تعتبر العقوبات الأخيرة من الأممالمتحدة شرارة الإطلاق، لسُيل من التهديدات الكورية الشمالية ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية وكوريا الجنوبية، ووصلت هذه التهديدات إلى تشغيل مجمعها النووي الرئيسي الذي كان متوقفاً. ولا ينحصر الصراع الدائر في شبه الجزيرة الكورية والولاياتالمتحدة فقط وإنما إذا اشتعل هذا الصراع وتعدى كونه سياسيا ليصبح عسكريا فإنه بالضرورة من أول المتأثرين بمثل هذه الحرب سيكون الخليج العربي الذي قد يواجه انهياراً اقتصادياً حال نشوب مثل هذه الحرب؛ لأنه قد يتوقف مجبراً عن إمدادات النفط إذا ما تدخلت إيران وروسيا في هذه المعادلة الصعبة وبالتالي فإن مصر نفسها ستتأثر هي الأخرى لما لها من عمالة ضخمة في هذه المنطقة فضلاً عن قناة السويس التي ستشهد حراكاً مكثفاً وعبوراً غزيراً للمدمرات وحاملات الطائرات الحربية الأمريكية ونظيرتها الصينية. وكثيراً ما تستخدم كوريا الشمالية خطاباً عدائياً تجاه من تعتبرهم معادين، ففي 1994 هددت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية بتحويل عاصمتها سول إلى بحر من اللهب الأمر الذي خلق حالة من الرعب لدى الكوريين الجنوبيين. محور الشر وبعد أن قام الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عام 2002 بتصنيفها بأنها إحدى دول "محور الشر"، ردت بيونج يانج بأنها "ستمحو المعتدين بلا رحمة"، وفي شهر يونيو من العام الماضي هددت كوريا الشمالية بأن مدفعيتها تستهدف سبع مجموعات من وسائل الإعلام في كوريا الجنوبية، وهددتها بحرب بلا رحمة، كما أنها اعتادت على نمط من التهديدات المتصاعدة ضد كوريا الجنوبية كلما تولى فيها رئيس جديد الحكم. وفيما لا يرى الكثير من المحللين في هذه الخطابات تهديدا حقيقيا، إلا أن آخرين يحذرون من مغبة الإفراط في التوقعات المتفائلة والفهم الجيد لكوريا الشمالية، لأن لديها عددا من الجبهات الخطيرة. وقال جون ديلوري الأستاذ بجامعة يونسي في كوريا الجنوبية :"إذا تتبعت وسائل الإعلام في كوريا الشمالية فإنك ستلحظ استمرارية في توجيه اللغة العدائية تجاه الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية، وأحيانا اليابان ، ومن الصعب أن تحدد ما الذي يمكن أن تأخذه منها على محمل الجد ولكن عندما تتابع المناسبات عندما يحدث شيء ما مثلما حدث من هجوم بالمدفعية على جزيرة تابعة لكوريا الجنوبية في 2010، فإنك ستجد تحذيرات واضحة". ويهدد الشمال باستمرار بأن التدريبات العسكرية التي أجريت في المنطقة ستستجلب رد فعل انتقامي، حيث يعترف ديلوري بأن عدم القدرة على قراءة نوايا بيونج يانج وعدم التقدير الجيد لقدراتها جعلاً الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية عالقين في مستنقع كوريا الشمالية. وقد جاءت التهديدات الشمالية الأخيرة بشن هجوم نووي محتمل ردا على التدريبات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولاياتالمتحدة، وليس على العقوبات الأمريكية ذاتها. وتقول أندريا برجر من المعهد الملكي المتحد للخدمات بلندن :"في أي وقت تهدد دولة بشن بحرب نووية وقائية، يكون هذا مدعاة للقلق، وكوريا الشمالية ليست استثناءً، مع تغير نبرة خطابها الأخير من التلويح للولايات المتحدة بصواريخها البالستية، إلى التهديد بقدرتها على ضرب أهداف حيوية في قلب أمريكا بصواريخها البالستية". معاهدة سلام ولكن الكثير من الخبراء