يرى السياسيون أنه لا شيء بدون مقابل في عالم السياسة، وانطلاقا من هذا المبدأ مخطيء من يظن أن الإمارات وقفت أمام ثورة الخامس والعشرين من يناير منذ اللحظة الأولى ودفعت المليارات من أجل، كما تقول هي، مصلحة مصر، أو أنها دعمت الانقلاب حرصا على مصلحة الشعب المصري، فلم يكن دعم ومساندة دولة الإمارات للانقلاب العسكري ودفعها بالمليارات لتثبيت أركانه الهشة إلا بهدف تحقيق مكاسب وأطماع خاصة كانت قد أسهمت ثورة يناير بما كشفته من فساد في تعطيلها. فقد استطاعت الدولة الداعمة للانقلاب في غضون تسعة شهور فقط أن تقفز باستثماراتها في مصر إلى معدلات غير مسبوقة وأن تحصل على تسهيلات حكومية لشركاتها لم يسبق وأن حصلت عليها في عهد مبار ك نفسه، بخلاف جملة من امتيازات السرية والمعلنة. فمع الشهور الأولى للانقلاب العسكري وفي محاولة من الانقلابيين لرد جميل دولة الإمارات لما تنفقه من مليارات دعما للانقلاب ولما قدمته من بطاطين وملابس مستعملة للشعب المصري، قدمت حكومة الانقلاب حزمة من التسهيلات والامتيازات للشركات الإماراتية كان أحدثها منح ثلاث شركات يسيطر عليها رؤوس أموال إماراتية حق التنقيب عن البترول أبرزها شركة "فيجا بتروليم ليمتد" والتي تم التعاقد معها للبحث عن البترول واستغلاله في منطقة شرق جبل الزيت بخليج السويس بإجمالي مساحة 300 كيلو متر مربع وشركة "جنوب الوادي القابضة للبترول" وشركة "دانا بتروليم نورث". عقارات وفي السياق نفسه تم التقاعد في فبراير الماضي مع شركة "آرابتك" الإماراتية لبناء مليون وحدة سكنية، ويذكر أن أرابتك فازت خلال الربع الأول من العام الحالي بعقود تنفيذ مشاريع داخلية وخارجية تصل قيمتها إلى نحو 188 مليار درهم، والتي كان آخرها مشروع المليون وحدة سكينة في مصر بقيمة 147.6 مليار درهم، والتي تم توقعيها مع الجيش المصري بالإضافة إلى مشروع بناء 60 برجًا آخرين. وشهدت الاستثمارات الإماراتية داخل مصر توسعًا كبيرًا بعد الانقلاب العسكري حيث بلغ عدد الشركات الإماراتية التي تستثمر في مصر حاليا 638 شركة بحجم استثمارات وصل نحو 18.4 مليار درهم، وتتوزع هذه الاستثمارات على مجموعة من المجالات مثل العقارات والاستكشافات البترولية والسياحة والصناعات الكيماوية والغذائية والزراعة وقد أعلن رؤساء بعض الشركات الإماراتية العاملة في مصر بعد الانقلاب أن شركاتهم تنوي تنفيذ خطط توسعية في السوق المصرية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات رغم سخونة الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد حاليًا. وذكروا أن الشركات الإماراتية العاملة في السوق المصرية تعتبر الأقل تأثرًا بالأحداث الحالية بسبب تنوع استثماراتها وقوتها. مراكز تجارية فمن جانبها أعلنت شركة إعمار مصر عن زيادة حجم استثماراتها المخططة، لتصل إلى أكثر من 27.8 مليار درهم، توجه لمشاريع فندقية وشقق فندقية، كما تضم أيضًا مراكز تجارية ضخمة وأماكن ترفيهية وسياحية، بالإضافة إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية، بتسهيلات وامتيازات غير معلنة، واليوم تبلغ قيمة التطوير للمشاريع في مصر أكثر من 57 مليار جنيه. وتعتزم المجموعة افتتاح نحو 32 متجرا جديدا ل"كارفور" من فئتي "سوبر ماركت" و"هايبر ماركت" في جميع أنحاء البلاد، مع التركيز في البداية على القاهرة. وقال أسامة صالح -وزير الاستثمار السابق في حكومة الانقلاب: "إن شركة إعمار الإماراتية العقارية تتفاوض حاليا مع الحكومة المصرية لإنشاء مشروعين عقاريين، باستثمارات تقدر بنحو 3 مليارات دولار". وأضاف صالح، في مؤتمر صحفي أن الشركة عرضت إنشاء مشروعين سكنيين بالقاهرة الجديدة شرق العاصمة وطريق مصر الإسكندرية الصحراوي غرب القاهرة بمساحة إجمالية 700 فدان. ومن جهته أكد أحمد آل سوديث رئيس المنظمة