الرى: عمل التدابير اللازمة لضمان استقرار مناسيب المياه بترعة النوبارية    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    ذبح 131 رأس ماشية لتوزيع لحومها على عمال النظافة بقنا    «هنية»: رد حماس توافق مع مقترح بايدن للتهدئة في قطاع غزة    الصحف العالمية.. المستشار الألمانى يرجح فوز بايدن فى انتخابات الرئاسة الأمريكية.. حزب العمال البريطانى يكثف جهوده بمناطق يخشى خسارة أصوات المسلمين فيها.. والأمير ويليام يهنئ الملك تشارلز بعيد الأب    القوات الروسية تحرر بلدة «زاجورنويه» في مقاطعة زابوروجيه    يورو 2024| ديباي يقود هجوم هولندا ضد بولندا    شاهد.. محمد مجدى أفشة نجم الأهلى مع نجله ب"جلابية العيد"    مراكز الشباب تستقبل المواطنين احتفالاً بعيد الأضحى المبارك    مانشستر يونايتد يقترب من حسم مستقبل نجمه المعار    وصفه ب«العشوائية».. الوداد يعترض على الترتيب النهائي للدوري المغربي    الطقس غدا.. انخفاض بدرجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 37 درجة    وفاة 14 حاجًا أردنيًا وفقدان 17 آخرين    سقط من الطابق الثالث.. إصابة طفل بالدقهلية بإصابات خطيرة    ضبط 70 مخالفة تموينية متنوعة فى حملات على المخابز والأسواق بالدقهلية    بعد صفعة عمرو دياب لمعجب.. «الهضبة» يتسبب في إغلاق الشوارع بيروت (صور)    المطرب العراقي ماجد المهندس يقدم أغنية "لو زعلان" بفيلم جوازة توكسيك    قصور الثقافة تنشر البهجة في احتفالات عيد الأضحى    صفوة وحرافيش    أنغام تلتقي الجمهور الكويتي ثاني أيام عيد الأضحى    مجازاة رئيس مراقبة الأغذية بالإدارة الصحية بالحسينية    تكليف فريق بصحة قنا للمرورعلى الوحدات الصحية بمراكز قنا    طريقة حفظ لحوم الأضاحي وتجنب تلفها    مشايخ القبائل والعواقل والفلسطينيين يهنئون محافظ شمال سيناء بعيد الأضحى المبارك    وفاة سيدة مصرية أثناء أداء مناسك الحج    الكرملين: بوتين لا يستبعد إجراء محادثات مع أوكرانيا بشرط توافر ضمانات    «التخطيط»: تنفيذ 361 مشروعا تنمويا في الغربية بتكلفة 3.6 مليار جنيه    3 فئات ممنوعة من تناول الكبدة في عيد الأضحى.. تحذير خطير لمرضى القلب    قوات الاحتلال تعتقل 3 مواطنين جنوب بيت لحم بالضفة الغربية    ريهام سعيد: «محمد هنيدي اتقدملي ووالدتي رفضته لهذا السبب»    إيرادات Inside Out 2 ترتفع إلى 133 مليون دولار في دور العرض    أدعية وأذكار عيد الأضحى 2024.. تكبير وتهنئة    مصدر من اتحاد السلة يكشف ل في الجول حقيقة تغيير نظام الدوري.. وعقوبة سيف سمير    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    الأهلي يتفق مع ميتلاند الدنماركي على تسديد مستحقات و"رعاية" إمام عاشور    كرة سلة.. قائمة منتخب مصر في التصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس 2024    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    النمر: ذبح 35 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى بأشمون    بالصور.. اصطفاف الأطفال والكبار أمام محلات الجزارة لشراء اللحوم ومشاهدة الأضحية    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    ارتفاع تأخيرات القطارات على معظم الخطوط في أول أيام عيد الأضحى    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    التونسيون يحتفلون ب "العيد الكبير" وسط موروثات شعبية تتوارثها الأجيال    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    إعلام فلسطينى: 5 شهداء جراء قصف إسرائيلى استهدف مخيم فى رفح الفلسطينية    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد بدر.. صور    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    لإنقاذ فرنسا، هولاند "يفاجئ" الرأي العام بترشحه للانتخابات البرلمانية في سابقة تاريخية    الأرصاد: درجات الحرارة على محافظات الصعيد أول أيام العيد تصل إلى 48    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيفا ليست قرطبة
نشر في الشعب يوم 04 - 06 - 2013

معه حق أن يكتب الفلسطينى فى البدهيات، فقضيته شديدة الوضوح، رغم أنها الأكثر تعقيدا من بين القضايا التى شغلت هذا العالم طيلة القرن العشرين، والعقدين الأول، والثانى الذى لم يكتمل بعد، والعقود القادمة التى لا نعرف إلى متى تمتد من القرن الحادى والعشرين.
