لا بد من رعايةِ سورية وقوى المقاومة كلها لمؤتمر شعبيّ عربيّ موازٍ
يشكل مؤتمر أنابوليس التتمة الطبيعية لمشروع إعادة إحياء مبادرة السلام العربية الذي جاء أدنى سقفاً من المبادرة العربية نفسها من خلال إلحاقه ب«آلية تنفيذ» تقوم على إقامة أوسع الاتصالات مع «حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً لقبول المبادرة العربية». وقد فتح هذا عملياً أوسع أبواب التطبيع مع العدو الصهيوني بدون تقديم «إسرائيل» لأية تنازلات، وصار كل لقاء وتطبيع يتم تحت غطاء تسويق المبادرة العربية!!
وانسجم هذا التوجه الرسمي العربي الجديد مع إصرار تسيبي ليفني، رداً على المبادرة العربية بأن يكون التطبيع مجانياً ومسبقاً، وانسجم مع سعي الإدارة الأمريكية لإقامة حلف «معتدلين عرب» مع الكيان الصهيوني في مواجهة حلف سوريا وإيران وحماس وحزب الله.
وتوالت اللقاءات وتعززت علاقات الطرف الأمريكي-الصهيوني بالسلطة الفلسطينية وبالنظام الأردني بالأخص، ثم مع النظام المصري ثم السعودي بدرجة أقل قليلاً ثم كثيراً، بمقدار ما ازداد الحصار الميداني لغزة والحصار السياسي لسوريا وللسودان، أي بمقدار ما تقدم المشروع السياسي الأمريكي-الصهيوني على الأرض.
ويتفق معظم الذين حللوا مؤتمر أنابوليس بأنه جاء ليخدم أهدافا داخلية خاصة ببوش في الولاياتالمتحدة وأولمرت في الكيان الصهيوني، وأنه بالإضافة إلى ذلك إعادة تفعيل لورقة «العملية السلمية» والعناية بالقضية الفلسطينية كمحاولة لاستعادة بعض من مصداقية الإدارة الأمريكية في الشارع العربي بسبب كل ما تفعله وفعلته في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وبالأخص في العراق ولبنان وفلسطين والسودان.
ولكن من الناحية الجغرافية السياسية، فإن المؤتمر جاء لإعلان حلف لمحاصرة سورية وغزة والمقاومة العراقية واللبنانية بالأخص، وهو يشكل التتمة المنطقية لمشروع تقسيم العراق وإثارة الحروب الأهلية فيه، وعمليات الاغتيال المحسوبة في لبنان لتصعد من الاحتقان الطائفي. وهو من الناحية الرسمية التتمة السياسية للمحكمة الدولية التي تستهدف القيادة السورية والمقاومة اللبنانية.
فالمؤتمر ليس منقطع الجذور بل هو جزء من تاريخ معاصر، ومن مشروع أمريكي-صهيوني راهن، وأهدافه تتجاوز فلسطين إلى عموم الإقليم. والمقاومة العراقية بالذات هي الغائب الحاضر في المؤتمر بما تمثله من إعاقة حقيقية للمشروع المعادي في الإقليم ومن حماية لسوريا ولبنان وغيرهما.
فلسطينياً؛ تجاوزت حماس الخطوط الحمر الأمريكية-الصهيونية عندما هشمت الأدوات الأمنية-الصهيونية في غزة، في سعيها لحماية نفسها من خطة دايتون، وعندما شطبت شرعية سلطة عميلة لا تختلف قط عن سلطة لحد في جنوب لبنان أو عن الحكومة العراقية في ظل الاحتلال. وعلى قيادة حماس أن تفهم جيداً أن ما قامت به من حسم ضروري ومتأخر تجاه المتعاونين أمنياً وسياسياً مع العدو الصهيوني في الضفة وغزة، ليس مجرد خلاف عابر أو سوء فهم يمكن حله ودياً، بل هو يطرح عند الطرف الأمريكي-الصهيوني ضرورة تفكيك كتائب القسام عسكرياً وتفكيك حماس سياسياً بالموافقة على شروط الرباعية مما يفقدها رصيدها، حتى لو تراجعت عما فعلته في غزة مثلاً، لكي لا تتمكن من شل المشروع المعادي في فلسطين من جديد في المستقبل.
وحتى الآن، جاء الرد على مؤتمر أنابوليس أساساً من خلال المؤتمر الوطني الفلسطيني المفترض عقده في دمشق في 7/11/.2007 وقد جاء سقف هذا المؤتمر ولغته مميعين إلى أقصى حدود مما يوحي بأن القوى والشخصيات القائمة عليه لا تدرك مدى خطورة الموقف والمؤامرة عليها وعلى كل نهج المقاومة في الساحة العربية برمتها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المؤتمر الوطني الفلسطيني، حتى لو لم يكن مميعاً أو منخفض السقف، فإنه يتجاوز أهم مسألة في مؤتمر أنابوليس وهي أن أهدافه إقليمية لا فلسطينية. فليس مطروحاً إعطاء شيء للفلسطينيين أصلاً، والمستهدف هو الأمة العربية ونهج المقاومة من العراق إلى الصومال. ولذلك، فإن الرد الطبيعي على مؤتمر أنابوليس يفترض أن يكون مؤتمراً شعبياً عربياً ترعاه سورية وقوى المقاومة العراقية والفلسطينية واللبنانية، نجند أنفسنا جميعاً لإنجاحه.
وليست أهداف مؤتمر أنابوليس إقليمية فحسب، بل تشارك الأنظمة العربية فيه بفاعلية، حتى لو لم نعرف بعد هوية كل الأنظمة المشاركة فيه، أما السلطة الفلسطينية فليست أكثر من ورقة تين متعفنة سياسياً. ولذلك، من الطبيعي أن يكون الرد على مؤتمر أنابوليس من كل شرفاء الأمة وقواها الحية، وليس فقط من الفلسطينيين، ومن المفترض أن تتداعى (وتدعى) كل الشخصيات الوطنية والقومية والإسلامية العربية لمواجهة هذه المؤامرة، وأن يتحمل الجميع مسؤوليته على هذا الصعيد، لأن المؤامرة على الجميع، وليس على الفلسطينيين وحدهم.