدبلوماسية الامريكية في المنطقة, اذ اننا بحاجة الى حد من القبول السوري والايراني بالعراق الديمقراطي, المستقر المدعوم امريكياً. وليس بوسعنا الحصول على هذا القبول اذا ظلت سوريا وايران تعتقدان بأنهما ستكونان هدف ضربتنا التالية. \r\n \r\n كما ان من المهم ايجاد حل للنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني الذي يغذي تصميم المجاهدين الذين يحاربوننا في العراق ويمدهم بالمزيد من المتطوعين. \r\n \r\n ثم ان هناك الصراع السياسي الدائر في العراق. فاذا كان للانتخابات ان تجري رغم الفوضى السائدة في البلاد, فإن على ادارة بوش ان تكون مستعدة للقبول بحكومة عراقية تتمتع بما يكفي من الاستقلالية لكي تحظى بدعم المواطنين وتخفف من حدة حنقهم على القوات الامريكية. لقد انقضى عام كان التحول السياسي في العراق يعوق خلاله بدعوى ان »الامن يأتي اولا« لكن الامن والسياسة المحلية في العراق امران متلازمان لا يمكن الفصل بينهما. \r\n \r\n ويعيدنا هذا الامر الى عدد من العوامل التي جعلت معركة الفلوجة امراً حتمياً منها: صغر حجم القوة المحتلة بإزاء شعب عرف تاريخياً بالتمرد, وحل الجيش العراقي, والمعالجة الخاطئة لتمرد الفلوجة في شهر نيسان الماضي وغيرها من العوامل التي انتهت بتحويل المدينة الى معقل للمتمردين العراقيين. \r\n \r\n وقد واصل التمرد نموه في العراق بالرغم من الكفاءة العسكرية الامريكية على الارض, فقد اخفق صناع السياسة الامريكيون في الحصول على الشرعية السياسية مما سمح للتمرد بأن يقوى وينتشر. وعلى الرغم من اهمية عجز الامريكيين عن فرض النظام بعد الاطاحة بصدام حسين كعامل في نزع الشرعية السياسية, الا ان العامل الاهم هو افتقار الوجود الامريكي الى الادوات السياسية والمشروع السياسي. وعلى الولاياتالمتحدة ان تتدارك هذا الامر والا فان معركة الفلوجة لن تكون سوى معركة ناجحة على طريق الفشل الاستراتيجي. \r\n \r\n ان القوات الامريكية لم تذهب الى الفلوجة الا بسبب الاخفاق السياسي. فهناك اعداد كبيرة من سكان المنطقة لن يرغبوا في المشاركة في العملية السياسية والانتخابات القادمة, او لن يتمكنوا من ذلك. واذا كان بوسع الامريكيين قصف الفلوجة بالمدافع, فإنهم لا يستطيعون استخدام السلاح نفسه لدفع الناس الى صناديق الاقتراع. \r\n \r\n علينا ان لا نسقط في الاوهام. لقد آن الاوان للادارة الامريكية ان تضطلع بجهود دبلوماسية في المنطقة وجهود سياسية داخل العراق توازي ما يبذله افراد جيشها من جهود عسكرية في الفلوجة وغيرها. فأنت لا تستطيع ان تحقق النصر في العراق بالاجهاز على خصومك وحسب. ومهما كانت درجة تقديرنا لما يبذله جنودنا هناك من مجهود, فإن تضحياتهم, وحتى انتصارهم في الفلوجة, سوف لن تكون كافية اذا اخفقت الدبلوماسية.0 \r\n \r\n عن واشنطن بوست