بحسب ما علمناه في الأشهر ال15 السابقة، وبحسب ما أعاد تأكيده تقرير مجلس الشيوخ، فإن المجتمع الاستخباراتي أخطأ بالفعل في فهم الإجابتين الخاصتين بأول سؤالين. لكن الواضح أنه فهم إجابة السؤال الثالث فهماً صحيحاً. والأكثر من ذلك، وبخصوص المسألة الحيوية المتعلقة بالعوامل الكيميائية والبيولوجية، كانت تقييمات وكالات الاستخبارات معقولة تماماً على وجه العموم. أجلْ، فبفضل مزية الإدراك اللاحق والإمكانية الكاملة لدخول المنطقة العراقية، نعلم أن التقييمات السابقة خاطئة عموماً. لكننا لم يكن لدينا لا إدراك لاحق كهذا ولا إمكانية دخول كتلك في عام 2002 وفي مطلع عام 2003. \r\n \r\n فلنواجهْ الأمر، ولنعترف بأن الأمر كان من شأنه أن يتطلب توفّر جملة شاملة من الأدلة لأي عاقل في 2002 لكي يظن أن صدّام لا يمتلك آنذاك مخزونات من العوامل البيولوجية والكيميائية. والمجتمع الاستخباراتي كان، باعتراف الجميع، سريعاً أكثر من اللازم في تصديق المنفيين العراقيين الذين سردوا القصص عن المختبرات المتنقلة الخاصة بالأسلحة البيولوجية وما إلى ذلك. لكن الحقائق الأساسية أوحت على رغم ذلك بأن لدى العراق كميات كبيرة من أسلحة التدمير الشامل. وكانت لدى الأممالمتحدة ومعظم أجهزة الاستخبارات الأوروبية والشرق أوسطية الاعتقادات الخاطئة نفسها التي كانت لدى وكالاتنا الاستخباراتية، وللأسباب المفهومة نفسها. فصدّام حسين استخدم الأسلحة الكيميائية في حربه مع شعبه في الثمانينيات؛ ولأكثر من عقد بعد حرب الخليج، أعاق سعي المفتشين الدوليين إلى العثور على وتدمير تلك الأسلحة، ما ضمِن بقاء عقوبات الأممالمتحدة مفروضة على بلاده، وهي التي كلّفت العراق أكثر من 100 مليار دولار؛ وجعل صدّام مرؤوسيه يواجهون المفتشين الدوليين في مناسبات عديدة وبطرق أدّت إلى ضربات عسكرية لأجهزته الأمنية، فأوحى ذلك بأنه يقيم وزناً كبيراً جداً للعوامل البيولوجية والكيميائية، وبأنه مستعد لفعل الكثير بغية الاحتفاظ بها. \r\n \r\n أمّا بخصوص الارتباطات المفترضة بين صدّام وتنظيم القاعدة، فالأدلة المتوفرة تشير بقوة إلى استنتاج واحد، وهو ما توصّل إليه المجتمع الاستخباراتي ومفاده أنه ليس هناك أساس لتلميحات إدارة بوش المتكررة إلى وجود تعاون ناشط بين صدّام وتنظيم القاعدة، بل وربما أنه ساعد خاطفي الطائرات يوم 11 سبتمبر بطريقة ما. ومن الواضح أن المجتمع الاستخباراتي صرّح بهذا طوال فترة الجدال حول العراق. وحتى عندما كان \"دونالد رامسفيلد\" يتحدث عن دليل \"دامغ وقوي\" يؤكد وجود ارتباطات قوية في صيف وخريف عام 2002، احتج المجتمع الاستخباراتي، علناً وفي أروقة الفرع التنفيذي من السلطة. \r\n \r\n وبخصوص المسألة النووية وحدها، المهمة جداً باعتراف الجميع، استعجلت ال\"سي آي إيه\" والوكالات الأخرى في عملها، أي أنها صدّقت الفكرة التي مفادها أن صداّم أعاد إنشاء برنامج الأسلحة النووية، وهو اقتناع استند عموماً إلى تقارير واهية عن جهود محتملة