حيفا المدينة العريقة..فعلا ليست قرطبة، لأن قرطبة مدينة أندلسية ارتبطت شهرتها بالعرب الذين عمروها قرونا، وأنشأوا فيها مدنية، ثمّ دالت دولهم فى كل مدن الأندلس، وخرجوا منها مقهورين مطرودين، مخلفين وراءهم القصور والعمران والغناء الأندلسى والموشحات والحقول الخضراء، وأيضا وقائع اقتتالهم، وصراعاتهم من (المرابطين) إلى (الموحدين) إلى..غربتهم الجديدة فى مسقط الرأس: بلاد المغرب العربى الكبير.
حيفا لن تضيع، ولن تنسى ولن تتحول إلى ذكرى وغناء حزين وشعر ينوح على الأزمنة التى حين تكتمل تبدأ بالنقصان..وهذا حال كل شىء فى هذه الدنيا، والحضارات وأزمنة الازدهار التى لا تدوم مهما امتدت.
هذا الكتاب باهر الجمال (!)، العميق والجارح، من تأليف الدكتور شوقى قسيس، الفلسطينى من بلدة (الرامة)، حامل الجنسية الأمريكية، والمقيم فى تلك البلاد، والذى لا ينسى مسقط رأسه وأهله وزيتونه وحقوله وأعراس ناسه وأساتذته الذين أثروا حبه للغته العربية، فيعيد بوفاء وبراعة كل ما نشأت به وعليه بلاد الجليل الفلسطينى، وفى القلب مسقط الرأس.. محزونا متفجعا ناقدا بسخط وسخرية أحوال أهله التى لا تعجبه، والتى تقلقه وتدفعه إلى دب الصوت محذرا من التشوّه الاجتماعى، وإهمال العلاقة بالأرض، وضمور العادات الجميلة النبيلة، والجهل (بالعربية) التى لفرط تعلقه بها. دفعته هو العالم البيولوجى إلى أن يتقنها نحوا وصرفا وبلاغة وعروضا وتبحرا فى شعر العرب القدامى والمعاصرين، إلى حد لا يجاريه فيه كثير من الأدباء والكتّاب المحترفين.
فى المقدمة يكتب شوقى قسيس ما يلى، منبها إلى (صنف) كتابه، مخاطبا القارئ: ما بين يديك ليس حكاية، أو رواية بمعناها الكلاسيكى، وهو ليس مذكرات أو يوميات أو سيرة ذاتية متكاملة، وهو أيضا ليس بحثا سياسيا، أو دراسة اجتماعية بحسب الدلالة العلمية للكلمتين. قد يكون فيه شىء من كل ما ذكرت، أو قد ينطوى على ما فى الأنواع الكتابية جميعا بوصفه تسجيلا لها على الجملة.
لو لم ينبهنا الدكتور شوقى فى مقدمته إلى هذا لانتبهنا إلى رحابة هذا الكتاب، فهو ليس سيرة لعالم بيولوجى فلسطينى ناجح، هو شوقى قسيس، يروى سيرته متباهيا متشوفا بما بلغه فى مدارج العلم والنجاح والتألق فى أمريكا، ولذا لا بأس بتحوط الكاتب صاحب الكتاب الأول هذا فى مسيرته الكتابية، الذى أصابنى بالدهشة لسعة ثقافته العربية، شعرا ونثرا وتبحره بتراث أسلافه وحرصه على الجميل الذى أبقوه لنا، وتعلقه وحرصه على لغتنا العربية، وبراعته فى التعامل مع قواعد اللغة وكأنه «بروفسور» فى النحو والعروض العربى، لا فى البيولوجيا..وهو ما يدفعنا إلى القول: لا عجب ممن تتلمذ على الأستاذ والشاعرحارس اللغة العربية «شكيب جهشان» الذى اختصه (شوقى) بفصل ولا أجمل فصاحة ووفاء وطرافة واستذكارا وتجسيدا لشخصية معلمه، وكأنه حى يرزق يتمشى أمامنا مرددا أشعاره، ومعلما يحرص على بناء عقول تلامذته، وتنشئتهم عربا أقحاحا.
