الخسارة أكثر ضررا من كسب المشاعر الطيبة.تنطبق هذه الحكمة البسيطة بقوة موازية على كل مجالات التفاعلات البشرية:الرياضة والاموال والحب والحرب. الهزيمة في الحرب تدمر المجتمعات بشكل أكبر مما يمكن أن يصل إليه الاستنتاج المنطقي للحجم الذي يمكن أن تكون عليه الخسارة.فقد استوعبت الولاياتالمتحدة الخسارة في فيتنام بسهولة تامة على الورق على سبيل المثال غير ان الاثار المجتمعية للهزيمة لازالت مستمرة حتى يومنا هذا.وكانت الهزيمة في افغانستان عنصرا مساهما في المأزق السوفيتي في الثمانينات وعنصرا في سياسة إعادة البناء والمكاشفة وفي النهاية في تفكك الاتحاد السوفيتي.ويمكن أن يكون للهزائم عواقب غير مقصودة ومن المتعذر تبريرها بشكل واضح. كما يمكن أن يخبرك أي مشجع رياضي فإن الشيء الوحيد الذي يتم الإحساس به بشكل أكبر من الخسارة هو الفوضى.حيث تتطلب الفوضى تفسيرا وتتطلب معاقبة الأطراف المسئولة. وتبدو نهاية اللعبة واضحة الآن في العراق في الايجاز إن لم يكن في التفصيل ويبدو أن ما تفضله بشكل كبير الولاياتالمتحدة هو الفوضى.فمع فقدان التأييد للحرب يمكن توجيهها إلى الأفضل حيث لا يوجد مثالا لديمقراطية حديثة غيرت تفكيرها عندما صارت ضد الحرب.ومن ثم فإن علينا أن نشرع في التفكير في مدلول خسارة الحرب. من المحتمل أن تكون العواقب على العقل الجماعي القومي كبيرة جدا ويمكن أن تلقي بالسياسة الأميركية في غياهب الاتهامات المضادة المريرة التي لم ير مثلها على مدى جيل.ويمكن أن تكون الاسفين الذي يمكن لرجال السياسة ان يستغلوه لصالحهم ليثبتوا مرة اخرى ان السياسة هي العدو الابدي للاستراتيجية.لقد قسمت متلازمة فيتنام هذه البلد لعقود ولن تكون متلازمة العراق مختلفة. فقد اندلعت المعركة من أجل التأويل والتبرير مع الإشارة بأصابع الاتهام في كل الاتجاهات في كتابة المذكرات المتسرعة.فمؤيدو الحرب يتشبثون بموقفهم بشكل واضح تماما وهو أن غزو العراق كان سليما من الناحية الاستراتيجية لكنه معيبا من الناحية العملية.وان القرارات الرئيسية بشأن مستوى القوات واجتثاث البعثيين وتسريح الجيش العراقي وما شابه قضى على ما كان يمكن ان يجعل هذه الحرب محل فخر. مع ذلك يبدو أن الشعب الأميركي يدرك وبالتأكيد سوف يجمع المؤرخون أن هذه الحرب في ذاتها كانت خطأ كارثيا.فقد كانت استراتيجية خاطئة تماما ولم يكن الامر منصبا على سوء التنفيذ.حيث كانت إدارة بوش تعمل في إطار وهم سياسي دولي, وهم يكذبه بشكل كبير كل تفجير سيارة مفخخة في ساحة سوق بغداد المزدحمة وكل طبيب عراقي يشحن عائلته ويفر من بلده. السؤال الوحيد المهم الذي لايزال قائما هو ما إذا كان العراق سوف يتحول ليكون أكبر خطأ استراتيجي في تاريخ الولاياتالمتحدة ام لا.بالطبع حرب فيتنام كانت كارثة أخلاقية كبيرة جدا وأسفرت عن كم هائل من القتل والدمار.غير أنه وكما توقع منتقدو الحرب تماما في الستينات تحولت فيتنام لتصبح غير ذات صلة من الناحية الاستراتيجية.فقد سقطت سايغون لكن لم يتبعها تساقط بقية الدومينو ولم يتغير توازن قوة الحرب الباردة. لدى العراق مقومات أن يكون أسوأ حالا.فأحد مشاهد الحالة الأسوأ التي غالبا ما يتم التعبير عنها بالنسبة للعراق-تكرار للبنان في الثمانينات-ربما لم يعد بعيد الحدوث.فالحرب الأهلية المسعورة في لبنان حرقت نفسها في النهاية وخلفت دولة متماسكة وإن كانت ضعيفة على انقاضها.ويمكن للعراق أن يصبح في وقت قريب أشبه كثيرا بالصومال في التسعينات أي دولة منهارة تماما بدون سيطرة ولايحكم فيها قانون وفاشلة تثير عدم الاستقرار في أكثر منطقة حيوية في العالم. المأمول فيه عند نقطة ما خلال تبادل الاتهامات الاتي ان ينتهز الشعب الاميركي الفرصة ليسال نفسه مجموعة من الاسئلة الاساسية بشان دور وهدف القوة الاميركية في العالم.ما هو حجم النفوذ الذي يمكن ان يكون للولايات المتحدة في الشرق الاوسط؟ وهل نفطه يستحق الدم والمال الاميركيين؟هل نحن الان اكثر امنا في الوقت الذي يحترق فيه العراق؟هل يمكن لنا الا نكون احسن لو تركنا المنطقة لحالها؟ ربما عند نقطة ما يمكن ان ندرك ان الولاياتالمتحدة يمكن ان تتحمل ان تكون اكثر تقيدا في مغامرات سياستها الخارجية.لو كان ابائنا المؤسسين موجودون الان بالتاكيد فانهم كانوا سينظرون الى العراق بفزع ويقررون ان الدولة التي انشاوها قد ضلت طريقها بشكل كبير.لكن لو حملت الحرب في العراق الولاياتالمتحدة على العودة الى استراتيجيتها الكبرى التقليدية المقيدة عندئذ ربما تكون الخبرة الكلية التي اجتازناها لم تذهب سدى. باية حال فان متلازمة العراق قادمة.وعلينا ان نستعد للانقسام والنقد اللاذع وعدم الثقة بالنفس والاتهامات المتبادلة التي ستكون اعراضها.وسوف يكون ذلك هو الارث الواضح لادارة بوش وهدية المحافظين الجدد لاميركا.
*استاذ مساعد شئون الأمن القومي في كلية الحرب البحرية الأميركية. واشنطن بوست عن الوطن