العربية للاستثمار أن 15 شركة إماراتية تعمل بالسوق المصري ستتوسع وتضخ استثمارات في مصر بقيمة تتراوح من 50 إلى 100 مليار دولار في قطاع العقارات بداية العام الجديد. وأضاف آل سوديث أن الاستثمارات ستضخ على مدار عدة مراحل على المدى المتوسط والطويل، يأتي هذا بجانب الاستثمارات الحكومية الإماراتية والتي قيمتها 6 مليارات دولار. محطة حاويات وفي مجال الملاحة أعلنت الشركة القابضة للنقل البحري والبري المصرية، أنها وقعت مذكرة تفاهم مع شركة الملاحة العربية المتحدةالإماراتية لتستثمر 150 مليون دولار في مشروع محطة الحاويات الثانية بميناء شرق بورسعيد، الذي وصفته بأنه باكورة مشاريع محور قناة السويس في عهد الانقلاب ليتم تسليمه للشركات الإماراتية. وقالت الشركة في بيان: إن الشركة الإماراتية ستتحالف مع وحدتها شركة بورسعيد لتداول الحاويات بنسبة شراكة "في حدود 20 بالمائة من التكلفة الاستثمارية للمشروع التي تقدر بمبلغ 750 مليون دولار، وسيبدأ تشغيل المحطة بحجم تداول يبلغ نحو مليون حاوية سنويا. قناة السويس ويشار إلى أن مشروع محور قناة السويس كان من أهم الأسباب وراء دعم الإمارات للانقلاب العسكري حيث لعبت دورا كبيرا في السعي تعطيل مشروع محور قناة السويس وذلك لأنها كانت أكثر الدول التي سينالها الضرر من تطبيقه في ظل نظام الدكتور محمد مرسي وذلك لما كان له من أثر مباشر يضر بميناء دبي والذي يمثل محطة خدمات "لوجيستية" للسفن ومنطقة حرة في "جبل علي". وكانت مساعي الإمارات في ذلك واضحة دون مواربة وكان يديرها من هناك المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية أحمد شفيق، والذي لم يستطع أن يخفي هذا الدور؛ حيث إنه قال في إحدى المداخلات الهاتفية مع وائل الإبراشي: "يجب الإسراع بإسقاط مرسي ونظامه قبل توقيع عقود محور قناة السويس"، في إشارة واضحة وصريحة تكشف عن ضلوع الإمارات في تمويل وتحريك الإضرابات والعنف في الشارع. كما انصبت أول زيارة لحازم الببلاوي رئيس حكومة الانقلاب السابق للإمارات على ملف مشروع قناة السويس حيث كان على رأس اهتمامات الجانب الإماراتي وكان يوليه أهمية خاصة في أغلب اللقاءات خلال الزيارة، بحسب تصريحات الوفد المرافق للبلاوي في هذه الرحلة حيث قال إن الحكومة تلقت عروضا استثمارية، ووضع جزءا من المنحة الإماراتية لتنفيذ البنية الأساسية في المشروع من الطرق. جنوب الوادي وعلى صعيد متصل وافقت وزارة الزراعة في حكومة الانقلاب على منح شركة "تصاميم" بدولة الإمارات العربية المتحدة مساحة 5 آلاف فدان بناحية جنوب الوادي، وكشف مصدر مسئول بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي في تصريحات صحفية, أن الحكومة ممثلة في وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي, تتجه لبيع عدد من الشركات العاملة في القطاع العام لدول الخليج وعلى رأسها الإمارات. وفي ظل هذا التوسع الكبير وغير المسبوق للاستثمارات الإماراتية في مصر الذي يأتي على حساب الاستثمارات المحلية والإقليمية لم يكن أمام حكومة الانقلاب العسكري سوى إصدار قرار بتحصين العقود التي تبرمها الدولة مع المستثمرين بحيث لا يحق لأي طرف آخر الطعن على العقود، وبرر مسئول بوزارة الاستثمار في حكومة الانقلاب هذا التشريع الذي صدر في ظل غيبة كاملة للمؤسسات المنتخبة وعلى رأسها مجلس الشعب أنه لم يكن هناك خيار للحفاظ على الاستثمارات التي تتم في مصر في هذه الظروف سوي تقديم هذه التسهيلات، معتبرًا صدور هذا القانون حاجة ملحة لدوران عجلة الاستثمارات بأسرع وقت ممكن، فتأخرها أكثر من ذلك كارثة بحسب قوله، وأضاف جذب مزيدا من الاستثمارات لن يتحقق إلا من خلال إيجاد ضمانات كافية للمستثمرين، لا سيما بعد ما تعرض له الكثير من المستثمرين من إدانات وتعليق لمشروعاتهم بعد 25 يناير.