ولد كاتب هذا الكتاب الجامع الشامل لحياة أهلنا فى فلسطين بعد نكبة 1948، فى بلدة الرامة الجليلية التى تضم عربا مسيحيين ودروزا، صهرتهم النكبة، ووحدتهم همومهم الوطنية، فصانوا خصوصيتهم، وتحدوا الاحتلال، وخاضوا، ولا يزالون يخوضون يوميا معركة صون هويتهم العربية، وواجهوا كل محاولات مسخ هويتهم التى يدبرها الاحتلال الصهيونى، والتى ينبه لها ويحذر منها شوقى قسيس، خاصة وهو يرى تسرب عادات وسلوكيات مقلقة تتفشى فى مجتمعه العربى الفلسطينى!
صاحب هذا الكتاب السفر أستاذ وباحث فى علوم الأحياء والعلوم الطبية، تألق فى أمريكا، وهو يعيش حياته متقاعدا بعد رحلته الطويلة المثمرة والمتميزة.
هو من مواليد 1947، فهو أكبر عمرا من دولة الاحتلال بسنة، وهو يؤكد لنا فى كل كلمة من كلمات كتابه أنه سيعيش فى وطنه فلسطين العربية بعد اندثار دولة الظلم والتزوير والاحتلال، ليروى المزيد للأجيال العربية القادمة.
هو مولع باللغة العربية، وهو يخبرنا فى آخر كتابه بأنه بصدد التحضير لكتاب بعنوان: مشروع اقتراحات لتغيير طرق تدريس اللغة العربية.. ليعرفها الطالب، لا ليعرف عنها. وهو إلى ذلك محاضر نشيط، فالتقاعد لم يقعده فى البيت، فهو صاحب قضية، وحامل رسالة.
يصدر الدكتور شوقى لكتابه ببيت للمتنبى:
«ولكن الفتى العربى فيها *** غريب الوجه واليد واللسان»
فهو غريب فى بلده، وبلده يشوّه وتغيّر ملامح وجهه وقسماته وسمات مدنه، وهو فى مواجهة ما يحدث يكتب (...).. والكتاب حامل رسالة، والكاتب يخوض معركة، حتى وهو بعيد جسدا عن وطنه الذى يزوره باستمرار، وينتقد كل التشوهات التى تلحق به، بأيدى أبنائه وأهله جميعا.
لم أقرأ من قبل عن (الزيتون) ومواسم القطاف.
ولم أقرأ عن التشوهات الاجتماعية كما فى هذا الكتاب الشجاع الصريح الذى يرصد تبدل القيم، ويرى الأخطار المحدقة بالنسيج الوطنى والاجتماعى الفلسطينى، داعيا إلى مجابهة هذه التشوهات، وإلى التشبث بكل ما هو أصيل وكريم فى حياة شعبنا، وهو ما درجت عليه الأجيال قبلنا.
هذا كتاب مقاوم لا يجامل، كتبه مؤلفه بمبضع جرّاح، وبتعمق وجدية ومصداقية عالم يمحص، يتتبع أسباب الأمراض، وأصل الداء، ولا يكتفى، بل يضع بدقة (وصفة) علمية للعلاج، فهو يحب شعبه، ويعشق وطنه، ولكنه لا يكتفى بالتغنى الرومنسى بالبلد والأهل، فالأمراض التى ينشرها الاحتلال فتّاكة، والتخلص منها لا يكون بغير المعرفة، والمعرفة علم وتخطيط، ونقد ونقض، والكتاب دليل مقاومة للأمراض التى تعيق حيوية ووعى شعبنا.
رسالة الكتاب الذى صدر فى حيفا عن منشورات مكتبة (كل شىء) فى العام 2012، ولكل كتاب رسالة: حتى لا يكون مصير حيفا هو مصير قرطبة، لا بد من التخلص من الأمراض التى يزرعها الاحتلال فى الجسد والروح، وحيفا ستبقى فلسطينية عربية لأنها ليست قرطبة،لأن شعبها فيه أمثال شوقى قسيس، ممن يوظفون علمهم ونجاحهم ومعرفتهم وثقافتهم ومواهبهم..فى خدمة هدف معركة تحرير حيفا التى أبدا لن تكون (قرطبة)، وفلسطين التى أبدا لن تكون الأندلس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.