يعتقدون بأن التهديدات القادمة من كوريا الشمالية تعبير عن رغبتها في إبرام معاهدة سلام مع الولاياتالمتحدة، وتقول برجر "يبدو أن كوريا الشمالية تعتقد أنها لن تؤخذ على محمل الجد في محادثات السلام إلا إذا دخلتها وفي حوزتها قوة عسكرية كبيرة، وهذا يتماشى كثيرا مع النظام التاريخي لبيونج يانج الذي يعتمد على العسكرية في المقام الأول". ولكن أمريكا غالبا ما تكون في موقع الصدارة ، وهو ما يقوله ديلوري :"هناك حالات تحاول فيها التهديدات جذب انتباه البيت الأبيض، الذي يحاول تجاهل كوريا الشمالية، ورسالة بيونج يانج تقول أنتم لا تريدون الحديث معنا، لكننا لن نذهب بعيداً، فسوف نجعلكم تتفقون معنا"، وينظر إلى سلسلة التهديدات الأخيرة من قادة الشمال الكوري على أنها خدعة خاصة وأن القادة هؤلاء يعلمون أن الهجوم النووي سيكون انتحاريا وغير عملي، كما أن المنظومة الصاورخية لكوريا الشمالية ما زالت بدائية. كما أن الكثيرين يشيرون إلى أنه لم يثبت من قبل نجاح كوريا الشمالية في تنفيذ أي معاهدة بشكل صحيح، حيث هددت من قبل بخرق اتفاق الهدنة، وتم رصد مساع من أجل هذا، لكن رد الفعل الغاضب من الشمال جاء بتحريك القوات التقليدية للاشتباك على الحدود مع كوريا الجنوبية سواء على البر أو البحر، وهو ما حدث من قبل. كما أنها أعلنت عن إعادة تشغيل مفاعلها النووي الرئيسي في يونغبيون بما يمكن أن يفتح موردا جديدا للتزود بالبلوتونيوم لبرنامج تسلحها، وعندما تصل المسائل إلى تخصيب اليورانيوم فإنه لا أحد يعلم بالضبط ما هي الخطط السرية الموجودة في جعبتها، كما أنه ليس هناك دليل واضح على أن التفجير الأخير لكوريا الشمالية كان تفجيرا معتمدا على اليورانيوم، ومع ذلك فإن الخبراء يقولون إن الإمكانيات الموجودة في يونغبيون يمكن أن يتم استخدامها لإنتاج أسلحة تعتمد على اليورانيوم. وأظهرت الاختبارات التي أجرتها كوريا الجنوبية على أجزاء لصاروخ أطلق في ديسمبر الماضي أن كوريا الشمالية ستمتلك صواريخ يصل مداها لأكثر من 10 آلاف كيلو متر، مما يضع الولاياتالمتحدة داخل نطاق يمكن توجيه الضربات إليه. ومع ذلك، هناك أدلة قليلة على أن كوريا الشمالية قد توصلت إلى تطوير نظام توجيه يضمن توجيه الضربات الدقيقة، أو إلى التكنولوجيا التي تمكنها من التوصل مجددا إلى صواريخ باليستية عابرة للقارات. وبالتالي يمكن القول بأن قدرة بيونج يانج على تنفيذ ضربة نووية ضد الولاياتالمتحدة ليست مؤكدة بشكل كبير، حيث لا يعتقد المحللون أنها تمكنت حتى الآن من تصنيع جهاز نووي صغير بالحجم الذي يمكنها من وضعه على رأس صواريخ حربية. فكرة مستبعدة وذكر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أن الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية في ديسمبر أثبت أن لديها شيء يمكن أن يضرب السواحل الأمريكية، لكن المعهد أضاف أن أي صواريخ فعالة تحمل رؤوس نووية عابرة للقارات لا تزال فكرة مستبعدة على الأقل لعدة سنوات. وأظهرت كوريا الشمالية أنها مُصرة على الوصول إلى هذه التقنية، وبلغ حجم أحدث اختبار نووي أجرته تحت الأرض ضعف حجم الاختبار السابق الذي أجرته 2009، كما قالت كوريا الشمالية إن اختبارها النووي الذي أجرته في فبراير الماضي قام بتفجير "رأس حربية نووية أخف وزنا وأقل حجماً، لكنها ذات شحنة تفجيرية كبيرة". ولكن في الوقت الذي تسعى فيه كوريا الشمالية لضرب الولاياتالمتحدة، يمكنها