اقتضى الأمر وقتا طويلا من الكتاب البريطانيين لكي يتحولوا باهتمامهم إلى موضوعات من قبيل الحملات الصليبية، وذلك على الرغم من أن مثل هذه الحروب قد تركت تأثيرا عميقا ودائما في الجمهور البريطاني. كان من الجلي أن سير والتر سكوت قد تأثر تفكيره بالمرات العديدة التي قرأ فيها عن واحد من أعظم قادة المسلمين، وهو الملك الناصر صلاح الدين. وقد قيل عن رواية سير والتر سكوت، التي تحمل عنوان »الطلسم«، إنها ربما كانت أول رواية انجليزية على الإطلاق تشيد بالمسلمين (الذين يشار إليهم دائما على امتداد الرواية بالمحمديين). وتبدأ هذه الرواية بوصف مفصل لسجال بين مسيحي ومسلم، وعندما يتم التوصل إلى هدنة بينهما ينتهي الأمر بهما إلى الصلاة معا، كل منهما بحسب تعاليم دينه. وعندئذ ينتهي القتال بتعانق الرجلين، وحينذاك فقط يتم إبلاغنا بالهوية الفعلية للمتنافسين الذين يتضح أن أحدهما عضو في العائلة المالكة الاسكتلندية، والآخر لا يعدو أن يكون البطل المسلم العظيم الناصر صلاح الدين. ومن اللافت للنظر حقا، أن أحد النقاد البريطانيين بادر إلى إبداء ملاحظة مفادها أن صلاح الدين هو البطل الحقيقي لهذه الرواية التي أبدعها سكوت. تعد رواية »الطلسم« في إجمالها تجسيدا للفروسية التي فتن بها سكوت أشد الافتتان، باعتباره روائيا بارزا، تماما كما فتن بها الكثير من المسيحيين. ونحن نعلم أن صلاح الدين أوقع هزيمة مريرة بجيوش الصليبيين في موقعة حطين في شمالي فلسطين عام 1187، ولكن في الحوار الطويل الممتد بين الأمير والفارس سير كينيث في الرواية، تتم المقارنة بين أفضل ما في الدينين السماويين. والمرء لا يمكنه إلا أن يتأثر بعمق، بمدى الإنصاف الذي يبديه المؤلف في هذه الرواية. وسير كينيث يعلم أن من يعتنق الاسلام يعامل من قبل المسلمين أكرم المعاملة ويعتبر أخا لهم، وهو يفصل القول بهذا المفهوم على امتداد صفحات عدة من الرواية. ولكنه من ناحية أخرى، يفصح عن هويته كشخصية أبدعها الروائي، عندما يتحدث عن أولئك الصليبيين الذين اعتنقوا الإسلام من دون أن يكون ذلك راجعا لأسباب تتعلق بالضمير وإنما بالمغانم، فنراه يتساءل عما إذا كانوا سوف يحاسبون على ذلك في الحياة الآخرة. ويقدم سير والتر سكوت للقارئ، في غمار تلخيصه لفروق رئيسية بين الاسلام والمسيحية، صورة رمزية مميزة حقا، فكل من صلاح الدين والفارس المسيحي، يقدمان تجليا لقوتهما في هذا العالم الذي تحظى فيه القوة البدنية بإعجاب وتقدير كبيرين. والفارس المسيحي يتم إظهاره باعتباره يمتلك القوة الكامنة وراء سيف ثقيل مزدوج الحدين، والذي يكاد طوله أن يبلغ طول صاحبه. والفارس يقطع به كتلة حديدية كبيرة إلى نصفين، على الرغم من أن قطرها يصل إلى بوصة ونصف البوصة. في المقابل، فإن صلاح الدين يضع وسادة حريرية أمام خصمه يتعين عليه أن يقطعها، فيهز الفارس المسيحي رأسه معلنا أنه ليس مزودا بالأدوات التي تكفل له التعامل مع هذا التحدي، وعندئذ يستل صلاح الدين سيفه الذي يبدو أصغر بصورة ملموسة من سيف خصمه، ويمرره بسلاسة عبر السطح الحريري للوسادة، فيشطرها فورا. وبهذه الطريقة فإن الروائي المبدع سير والتر سكوت، لا يضع في أذهاننا إشكالا حول من الذي يحظى بالقوة والاقتدار الأعظم. نوع المقال: عام