ما يجري حاليا من توترات وصدامات في مخيم نهر البارد في شمال لبنان، وقطاع غزةجنوبفلسطين، علاوة علي العراق وافغانستان، انعكاس، او بالاحري، مقدمات لصيف ملتهب ينتظر المنطقة بأسرها، ربما تكون ذروته حربا امريكية ايرانية. واللافت ان هذا التصعيد يأتي بعد عشرة ايام من الجولة التي قام بها ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي وشملت عواصم دول اللجنة الرباعية العربية، مصر والسعودية والاردن والامارات، الي جانب العراق، اعلن خلالها ومن علي ظهر حاملة طائرات امريكية في منطقة الخليج ان الخيار العسكري غير مستبعد للتعامل مع ازمة البرنامج النووي الايراني. تشيني ابلغ المسؤولين العرب الذين التقاهم في العواصم العربية، ومعظمهم من وزراء الدفاع وقادة القوات المسلحة، ان تورط قوات بلاده في حرب استنزاف في العراق لا يعني انها غير قادرة علي فتح جبهة جديدة ضد ايران، بل وذهب الي ما هو ابعد من ذلك عندما اكد ان هجوما علي ايران ربما يشكل مخرجا لبلاده من الأزمة العراقية برمتها، لان النفوذ الايراني في العراق هو مصدر كل المتاعب، حسب وجهة نظره. الاستعدادات للمواجهة العسكرية تسير بسرعة قصوي، في تزامن مع حملة تمهيد دبلوماسية لتهيئة الرأي العام الغربي والامريكي علي وجه الخصوص، وتعبئته خلف اي قرار يتخذ لقصف البني التحتية الايرانية، وارتفاع اسعار النفط نتيجة لذلك. ويمكن رصد مجموعة من المؤشرات تصب في احتمال حدوث هذه المواجهة، وفي وقت اقرب مما يتصوره الكثيرون: اولا: دخول تسع سفن حربية امريكية منطقة الخليج عبر مضيق هرمز الاستراتيجي وانضمامها الي حاملتي طائرات اخريين استعدادا لاجراء مناورات بحرية مكثفة تحت عنوان طمأنة الحلفاء الاقليميين (الخليجيين) بشأن الالتزام الامريكي حيال امن الخليج. هذه السفن تقل علي ظهرها 17 الف جندي، واكثر من 140 طائرة مقاتلة. ثانيا: اعلان وكالة الطاقة الذرية امس ان ايران لا تزال تتجاهل مطالب الاممالمتحدة بشأن وقف عمليات تخصيب اليورانيوم، وتفرض عقبات تحول دون قيام المفتشين الدوليين التابعين للوكالة بأداء مهامهم في مراقبة المفاعلات النووية الايرانية علي الوجه الاكمل. ثالثا: تأكيد نيكولاس بيرنز وكيل وزارة الخارجية الامريكي علي ان القوي العالمية تصر علي وقف ايران جميع انشطتها لتخصيب اليورانيوم، وسترفض التسوية التي قدمها الدكتور محمد البرادعي بالسماح لايران بتخصيب كميات قليلة فقط، وهي تأكيدات تعيد الي الاذهان ما قاله تشيني للصحافيين من علي متن حاملة الطائرات الامريكية جون. سي. ستنيس المرابطة في الخليج، من ان بلاده لن تسمح لايران مطلقا بتخصيب اليورانيوم. رابعا: موافقة الرئيس جورج بوش الابن علي خطة عمليات سرية وضعتها وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي. آي. ايه) لزعزعة النظام الايراني تتضمن تمويل حملات دعائية وجماعات عرقية وطائفية ايرانية انفصالية مثل السنة والبلوش والاكراد والعرب والاذربيجانيين والطاجيك الذين يشكلون حوالي خمسين في المئة من مجموع الشعب الايراني. خامسا: تسريب الادارة الامريكية لتقارير تفيد بقيام السلطة الايرانية بدعم عمليات تنظيم القاعدة ضد القوات الامريكية في العراق، وحركة طالبان في افغانستان. سادسا: انضمام نيكولا ساركوزي الي الولاياتالمتحدة في معارضتها للبرنامج النووي الايراني، وتهديده العلني والصريح بالقول بان مفهوم ايران المسلحة نوويا غير مقبول ولذلك يجب عدم التردد في تشديد العقوبات عليها لمنع سباق نووي في المنطقة مثلما جاء في