أستخدم تعبير «عالم غير معروف» في حديثي عن الخليج في الأيام الخوالي، لأنه في ذاك الوقت، كانت المشيخات التي تتألف منها الآن الإمارات العربية المتحدة، والتي غدت معروفة للجميع داخل الوطن العربي وعلى امتداد العالم، واشتهرت لدى الكثيرين لأن لها علاقة بالمال والنفط وبحقيقة أن أماكن مثل دبي وأبوظبي غدت موانئ جاذبة لسفن الشحن من جميع أنحاء العالم، بينما أصبحت مطاراتها معروفة ومستخدمة من قبل طائرات النقل الجوي من كل أنحاء العالم. أنا نفسي تعرفت إلى منطقة الخليج بأسرها مبكراً جداً. في الحقيقة ذهبت أولاً إلى قطر، وكان ذلك عام 1945 عندما كانت غير معروفة كلياً. وتقلدت منصب تمثيل الشركة الأميركية التي نالت امتياز النفط في قطر، وهي التي لم تكن قد اكتشفت بعد احتياطيها النفطي الهائل، والتي تحولت لاحقاً إلى واحدة من أغنى دول العالم، على الرغم من أن قطر كانت في ذلك الوقت الذي أقمت فيها خلاله من أكثر الدول بدائية على وجه البسيطة. خلال إقامتي في قطر، دهشت كثيراً لدى زيارتي وزوجتي لها بعد سنوات عدة. في الحقيقة أظهر قصر الحاكم مدى الاختلاف الذي حدث في المكان الذي عشت فيه لسنوات عدة، ولذلك قام بمرافقتي في رحلتي رجل عاش في هذه المنطقة لسنوات كثيرة، لمساعدتي على التعرف إلى ما أصبح بالنسبة لي دولة غريبة تماماً. الرجل الذي أسندت له مهمة إرشادي في المنطقة، لم يكن قطرياً بل كان عراقياً عاش وعمل في قطر، لسنوات عدة خلت. واستمتعت بصحبته لما يملك من خلفية معرفية واسعة، واهتمام بالغ بالثقافة العربية التقليدية. وذات يوم أثناء حديثنا عن أيامي الأولى في قطر، ذكرت بأنني قد التقطت لي صورة بصحبة الحاكم. وكنت في وقت من الأوقات أملك نسخة من هذه الصورة، ولكني فقدتها ضمن أوراقي العديدة وشعرت بأنها أثر قديم ضروري لوجودي في قطر، وبأني يجب بطريقة ما أن أمتلك نسخة منها. ولكن كيف؟ أخبرت مرافقي العراقي بأمنيتي هذه، حيث أكد لي وجود محل في المدينة يمكنه بلا شك تقديم نسخة عن الصورة التي كنت أبحث عنها. أخذني صديقي العراقي إلى متجر كبير وسط المدينة كان يقدم صوراً تاريخية للسياح عن ماضي قطر. وقدمني صديقي العراقي لمالك المحل، وهو رجل متقدم في السن، حيث أوضح له لماذا أقمت في قطر وبأني متحمس لحيازة الصورة التي التقطت لي في تلك الأيام مع الحاكم. «من كان الحاكم في الوقت الذي عشت فيه بقطر؟» ذكرت الاسم: «علي» وكوفئت بابتسامة من لم يفهم، «من؟» سألني مرة أخرى، وأجبت: «علي» هز رأسه وانشغل بالبحث في بعض الأوراق القريبة من المكتب. وقلت إنني «تعودت على رؤيته ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع»، وأضفت محتجاً إن وجود علاقة جيدة مع الحاكم كان جزءاً من عملي كممثل لشركة نفطية، وهذا تطلب رؤيته بشكل منتظم مرتين على الأقل أسبوعياً. ولكن الجواب الوحيد الذي حصلت عليه من هذا الرجل كان هزة رأس أخرى، وإطراء كبير للغتي العربية، ليعود بعدها إلى أوراقه. استطعت ملاحظة استغراب رفيقي العراقي لإنكار معرفة الرجل القطري بالشيخ علي. وفشلت أنا أيضاً في معرفة كيف لا يدري هذا الذي يسمى خبيراً بتاريخ الدولة، اسم حاكمه. فمن المستبعد ألا يكون مالك المحل الذي يصغرني قليلاً قد عاش خلال فترة حكم الشيخ علي. لم يكن مقنعاً كون هذا الذي يسمى خبيراً في تاريخ المنطقة، ليس على معرفة بأسماء حكامه. سألني رفيقي العراقي والذي غالباً ما تملكته شكوك كثيرة بشأن إقامتي مدة طويلة في قطر، سألني في مناسبة ثانية عما إذا زرت أي دولة خليجية أخرى. وأخبرته كيف تم ذلك. حيث سئلت عما إذا كنت أريد الذهاب إلى دبي والعمل مترجماً للحاكم خلال المفاوضات التي كان بصدد خوضها مع شركة نفط. وأخبرت بأن المشيخة ليست ثرية ولم تتخذ بعد أي ترتيبات مع أي شركة نفط بسبب الشك في وجود نفط في المنطقة. في ذلك الوقت لم يكن هناك مطار في دبي، لذلك سافرت على متن طائرة خاصة تأخذني إلى مشيخة الشارقة، من ثم انتقلت بالسيارة عبر الكثبان الرملية نحو بلدة صغيرة هي دبي التي تقع على الشاطئ. ونزلت في غرفة في دار صديقي رونالد كوداري، الذي اشتهر جيداً بريادته للتصوير بالمنطقة. وأمضيت ثلاثة أو أربعة أيام أعمل مترجماً للمفاوضات التي أفضت إلى التوقيع على عقد بين الحاكم والشركة النفطية. الحاكم وقتها كان رجلاً جليلاً هو المغفور له بإذن الله الشيخ سعيد آل مكتوم، والد الحاكم الذي عملت في خدمته لسنوات عدة بعدها عندما عينت مديراً لمحطة صوت الساحل، وهو المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ولكن عملي في دبي في تلك الفترة قصة مثيرة تستحق أن تروى في مقال لاحق. نوع المقال: موضوعات فكرية