نظرة سريعة الى الاعلانات الضخمة على طول كوبرى السادس من أكتوبر الواصل بين محافظتى القاهرة والجيزة ، تشير بوضوح الى المشهد الاقتصادى فى ظل الإنقلاب ، حيث تتعدد الاعلانات الخالية والأخرى المعروضة للتأجير فى مشهد غير مسبوق خلال السنوات الماضية . حتى الاعلانات المشغولة تجد من بينها من يشير الى برامج رمضان على الفضائيات ، أو الى حفلات غنائية تم اقامتها منذ شهور ، أو مؤسسات صحفية تعلن عن اصدارتها بدلا من ترك الأماكن شاغرة ، أو اعلانات إجبارية للدعوة للتصويت بنعم على دستور الانقلاب . ويتكرر المشهد فى كم اعلانات الشركات بالصحف التى تراجعت كثيرا بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة للشركات ، التى قامت كثير منها بخفض قاطتها الإنتاجية اختياريا نتيجة ظروف السوق ، أو إجباريا بسبب نقص امدادها بالطاقة مثل مصانع الأسمنت والسماد وغيرها . وأصبحت كثير من الشركات عاجزة عن دفع أجور العاملين بها ، أو دفع ما عليها من تكلفة للكهرباء أو للتأمينات الاجتماعية مما أدى الى الحجز من قبل التأمينات على عدد كبير من الشركات ، الأمر الذى أدى لعدم استجابة كثير من الشركات للمطلب الحكومى ، برفع الحد الأدنى للأجور بها الى 1200 جنيه كما سيحدث مع موظفى الحكومة . لتجد الشركات نفسها محاصرة برؤية غير واضحة للمستقبل فى ظل التراجع الشديد فى مجال الحريات ، وضعف الثقة بالمستقبل ونقص التمويل ونقص الطاقة ونقص العملات الأجنبية وارتفاع التضخم وأزمة المرور ، وجو الريبة الحكومية تجاه أية تحويلات مالية ، بعد أن عانت الشركات من تداعيات حظر التجول لثلاثة أشهر وتوقف القطارات لأكثر من مائة يوم . - ورغم تحفظ كثير من الخبراء على بيانات الجهاز المركزى للاحصاء والتى يتم تلطيفها لأغراض سياسية ، فقد بلغت نسبة التضخم خلال شهر نوفمبر الماضى الى 2ر14 % ، وترتفع النسبة لمجموعة الطعام والشراب لأكثر من 20 % ، فى حين أن معدل التضخم كان فى عام تولى الرئيس مرسى 9ر6 % وفى مجموعة الطعام والشراب 6ر8 % خلاله . ورغم قيام حكومة الانقلاب بإعفاء طلاب المدارس الحكومية من المصروفات الدراسية وكذلك طلاب المدن الجامعية ، إلا أن ارتفاع تكاليف الغذاء قد أربكت البيت المصرى حيث بلغت زادت أسعار اللحوم والدواجن والأسماك والخضر والفاكهة والألبان وغيرها . وارتفعت أسعار الاسمنت والحديد بسبب الطلب من جانب البناء غير المرخص ، فى ضوء الركود بقطاع التشييد الرسمى ، ورغم ثبات الأسعار الرسيمة للأسمدة ، فقد زادت بالسوق السوداء مع نقص المعروض منها بسبب نقص الطاقة للتشغيل . فى ضوء المأزق الذى تواجهه الهيئة العامة للبترول مع نقص انتاج الغاز الطبيعى ، واضطرارها لتويجه المنتج منه لمحطات توليد الكهرباء على حساب الصناعة ، لأسباب سياسية . - وفيما يخص القطاع المصرفى فلقد تراجعت بشدة معدلات الاقراض المصرفى للشركات ، حيث اتجهت البنوك لشراء الأوراق المالية الحكومية التى تطرحها لسد عجز الموازنة ، حيث بلغ المتوسط الشهرى لزيادة أرصدة القروض خلال الشهور الثلاثة الأولى لعهد الانقلاب 116 مليون جنيه - وهى آخر بيانات معلنة من البنك المركزى - مقابل زيادة شهرية لها 5ر3 مليار جنيه بعهد الرئيس مرسى . وتكررت الصورة فى الودائع المصرفية غير الحكومية حيث بلغ متوسط الزيادة الشهرية 7 مليار و562 مليون جنيه ، خلال الشهور الثلاثة الأولى ، مقابل ما يقرب من 13 مليار جنيه للمتوسط الشهرى بعهد مرسى . ورغم قيام البنك المركزى بخفض سعر الفائدة ثلاث مرات بواقع نصف بالمائة فى كل مرة ، بدعوى تشجيع الاستثمار فإن الغرض الحقيقى من ذلك الخفض كان تخفيف العبأ على الموازنة الحكومية ، من خلال خفض تكلف الاقتراض المستمر من جانب الحكومة . وبالتالى لم تستفد الشركات من ذلك الخفض ، وهو الخفض الذى أضر بالمودعين نتيجة انخفاض فائدة الإيداع