يبذلها العراق لكي يحصل على اليورانيوم ومكوّنات أجهزة الطرد المركزي. وحتى لو كانت التقارير صحيحة تماماً، فإن الواردات العراقية لم تكن أكثر من المواد الخام لبرنامج نووي كان سيتطلب سنوات لينتج ما ليس أكثر من قنبلة بدائية. \r\n \r\n ومرة أخرى، تم استخدام تقارير أقل من أن توصف بالمصداقية ومن أشخاص أقل من أن يوصفوا بالمصداقية، لتأكيد افتراضات مفادها أن محللي الاستخبارات ما كان ينبغي لهم أصلاً أن يسمحوا لأنفسهم بالتصديق القوي إلى ذلك الحد. ويبدو من المرجح أن المجتمع الاستخباراتي، الذي فوجئ في أعقاب حرب الخليج بمدى مضي صدّام حسين في برنامجه النووي قبل عام 1991، لم يشأ ارتكاب الخطأ نفسه مرتين، وهكذا بالغ في التعويض عن ذلك. أمّا خطأ جورج تينيت فكان سماحه بإدخال الكلمات ال16 الشهيرة، عن سعي العراق إلى الحصول على اليورانيوم من أفريقيا، في نص خطاب \"حالة الاتحاد\" الذي ألقاه الرئيس بوش عام 2003، وبذلك جعل تينيت الأمور أسوأ. \r\n \r\n لكن حتى بخصوص المسألة النووية، كانت هناك معلومات كافية متوفرة للآخرين ليتوصلوا إلى تقييماتهم الخاصة. لكن إخفاق إدارة بوش هو أنها كانت لديها أجندة واضحة وأنها فسّرت كل المعلومات الاستخباراتية حول العراق بالطريقة الممكنة الأشد إثارة. لكن أعضاء الكونغرس، بمن فيهم أعضاء لجنة الاستخبارات، كانت لديهم معلومات كافية ليتوصلوا منها إلى استنتاجاتهم الخاصة، وعلى رغم ذلك تقدّم الزحف إلى الحرب مستعجلاً إلى حد غير ضروري. \r\n \r\n والغاية هنا ليست إيجاد أعذار تبرّر لوكالات الاستخبارات إخفاقاتها، فهي تستحق توبيخاً قاسياً على سذاجتها وعدم إتقانها لعملها. وعلى وجه الخصوص، كان من الأخطاء المؤسساتية الخطيرة وجود استعداد لدى الوكالات لوضع الثقة في الموارد البشرية التي كان ينبغي أن تكون مصداقيتها مشبوهة أكثر بكثير. وبخصوص حالة البرنامج النووي العراقي، كان من الواضح أن وكالات الاستخبارات توقفت عن التدقيق في الأدلة، وقبلت بتفكير واشنطن الجماعي. وحتى إذا لم يتعرضوا مباشرةً لضغوط من إدارة بوش، يبدو أن كثيراً من المحللين أرادوا إرضاء البيت الأبيض إلى درجة الإفراط نوعاً ما. \r\n \r\n لكن قبل أن نشجب عمل محللي الاستخبارات- وهو ما يضعف روحهم المعنوية ويثبط همة المجندين عن الانضمام إلى منظمات تتلقى الانتقادات الشديدة من اليمين واليسار- نحن بحاجة إلى أخذ نفَس عميق. فالاستخبارات مهنة صعبة، وزيادة سوء الأمور هي نوع من المخاطر المهنية وليس بالضرورة إشارة إلى الإهمال أو عدم الكفاءة. \r\n \r\n ولوم المجتمع الاستخباراتي على الآراء الخاطئة للحكومة (ولمعظم الأميركيين)، حيال التهديد الذي شكّله صدّام، من شأنه أن يعكس رغبة الكونغرس والإدارة في التهرب من المسؤولية. فعندما يُحدق الخطر بفعالية مجتمع الاستخبارات لدينا وبروحه المعنوية، فإن التضحية بكبش محرقة تكون أمراً تافهاً وغير مقبول. \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n