إن أية متابعة لتاريخ الثقافة العربية ولتاريخ الأفكار فيها لا تخفق قط في إماطة اللثام عن ثمة تحامل مضاد للمؤنث، بدليل أن الفحولة تعد امتيازاً يرفع المرء درجة أعلى عن الأنوثة، برغم ما تحمله الأخيرة من معان مثقلة جمالاً ورقة، حباً وخصبا! عندما يصف العرب شاعراً مهماً تجدهم يقولون إنه "شاعر فحل"، وما زلت أسائل نفسي هل يعني أن الشاعرات عندما يبزن نظرائهن من الذكور ينبغي أن يستحقوا ذات الوصف: أي هل يمكن أن نقول إن الخنساء شاعرة فحل أو أن الولادة بنت المستكفي شاعرة فحل؟ الفحولة في ثقافتنا امتياز، على عكس الأنوثة التي تعامل وكأنها مثلبة تعسفاً، درجة أن هذا الخيلاء قد تخلل حتى استعمالات اللغة العربية الجميلة، الأمر الذي يلقي الضوء على الميل إلى تذكير المؤنث وتعميم التذكير عليه. لاحظ أن "فلانة بنت فلان" تسمى وزير، وليس وزيرة، بينما تقدم "فلانة" باسم قاضي البداءة، وليس قاضية البداءة، ألا يعكس ذلك لا وعياً جماعيًّا منحازاً ضد المرأة، ذلك المخلوق الجميل الدافئ الخصب الذي ننتمي إليه كما تنتمي النخلة إلى التربة الخصبة؟ ربما كنت شخصياً من ورثة التحامل "الجنوسي"، إذ إني كلما سمعت في الإعلام قائلاً يقول "إن العراق جميلة"، فإني أشعر لا إراديًّا بالامتعاض، وكأن تاء التأنيث عصية على المرور عبر أذني وعلى الهضم والتمثيل الدماغي، بسبب تواشجها مع لفظ العراق. لا أدري لماذ لا ينزعج إخواننا المصريون، كما أفعل، عندما نقول "مصر أم الدنيا" وليس "أب الدنيا"؟ ثمة اعتباطية ذات أعماق تاريخية قد ترقى إلى ثقافات سابقة لثقافة العربية بعد أن تحولت إلى إناء حضارتنا حيث أهلها القرآن الكريم لهذا الدور العابر للأمم وللقارات وللأجناس. لقراءة المقال كاملا اضغط هنا