تصريحات ادلي بها لمجلة المانية نشرتها امس. سابعا: ارسال الولاياتالمتحدة بطاريات صواريخ باتريوت الي الدولة العبرية لحمايتها من اي صواريخ ايرانية قد تستهدفها، وتأكيد تشيني لقادة دول الخليج بان مفاعل بوشهر الايراني الواقع علي الساحل الشرقي للخليج لن يقصف من قبل الولاياتالمتحدة بسبب وجود الخبراء الروس اولا، ولعدم اهميته ثانيا، وطمأنتهم بان عمليات تخصيب اليورانيوم لا تتم فيه، وانما في مفاعلات في وسط ايران وتحت الارض، ولذلك لا خوف من حدوث تلوث اشعاعي لمياه الخليج التي توفر حوالي تسعين في المئة من احتياجات دول المنطقة من المياه العذبة من خلال محطات التحلية. ثامنا: الارتفاع الملحوظ في اسعار النفط وتجاوزها يوم امس حاجز السبعين دولارا النفسي، وكذلك ارتفاع اسعار الذهب وتراجع اسهم البورصات الخليجية بشكل مضطرد. تاسعا: تراجع الكونغرس عن قراره بتحديد مهلة للانسحاب الامريكي من العراق بشكل مفاجئ، مما يوحي بتفاهم ما مع ادارة الرئيس بوش حول خطط سرية جديدة بشأن العراق وايران. واذا تأملنا هذه المؤشرات نجد انها تماثل نظيراتها، والخطوات التي اقدمت عليها الولاياتالمتحدة قبل تدمير العراق في حرب عام 1991، وغزوه واحتلاله عام 2003. وربما يجادل البعض بان كل هذه الضغوط الامريكية تهدف الي تخويف ايران، وبما يؤدي في النهاية الي صفقة امريكية ايرانية تسلم العراق والمنطقة بأسرها للنفوذ الايراني مقابل انسحاب امريكي مشرف من العراق. ويستند هؤلاء الي نظرية تقول ان ايران تصعد في مواقفها لدفع الامور الي حافة الهاوية وبما يؤدي الي رضوخ امريكي لشروطها. ومن الصعب الجزم بصحة وجهة النظر هذه، وان كان من الجائز عدم استبعادها، ولكن لا بد من التذكير بان معظم العمليات الهجومية التي استهدفت قوات الاحتلال الامريكي والقوي العراقية المتعاملة معه جاءت من قبل جماعات مقاومة معادية لايران، والادارة الامريكية تدرك هذه الحقيقة جيدا، ولذلك من الصعب تسليم امريكا العراق لايران وهي لا تسيطر عليه. فمن افشل حكم انصار ايران للعراق هم مزيج من المقاومة الاسلامية السنية الي جانب فصائل تابعة للنظام العراقي السابق. تشيني طلب من المسؤولين العرب الذين التقاهم في جولته الاخيرة مساعدة الولاياتالمتحدة علي فتح حوار مع جماعات المقاومة هذه، ومحاولة كسبها الي جانب بلاده في حال اقدامها علي مواجهة مع ايران، ووصل الامر الي مناقشة رد الفعل الانتقامي لهذه الجماعات السنية تجاه الطائفة الشيعية في حال البدء في قصف ايران. افتعال الحرب في مخيم نهر البارد قد يكون بهدف التغطية علي الخطط الامريكية لتسليح الجيش اللبناني بأسلحة حديثة لا للتصدي لجماعة فتح الاسلام وهي مجموعة لا يزيد تعدادها عن مئتي مسلح، وانما لتصفية حزب الله لمنع اقدامه علي اي رد فعل انتقامي من اسرائيل في حال حدوث اي هجوم علي ايران. وليس صدفة ان الاعلان عن تسليح الجيش اللبناني باسلحة امريكية حديثة يتزامن مع خطة امريكية لتعزيز حرس الرئاسة الفلسطيني لتصفية حركة حماس من خلال دعمه بالمال والسلاح. ما نريد قوله ان التصعيد باتجاه الحرب الكبري، وربما الاخيرة في المنطقة يسير علي قدم وساق، ولن يكون مفاجئا اذا ما افقنا في اي يوم من الايام المقبلة علي انباء القصف السجادي لايران بمختلف انواع الاسلحة والقنابل والصواريخ من البحر والجو، لاستعادة هيبة الولاياتالمتحدة، وانقاذ ماء وجهها المهدور في العراق. فاذا كان الجيش اللبناني يريد استرداد كرامته المهدورة في نهر البارد، فما بالك بالقوة الاعظم في التاريخ؟