"الهروب من مأوى كان آمنا لهم" هكذا جاء عنوان تقرير شبكة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" يوم الاثنين ليعبر عن لسان حال اللاجئين السوريين في مصر التي كانت في البداية بمثابة ملاذ آمن لهم هربا من ماكينة القتل التي يديرها الأسد بلا توقف منذ قرابة السنوات الثلاث، ولكن الأمر انقلب رأسا على عقب عقب الانقلاب الدموي الذي كما أطاح بأول رئيس مدني منتخب في مصر أجبر هؤلاء السوريين على الفرار في رحلات غير آمنة. وأضاف التقرير: " عندما هربت سها عمر من دمشق منذ قرابة الأسبوعين، كانت والدة لأربعة بنات، والآن هي والدة لابنة واحد، حيث غرقت ثلاثة من بناتها في البحر المتوسط". ونقلت بي بي سي عن سهى قولها: " لقد كنا نهرب من الموت فإذا بنا نجده فوق رؤوسنا، الأمر لم يستغرق خمسة دقائق منذ صعودنا إلى المركب حينما قالوا إنها على وشك الغرق، لم نكن نتخيل أن تتطور الأمور إلى ذلك الحد". وتابعت: " قامت شقيق زوجي بإلباسي سترة أمان، فقلت له، إذا لم توجد سترات أمان لبناتي فلا أرغب إذن في واحدة، أريد أن أموت معهن لكن شقيقي أجبرني على ارتدائها". وأشارت إلى أنهم أبحروا من الأسكندرية في 10 أكتوبر على متن قارب مزدحم، وكانت الشقيقات الثلاث ضمن ثمانية أشخاص فُقدوا في الحادث. وأشارت الأم الملكومة إلى أنه لم يتبق من بناتها الثلاثة سوى صورة وهن يصطففن بجوار بعضهن البعض. وأشارت سها إلى أن حلمها بالسفر إلى مصر انتهى في قسم شرطة في الأسكندرية حيث تم احتجازها مع باقي اللاجئين. استراتيجية متعمدة ويقول الناشط الحقوقي نادر العطار مؤسس حركة "التضامن مع اللاجئين" إن تلك الأوضاع البائسة التي يعيشها السوريون في مصر جزء من استراتيجية مقصودة، مضيفا أن الهدف هو إجبار اللاجئين على مغادرة مصر، مشيرا إلى أن عدد اللاجئين الذين تم ترحيلهم منذ أغسطس الماضي بلغ 600 شخص. وتابع: " لقد قمنا بتوثيق بعض حالات اللاجئين التي لا يتم إمدادهم بوجبات غذائية، هنالك الكثير من الضغوط الواقعة عليهم، للتوقيع على أوراق لمغادرة البلاد". وأشار العطار إلى أن مصر تخاطر بحياة هؤلاء اللاجئين السوريين عندما تجبرهم على العودة إلى دمشق، مؤكدا أنه تم إجبار خمس مجموعات على الرجوع إلى سوريا، بما يشبه تسليمهم إلى النظام السوري الذي اعتقل بعضهم بمجرد أن وطأت أقدامهم الأراضي السورية. وتقول لاجئة سورية تدعى "سندس محتجزة في أحد المساجد الملحقة بقسم شرطة: " ما هي جريمتي؟ لأقبع في الحجز مع الذباب والصراصير؟ ماذا فعلت؟". العفو الدولية تلمس الجراح وكانت منظمة العفو الدولية قد سردت في تقرير في 17 أكتوبر الجاري تحت عنوان "أوقفوا الممارسة المروعة التي تشمل احتجاز اللاجئين من سوريا وترحيلهم"، المأساة التي يعيشها اللاجئون السوريون في مصر منذ الانقلاب حيث ذكرت أنه يتعين على السلطات المصرية أن تضع حداً لسياستها المروعة التي تتضمن احتجاز مئات اللاجئين بشكل غير شرعي وإعادتهم قسراً بعد أن فروا من النزاع المسلح الدائر في سوريا . وجاء التقرير في أعقاب وقوع وفيات الأسبوع الماضي بين اللاجئين وطالبي اللجوء أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط انطلاقاً من شمال أفريقيا. وفي معرض تعليقه على هذا الموضوع، قال مدير برنامج حقوق اللاجئين والمهاجرين بمنظمة العفو الدولية، شريف السيد علي: "يترتب على السلطات المصرية التزام يقتضي منها توفير الحماية لكل الفارين من سوريا الذين يسعون للحصول على ملاذ في مصر. وفي الوقت الراهن، فلقد تقاعست مصر بشكل كارثي عن الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بتوفير الحماية لأكثر فئات اللاجئين ضعفاً وتهميشاً". وأردف السيد علي القول: "عوضاً عن توفير المساعدة الحيوية والدعم للاجئين الفارين من سوريا ، تعمد السلطات المصرية إلى اعتقال اللاجئين وترحيلهم، مما يشكل افتئاتاً على المعايير الخاصة بحقوق الإنسان. لقد فقد معظم اللاجئون منازلهم وسُبل عيشهم عند فرارهم من سوريا. وعليه، فيُعد التقاعس عن مساعدتهم وحمايتهم نقطة سوداء تلطخ سمعة مصر، ويمكن أن يلحق ذلك الضرر بصورتها كأحد اللاعبين الرئيسين في المنطقة". ما قبل الانقلاب "سوريا ثم سوريا ثم سوريا" هكذا دأب الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي على التحدث عن سوريا، معبرا عن مساندة مصر للكفاح المشروع للشعب السوري ضد نظام مستبد قتل زهاء 200 ألف من مواطنيه بدم بارد، واحتضنت مصر في عصر مرسي الآلاف من اللاجئين السوريين الذين اعتبروا مصر وطنهم الثاني، وكانوا يعيشون بين إخوانهم المصريين في ألفة وسلام، وافتتح بعضهم متاجر لاكتساب قوت اليوم، إلا أن الانقلاب الدموي غير الحال وجلب الأهوال. إعلام محرض لعب الإعلام المصري المساند للانقلاب دورا بالغ القبح في التأليب والتحريض على السوريين، ووصفهم في صورة الإرهابيين غير المرحب بهم في مصر، بل امتد السفه الإعلامي إلى الطعن في شرف السوريات.