توقع الكاتب الصحفي الأستاذ فهمي هويدي أن تحدث إفاقة وعودة إلى "الفكرة" بعد أن تذهب "السكرة" التي يتم الترويج لها في مصر هذه الأيام مثل الأساطير. وتحدث هويدي عن بعض الكتابات الاستثنائية التي ظهرت في الصحف المصرية خلال الأسبوعين الماضيين معبرة عن تلك الإفاقة القريبة، خصوصا تلك التي أفزعتها عودة شبح الدولة الأمنية، مستصحبة معها ممارسات القمع والتحريض بدعوى الحفاظ على الدولة في مواجهة الإخوان، وأقلقتها مؤشرات عسكرة المجتمع المصري بعد عزل الرئيس محمد مرسي. وأضاف هويدي أن ثمة أصوات أخرى استهولت حجم القتل الذي تم باسم فض الاعتصامات بالقوة، كما استهولت ارتفاع صوت أبواق الثورة المضادة، التي باتت تبشر بفاشية جديدة لا تكتفي بمباركة إجراءات القمع، وخطاب الإقصاء، وإنما عمد ممثلوها إلى اتهام المخالفين بالخيانة، والازدراء بمفجري ثورة 25 يناير2011، ووصفهم حينا بأنهم "مرتزقة"، ووصف الثورة ذاتها في حين آخر بأنها نكسة. ولم يرجع الكاتب ذلك الوعي الذي حدث لبعض الكتاب والإعلاميين ليقظة ضمائرهم فحسب، مشيرا إلى حجم المبالغات الفجة التي يتم اللجوء إليها في الأجواء المحمومة الراهنة كثيرا ما تأتي بثمار عكسية، عملا بالقول الشائع إن ما يزيد على حده ينقلب إلى ضده. وقال الكاتب: فحين يتهم أحد المحتجزين -واسمه محمد عبد التواب أحمد- بالاعتداء على المتظاهرين وحمل السلاح وإرهاب المواطنين وقتلهم، ثم يتبين أن الرجل فاقد البصر ولا يستطيع أن يتحرك دون دليل يقوده، فإن أي عاقل يكتشف مباشرة التلفيق والكذب في التهمة. وحين تتحدث الصحف عن ترسانة للأسلحة في اعتصام رابعة، وعن وجود مدافع ثقيلة وأسلحة كيميائية مع المعتصمين، ثم يتم قتل المئات (في رابعة وحدها) واعتقال الألوف منهم دون أدنى مقاومة، فإن ذلك يهدم الأسطورة دون حاجة إلى تكذيبها. - ولفت هويدي إلى عدد من (الأساطير) التي أطلقها الإعلام الرسمي والخاص في الفضاء لتثبيت الوضع القائم:- أسطورة الحرب على الإرهاب التي جرى افتعالها والترويج لها إعلاميا، في سياق المشهد الذي بدأ بدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وانتهى بتجريم الإخوان وشيطنتهم، ثم تسويغ قمعهم واستئصالهم، الأمر الذي أسفر حتى الآن عن سقوط خمسة آلاف قتيل وإصابة عشرين ألفا، واعتقال عشرة آلاف شخص، حسب البيان الذي أعلنه التحالف الوطني لدعم الشرعية، وهو ما يهدد بدخول مصر إلى نفق الدولة الأمنية المظلم المحفوف بالشرور والمخاطر، بما يستصحبه من ترويع وتخويف وإجهاض لحلم الدولة الديمقراطية، في حين أن المظاهرات كانت سلمية في مجملها، لكنها صورت إعلاميا وأمنيا بأنها إرهاب يرد عليه بوسيلة واحدة تمثلت في استخدام السلاح وتلفيق التهم الجاهزة. 1. أسطورة الطابور الخامس التي جرى ابتداعها بدورها مؤخرا، حين ظهرت بعض الأصوات الليبرالية والوطنية المستقلة التي اعترضت على الأساليب المتبعة. ولأنه كان متعذرا اتهامها بالانتماء إلى الإخوان، فقد كان تلويث وتخويف أصحابها بضمِّهم إلى الطابور الخامس هو الحل. 2. أسطورة تقسيم مصر وبيع قناة السويس للقطريين والتنازل عن سيناء أو جزء منها لحركة حماس، وهو من الفرقعات والافتراءات الإعلامية التي أطلقت في الفضاء دون دليل، واستهدفت الطعن في وطنية وانتماء من نسبت إليهم هذه الممارسات. 3. أسطورة التنظيم الدولي للإخوان الذي يصور بحسبانه أخطبوطا هائلا له أذرعه المنتشرة في أكثر من ثمانين دولة حول العالم، في حين أنه مجرد كيان هش لا حول له ولا قوة، نشأ في ستينيات القرن الماضي حين كان إخوان مصر يعيشون خارجها. فشكلوا تلك الرابطة فيما بينهم، لكن لم يثبت يوما أن له دورا يذكر في التوجيه والتنظيم. والتفاوت الكبير بين أداء حركة النهضة في تونس والإخوان في مصر شاهد على ذلك، رغم أن الاثنين من أعضاء التنظيم الدولي. وفي مواجهة هذه الأساطير أشار الكاتب إلى حقيقة أن ما جرى في الثالث من شهر يوليو الماضي لم يكن انقلابا على حكم مرسي لكنه كان انقلابا على ثورة 25 يناير 2011، بدليل ذلك الجهد الكبير الذي يبذل الآن لاستعادة أجواء وأساليب حكم مبارك، فضلا عن رجاله وأبواقه التي عادت إلى الظهور في الساحة الإعلامية بوجه أخص، وهو ما أشك كثيرا في أنه خطر ببال الذين خرجوا في 30 يونيو الماضي، أو الذين قدموا التفويض ضمنا للفريق عبد الفتاح السيسي.