عندما حصل ذلك الحادث الارهابي في مدرسة بيسلان وحصد ارواح مئات الأطفال لم يكن أمام بوتين أي خيار آخر سوى ان يتكلم وهكذا كان ولكن ماذا قال؟ كلامه وبيانه كرجل دولة غير مريح‚ ونسخة كربونية مما كان يقال في أيام العهد السوفياتي‚ \r\n \r\n يمكن تلخيص خطاب بوتين كالتالي: \r\n \r\n 1 ان الاتحاد السوفياتي كان رائعا ونحن بحاجة لأن نعود الى أساليبه‚ \r\n \r\n 2 ان المجتمع الروسي ليس مستعدا للديمقراطية وعلى كل شخص ان يتبع ما تقوله له السلطة المركزية‚ \r\n \r\n 3 ان تصوري الشخصي كزعيم قوي أهم بكثير من الأرواح الروسية‚ \r\n \r\n في مجتمع ديمقراطي كان من الممكن ان يكون بيان بوتين اقرب الى بيان للاستقالة‚ ولكن لا توجد كلمة استقالة في المفردات السوفياتية فخلال الأزمات يظهر المعدن الرئيسي لبوتين‚ \r\n \r\n في خطابه الأخير طغت عليه كلمتان هما «نحن» و«هم»‚ لم يكن هناك وجود أو ذكر لمبدأ المحاسبة بل «نحن ضعفاء ‚‚‚ نحن بحاجة لتحسين دفاعاتنا ‚‚‚»‚ \r\n \r\n هذا كل ما لدى هذا الرئيس الذي جاء للسلطة من أجل تقديم الأمن لروسيا وللشعب الروسي‚ \r\n \r\n خلال وجود بوتين في السلطة ازداد الانفاق على المؤسسة العسكرية وعلى الأمن ويتوقع ان يصل هذا الانفاق في 2005 الى اعلى مستوى قياسي له في تاريخ روسيا‚ تاركا أقل القليل من الأموال للأمن الاجتماعي والمدارس‚ تحدث بوتين ايضا عن محاربة الفساد وليس امامه سوى توجيه الاتهامات لأولئك الفاسدين الذين يعينهم بنفسه‚ \r\n \r\n انه بوتين الذي اعاد احياء ال كي‚جي‚بي وألبسها حلة لا تقل فخامة عن فخامة «الأيام الغابرة» وجعل جهاز المخابرات مرة أخرى تحت قيادة واحدة بعد ان فككه يلتسين‚ \r\n \r\n وإذا ما وبخ بوتين احدا فانه عنف عن غير قصد إدارته‚ فهناك قضايا التفجيرات التي حدثت في موسكو مع بداية عهده في 1999 ولم يحل لغزها حتى الآن‚ \r\n \r\n قبل عامين عانينا من حصار مسرح نورد اوست‚ وحصل ان البرلمان هو الذي اعاق اجراء تحقيق بشأن ما حصل‚ \r\n \r\n الآن السيد بوتين خرج علينا ليقول ان اي تحقيق في مجزرة بيسلان سيتحول الى عرض سياسي‚ وعليه فإنه سيأخذ بالبديل واجراء تحقيق داخلي‚ ان فقدان مبدأ المحاسبة والشفافية يعني تقديم المكافآت للعناصر غير الكفؤة الموجودة في مراكز اتخاذ القرارات ويعني ايضا تكرار ارتكاب الأخطاء‚ \r\n \r\n ان سياسة ال كي‚جي‚بي بالأخذ بمبدأ السرية الكاملة قد تكون فعالة في ملاحقة المنشقين وارسال رجال الأعمال للسجون ولكنها تصبح قاتلة وغير فعالة عندما يتعلق الأمر بمكافحة الارهاب‚ \r\n \r\n بعد سنوات من الادعاء والتظاهر بعدم وجود أزمة في الشيشان لم يعد بوسع الحكومة تجاهل ما يحصل في ذلك الاقليم ما الذي يضير بوتين ان يعلم ان الشيشان لا تقبل الطراطير الذين تعينهم موسكو في الوقت الذي تقدم فيه قوات الأمن الروسية والعصابات التي يدعمها الكرملين على نسف الفلاحين الشيشان بالديناميت يوميا‚ فهل مثل هذه التصرفات لن تثير ردود أفعال لدى الارهابيين؟ ان روسيا بحاجة الى وجود مجتمع «منفتح» يتم فيه فحص الأخطاء ومحاسبة المخطئين واعطاء الفرصة لوسائل الإعلام لمراقبة أداء الحكومة وانتقاد تصرفاتها وأخطائها‚ \r\n \r\n ان ما يسعى بوتين لاقامته ليس سوى مجتمع ستاليني يقدم الدعم غير المحدود وغير المشروط للدولة‚ ان روسيا تعاني الآن من مرض اسمه «المرض السوفياتي»‚ ان العالم يتساهل مع ما يجري من احداث مؤسفة داخل روسيا‚ \r\n \r\n ففي الوقت الذي استنكرت فيه الأممالمتحدة الجرائم التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في جنين‚ امتنعت عن استنكار الجرائم الروسية التي ترتكب في الشيشان‚ \r\n \r\n بالنسبة للعالم كان على أميركا ان تعاقب اولئك الذين ارتكبوا التعذيب من جنودها بحق السجناء العراقيين‚ ولكن علينا ان نتذكر ان ما حدث في أبو غريب هو صفر على الشمال إذا ما قورن مع ما يحدث في معسكرات الاعتقال في الشيشان‚ فأبو غريب يبدو فندقا من فئة خمس نجوم مع ما هو موجود من معسكرات التعذيب في الشيشان‚ \r\n \r\n ان ما يحدث في الشيشان هو إبادة للجنس البشري وافقت عليه دول مجموعة السبع الكبار‚ \r\n \r\n لقد قدم الغرب لبوتين شيكا على بياض من أجل ان يعمل على توفير الاستقرار لروسيا بأي طريقة وبأي ثمن‚ ان هذا الشيك الذي قدم أظهر ان قادة الغرب مفلسون أخلاقيا‚ \r\n \r\n ان حرب الشيشان هي حرب بوتين الخاصة التي خاضها من أجل أمجاده الشخصية‚ والآن بدأ الجميع يكتوي بنارها بدءا من الشعب الروسي وانتهاء بالعالم أجمع‚ \r\n