اغتيال ثلاثة شبان إسرائيليين من قبل من يعتقد أنهما عضوان في حركة «حماس»، ستكون له عواقب كارثية وسيُغرق الشرق الأوسط في دوامة عنف جديدة. غير أن الأشخاص الذين قاموا بهذا العمل ارتكبوا فعلا شائناً، أخلاقياً وسياسياً؛ ولا شك أن هدفهم من ورائه كان هو تصعيد الوضع ودفعه إلى حافة الهاوية، واليوم يمكن القول إنهم ماضون في طريقهم نحو نيل ما يبتغون. والواقع أنه بغض النظر عن رأينا وموقفنا من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، إلا أنه لا شيء يبرر قتل مدنيين على ذلك النحو، كما لا يمكن الدفاع عن الجريمة التي اقترفها المستوطنون اليهود بحق المراهق الفلسطيني «خضير» حين قاموا بتعذيبه ثم قتْله حرقاً. غير أنه علاوة على هذا الجانب الأخلاقي، فإن العواقب السياسية لقتل الإسرائيليين الثلاثة يمكن أن تكون فظيعة بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم. فعلى الصعيد الأمني أولا، قامت إسرائيل، خلال انطلاقها للبحث عن المفقودين الثلاثة وخاطفيهم (قبل العثور على جثثهم وقبل أن نعلم أنهم قُتلوا)، بإطلاق عملية تمشيط عسكرية واسعة في الضفة الغربية وحملة قصف ضد قطاع غزة. وهو ما أسفر عن اعتقال أكثر من 420 فلسطينيا، وتدمير عدد من البنى التحتية والمنازل، وقتل سبعة فلسطينيين (من بينهم ثلاثة أطفال). هذا علماً بأن هذه العمليات التصعيدية من المرجح أن تزداد وتتكثف؛ وبالتالي فإن الكلفة البشرية ستصبح قريباً أثقل مما هي عليه اليوم.ظططط أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد دفع مقتل الإسرائيليين الثلاثة البلدان الغربية إلى إعادة تأكيد دعمها لإسرائيل في اللحظة التي بدأت تأخذ فيه بعض المسافة من سياسات الدولة العبرية، وذلك عبر تحذير شركاتها، على سبيل المثال، بشأن المخاطر القانونية لنسج علاقات تجارية مع شركات إسرائيلية تعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن مشاعر الحزن والغضب التي تسبب فيها اغتيال الشبان الإسرائيليين الثلاثة تمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هامش مناورة كبير لإطلاق العمليات ضد الفلسطينيين الذين سيسقط في صفوفهم عدد أكبر من الضحايا من دون أن يؤدي ذلك إلى تنديدات قوية من قبل الغربيين لبعض الوقت. وفي الوقت الذي تمكّن فيه الفلسطينيون أخيراً من تشكيل حكومة وحدة وطنية بين حركتي «فتح» و«حماس»، تضع حداً لسبع سنوات من الانقسام السياسي المضر بقضيتهم، ها هي القطيعة تعود من جديد؛ حيث يُتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس من قبل «حماس» بالتخلي عن قطاع غزة وبمساعدة القوات الإسرائيلية في البحث عن المخطوفين وخاطفيهم. وهو ما ينذر بتمزق جديد داخل الحركة الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، فإن المشاعر القوية التي أثارتها هذه الاغتيالات في إسرائيل خلقت حركة تعاطف تجاه المستوطنين، في الوقت الذي بدأت تثار فيه أسئلة حول الكلفة الاقتصادية والسياسية لدعم الاستيطان. وهكذا، صار المستوطنون يبدون مثل ضحايا أبرياء في أعين أغلبية الإسرائيليين؛ وهو الأمر الذي سيساعد المجتمع الإسرائيلي على إعادة بناء وحدته في ظل مشاعر عداء للفلسطينيين. كما أصبحت الأصوات المعتدلة معزولة على نحو متزايد، فيما ازداد الدعم لسياسة قمعية تجاه «حماس» ستؤثر في الواقع على كل الفلسطينيين، وهو ما قد يُدخل المنطقة في دوامة جديدة من أعمال العنف والقمع والتفجيرات. كما أن نتنياهو الذي كان في وضع صعب بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية بين الفصيلين، حظيت باعتراف الولاياتالمتحدة والبلدان الغربية، صار يجد أمامه مجالا واسعاً لإطلاق عملية قمع واسعة باسم محاربة الإرهاب. إن التاريخ يخبرنا بأن تعميم القمع العسكري ليس هو أحسن طريقة لمكافحة الإرهاب، ولكن بالعكس لتغذيته؛ غير أن نتنياهو يعتبر أن القوة وحدها تحقق نتائج، ولا شك أنه يحشد حوله أغلبية ساحقة من مواطنيه الآن. ومن المحتمل أن يكون قاتلا الشبان الإسرائيليين الثلاثة قد تصرفا من تلقاء نفسيهما، وألا تكون للأمر علاقة بقرار سياسي صادر عن قيادة «حماس»؛ إذ من الصعب فهم لماذا توافق «حماس» على توافق مع «فتح» من أجل الإقدام على مثل هذه المغامرة الخطيرة. بيد أن التاريخ يخبرنا أيضاً أنه عندما يتم تحقيق خطوة نحو التسوية في نزاع ما، يسعى المتشددون ما استطاعوا إلى إحباط العملية بكل الوسائل. ومما لا شك فيه أن ذلك كان هدف عضوي «حماس» اللذين يعتقد أنهما قتلا الإسرائيليين الثلاثة: عرقلة العملية السياسية عن التحقق، وإعطاء الأولوية من جديد للسلاح والعنف، وهو ما قد يحققانه إلى حد يفوق ما كانا يطمحان إليه في الواقع. وخلاصة القول إن الأفق يبدو جد قاتم في المنطقة! نوع المقال: القضية الفلسطينية