أيضاً أن تستهدف المصالح الأمريكية في المنطقة، فهناك أكثر من 28 ألف من الجنود الأمريكيين في كوريا الجنوبية، و40 ألف آخرين في اليابان، وهناك أيضاً قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة في جزيرة غوام القريبة من الفلبين. وتلتزم الولاياتالمتحدة أيضا بالدفاع عن اليابان إذا تعرضت لهجوم، وفقاً لشروط التحالف الأمني بين الولاياتالمتحدةواليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وتقول الولاياتالمتحدة إنها قادرة على صد أي هجوم عليها أو على حلفائها إذا ما أطلق أي صاروخ من جانب كوريا الشمالية. جدير بالذكر أن السفينة الحربية الأمريكية الوحيدة التي تحتجز من قبل قوة أجنبية توجد الآن في بوينج يانج، فقد احتجزت كوريا الشمالية هذه السفينة التي يطلق عليها اسم USS Pueblo خلال مهمة استطلاع لها 1968 وهي في المياه الدولية، ولم يكن أحد يتوقع أن بيونج يانج قد تقوم باحتجازها، كما لم يكن طاقم السفينة مستعد لذلك، وقد توفي أحد أفراد هذا الطاقم، وتم اقتياد 82 أمريكي آخرين إلى معسكرات اعتقال في كوريا الشمالية، حيث تم احتجازهم لمدة 11 شهرا بتهمة التجسس، ثم تم الإفراج عنهم بعد أن قدمت الولاياتالمتحدة اعتذاراً، وأكدت أن السفينة لم تكن في مهمة تجسس، ثم تراجعت أمريكا بعد ذلك عن تلك التصريحات في وقت لاحق. الشمس المشرقة ومنذ انتهاء الحرب الكورية، أظهرت بيونج يانج مراراً قدرتها على ضرب جيرانها والمصالح الأجنبية الأخرى في المنطقة، ويكون ذلك غالباً رداً على ما تراه استفزازاً لها، ففي 1967، هاجمت وأغرقت سفينة لكوريا الجنوبية خلال قيامها بدورية في البحر الأصفر، مما أسفر عن مقتل 39 من طاقمها، وقد أعقب ذلك فترة من الهدوء النسبي، على الرغم من استمرار الحديث عن الحرب، ثم واصلت كوريا الجنوبية ما يعرف ب "سياسة الشمس المشرقة" والتي تشير إلى محاولة لبناء علاقات وثيقة وتخفيف حدة التوتر، بين 1998 و 2008. وفي مارس عام 2010 ، تعرضت سفينة تشيونان الكورية الجنوبية التي كانت تبحر بالقرب من المنطقة البحرية المتنازع عليها بين البلدين لتفجير أدى إلى انقسامها لنصفين ومقتل 46 من البحارة على متنها، وقالت كوريا الجنوبية إن التفسير المنطقي لذلك الحادث هو أن السفينة استهدفت بقذيفة من قبل القوات البحرية لكوريا الشمالية، لكن بيونج يانج نفت ذلك. وفي نوفمبر من نفس العام، قصفت القوات الكورية الشمالية بالمدفعية جزيرة يونبيونج الكورية الجنوبية، التي أدت إلى مقتل اثنين من قوات مشاة البحرية التابعة لكوريا الجنوبية، واثنين آخرين من المدنيين، وقالت بيونج يانج :"إن الاشتباكات بدأت باستفزاز من القوات التابعة لكوريا الجنوبية التي كانت تجري تدريبات عسكرية بالقرب من الجزيرة". وتمتلك كوريا الشمالية جيشاً تقليدياً يضم أكثر من مليون جندي، لكن يعتقد أن أسلحته تعود إلى فترة الاتحاد السوفيتي وتعد أسلحة متخلفة، لكنها لا تزال تمتلك كمية هائلة من قطع المدفعية تنشرها بطول المنطقة المتنازع عليها والتي تعد منطقة منزوعة السلاح، كما تقع العاصمة الكورية الجنوبية سول في مرمى هذه الأسلحة. وذكر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية للتوازن العسكري، أن ما يقرب من 65% من الوحدات العسكرية لكوريا الشمالية، وأكثر من 80% من قدرتها العسكرية على إطلاق الصواريخ تنتشر في نطاق 100 كيلو متر من هذه المنطقة منزوعة السلاح.