سواء بالبنوك أو بدفتر توفير البريد أو بشهادات الاستثمار . - واستمرت حكومة الانقلاب فى طبع البنكنوت ، لتصل قيمة المتوسط الشهرى لقيمة الطبع خلال الشهور الثلاثة الأولى 3 مليار و690 مليون جنيه ، مقابل 2ر2 مليار جنيه للمتوسط الشهرى لقيمة الطبع خلال نفس الشهور بعهد مرسى . وفيما يخص سعر الصرف الذى بلغ حوالى سبعة جنيهات فى نهاية عهد مرسى ، فلم تفلح المعونات والأموال العربية ، وتدخل البنك المركزى بالضخ للسوق بالدولارات أكثر من مرة فى خفضه بشكل مؤثر . خاصة وأن البنوك تمول الاستيراد من السلع الضرورية فقط ، ولا تتعامل بالأسعار التى تعلن عنها بوسائل الاعلام مع العملاء ، مما أسفر عن استمرار السوق الموازية للدولار حيث اقترب السعر عدة مرات من السبعة جنيهات ونصف بها . - وبالنسبة للشركات الجديدة المحلية ، فقد تراجع عدد الشركات التى تم تأسيسها ، خلال الشهور الخمسة الأولى من عهد الانقلاب بنسبة 14 % بنقص 549 شركة ، كما انخفضت رؤس أموال الشركات الجديدة بشدة ، وانخفضت مساهمة الأجانب فى تأسيس الشركات الجديدة بدرجة ملحوظة لتصل نسبة مساهمتهم الى 3 % فقط . - وفيما يخص الموازنة الحكومية فلقد استمر العجز بالموازنة ليصل الى 73 مليار جنيه خلال الشهور الأربعة الأولى من عمر الانقلاب - بدون احتساب أقساط القروض - بنمو 6 % عن قيمة العجز بعهد مرسى بنفس الفترة ، رغم انخفاض مخصصات الدعم بصورة ملحوظة ونقص مخصصات الاستثمارات الحكومية . ولهذا فقد استمرت حكومة الانقلاب فى الاقتراض الداخلى والخارجى ، لتزيد قيمة الدين المحلى لأجهزة الموازنة العامة بنحو 62 مليار جنيه ، خلال الربع الأول من عهد الانقلاب ، كما زادت قيمة الدين الخارجى بنحو 3 مليار و784 مليون دولار خلال نفس الفترة . ليصل المتوسط الشهرى للاقتراض الخارجى خلال الربع الأول 1 مليار و261 مليون دولار ، مقابل 737 مليون دولار للمتوسط الشهرى للاقتراض الخارجى خلال كامل فترة ولاية مرسى . - وظهر الأثر السلبى بوضوح على قطاع السياحة حتى وصلت نسبة الإشغال بالفنادق على مستوى الجمهورية بشهر اكتوبر الماضى 21 % وبشهر نوفمبر 23 % ، وكانت قيمة الايرادات السياحية قد تراجعت خلال الربع الأول بنسبة 65 % بالمقارنة بنفس الربع الأول من عهد مرسى . - وانخفضت العديد من موارد النقد الأجنبى خلال الربع الأول ، حيث انخفضت ايرادات الصادرات السلعية غير البترولية بنسبة 12 % ، رغم حدوث زيادة فى قيمتها نتيجة تراجع سعر صرف الجنيه تجاه الدولار ، ونقصت حصيلة تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 17 % ، وتراجعت حصيلة الخدمات بخلاف السياحة والنقل بنسبة 31 % ، كما تراجع كلا من المتحصلات الحكومية ودخل الاستثمار . واستمر العجز الضخم بالميزان التجارى ، كما تقلص الفائض الخدمى بشكل كبير ، إلا أن احتساب قيمة المنحة الخليجية من نفط خام ومنتجات بترولية ، الى جانب القروض والودائع الخليجية ، قد تسبب فى حدوث فائض بميزان المدفوعات بنحو 7ر3 مليار دولار . ورغم ارتفاع الإحتياطيات من العملات الأجنبية الى 17 مليار و766 مليون دولار بنهاية نوفمبر ، بزيادة 8ر2 مليار دولار عن الأرصدة التى تركتها الرئيس مرسى ، وذلك بفضل الضخ الخليجى فى صورة ودائع وقروض ، فقد شكك خبراء فى تلك الأرصدة وذكروا أنها حاليا صفر فى ضوء ارتفاع الالتزامات الخارجية . ولم يتبق لحكومة الانقلاب من شىء تتغنى به سوى الارتفاع الكبير لمؤشر أسعار البورصة ، ورغم تأكيد الخبراء على أنه مصنوع من قبل محافظ البنوك العامة ومحافظ التأمينات الاجتماعية . حتى أن أحد مسؤلى حكومة الانقلاب قد صرح بأن من يستثمر حاليا فى البورصة فى ظل تلك الظروف فهو حمار ، ومع ذلك فإن تعاملاات البورصة لا تضيف للسوق أية منتجات إضافية ، أو فرصا للعمل بما يجعلها غير مؤثرة فى تحسين الصورة القائمة للاقتصاد .