منذ إعلان نهاية عمليات القتال الرئيسية في مايو 2003، كان المعدل الوسطي اليومي لسقوط القتلى بين الجنود الأميركيين في العراق هو جندي واحد كل يوم، وقد مات أكثر من ثلث هؤلاء الجنود القتلى بنيران الأسلحة الصغيرة، أي البنادق والمسدسات بأنواعها وما إلى ذلك. وتعرض آلاف الجنود للإصابات، وبات البعض منهم عاجزين عن إنجاز واجباتهم بسبب مستوى العنف وحالة انعدام الأمن التي تغذيها الأسلحة الخفيفة. ويضاف فوق ذلك أن عدداً لا حصر له من المدنيين العراقيين لقوا مصرعهم وأصيبوا بجروح أو تعرضوا للتهديد والإرهاب، وكل ذلك بالأسلحة الصغيرة. \r\n \r\n وعلى رغم أن أسلحة التدمير الشامل استحوذت تماماً على اهتمام وانتباه صنّاع السياسة الأميركيين، كان المعنيون بوضع خطط المهمة يتجاهلون عموماً التهديد الذي تشكله الأسلحة التقليدية. وتقدّر التقارير أنه ربما يوجد في العراق رابع أكبر مخزون من الأسلحة التقليدية في العالم. وقال أحد المراسلين الصحفيين المرافقين للقوات الأميركية في العراق إن المصادر العسكرية قالت له إن هذا المخزون يشتمل على \"3 ملايين طن من القنابل والرصاص وملايين البنادق من نوع كلاشينكوف (AK-47) ومن الأنواع الأخرى، وعلى راجمات صواريخ وسبطانات مدافع المورتر (الهاون)، وعلى آلاف من قطع الأسلحة المتطورة مثل صواريخ أرض- جو\". وتقول تقديرات طبعة عام 2004 من \"التقرير المعني بالأسلحة الخفيفة\" إن ما لا يقل عن 7 إلى 8 ملايين قطعة سلاح صغير قد وقعت في أيدي مدنيين عراقيين منذ سقوط الرئيس المخلوع صدّام حسين في شهر مارس 2003. \r\n \r\n ومن بين التحديات الإضافية، الناشئة في سياق التعامل مع الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة في العراق، أن السياسة الأميركية في عام 2003 كانت تسمح لكل واحد من الذكور العراقيين بالاحتفاظ بقطعة سلاح واحدة. وقد اختار معظم هؤلاء العراقيين الاحتفاظ ببندقية من نوع كلاشينكوف (AK-47) من أجل الأمن الشخصي، غير أن هذه الأسلحة تجد في أكثر الأحيان طريقها إلى خارج البيوت ثم تشق طريقها إلى السوق السوداء أو يجري استخدامها في ارتكاب الجرائم وأعمال العنف. \r\n \r\n وللتطرق إلى هذا العدد الكبير من المشكلات، بدأت الولاياتالمتحدة الأميركية في منتصف شهر مايو الماضي برنامجاً استمر على مدى ثمانية أيام لاسترداد المسدسات والبنادق بشرائها من أصحابها، حيث عرضت عليهم مبالغ نقدية وإصدار عفو عنهم في مقابل قيامهم بتسليم الأسلحة- ومن ذلك على سبيل المثال تقديم مبلغ 125 دولاراً مقابل كل بندقية من طراز \"كلاشينكوف\" (ِِِِAK-47). وقد وزّع البرنامج المذكور مبلغ 350 ألف دولار تقريباً في كل يوم على الأفراد الذين قاموا بتسليم أسلحتهم التي تراوحت ما بين الذخيرة والطلقات إلى صواريخ أرض- جو. \r\n \r\n غير أن هناك تساؤلات تحيط بفعالية هذا النوع من البرامج. فأولاً، العراقيون ليس مطلوباً منهم، بموجب البرنامج، أن يسلموا كل الأسلحة التي بحوزتهم. وثانياً، هناك عدد كبير من الأشخاص الذين يشترون الأسلحة من السوق السوداء ثم يقومون بتسليمها إلى الأميركيين سعياً إلى تحقيق الأرباح من وراء ذلك. لا بل إن هناك تقارير موثوقة تحكي عن عراقيين يعمدون إلى تسليم الأسلحة ذات الطرازات الأقدم بغية شراء أسلحة من طرازات أحدث متوفرة في الشارع العراقي. وفي بعض الأماكن، مثل مدينة كربلاء مثلاً، تستهلك القوات الأميركية المتواجدة كل ما لديها من أموال مرصودة لعملية تسليم الأسلحة. وشكّلت عملية شراء الأسلحة انتصاراً رمزياً، لأن بعض الأسلحة تم سحبها من التداول. غير أن البرنامج كان قصير الأمد ومن النوع الخاص الذي يلائم ظروفاً معينة؛ ويعني ذلك أن البرنامج لم يفعل الشيء الكثير لرفع المستوى الكلي للأمان والأمن، كما أنه لم يحبط نشاطات السوق السوداء. ويضاف فوق ذلك أن تقديم مبلغ نقدي يعادل مرتّب شهر كامل، أو في بعض الحالات أجور سنة كاملة، إلى شخص يمتلك الأسلحة على نحو مخالف للقانون، قد أدى دون شك إلى تغذية الاستياء والحسد وأوجد أهدافاً للمجرمين. \r\n \r\n وكان العراقيون سيحققون فائدة أكبر لو كانت هناك برامج لجمع الأسلحة ذات الأساس الاجتماعي ومن خلال احتفالات رمزية لإتلاف تلك الأسلحة. فبدلاً من تلقي الأفراد للمبالغ النقدية عن كل قطعة سلاح يقومون بتسليمها، كان من الممكن أن تتلقى الأحياء والتجمعات السكنية الخدمات التي تعم فائدتها على الجماعة كلها- ويندرج في هذا الباب التدريب الوظيفي أو بناء مكتب بريد أو ملعب كرة قدم. وبوجود الحوافز الجيدة، عملت برامج من هذا النوع بفعالية في الأمم الأخرى. وفي كل الحالات، لابد للولايات المتحدة من إتلاف الأسلحة بسرعة، ومن الأفضل أن يتم ذلك في عرْض عام وعلني، وأن تقوم بتخزين آمن للأسلحة التي من المقرر إتلافها لاحقاً. \r\n \r\n في يوم 22 من شهر يونيو الماضي، قال الجنرال \"بيتر بيس\"، وهو نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب الأميركي إن الولاياتالمتحدة ينبغي أن \"تتوقع عنفاً أكثر، وليس أقل، في الأسابيع القليلة القادمة\". وقال \"بول وولفوفيتز\" نائب وزير الدفاع الأميركي للّجنة نفسها إن الولاياتالمتحدة قد \"استخفت\" بالتهديد الذي يشكله المتمردون في العراق، وإن الجيش الأميركي يمكنه الاحتفاظ ب\"عدد كبير\" من القوات الأميركية ل\"سنوات قادمة\". \r\n \r\n ذلك أن وضع استراتيجية متماسكة وطويلة الأمد ومعنية بالأسلحة الصغيرة ليس فقط مندرجاً في باب التعقل والتبصر في عواقب الأمور، بل إنه استراتيجية لإنقاذ الأرواح. \r\n \r\n \r\n ريتشيل ستول \r\n \r\n محللة أولى لدى \"المركز المعني بالمعلومات الدفاعية\" واشنطن \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"