إن سقوط أبو الفتوح هو مقدمة لسقوط التيار الإسلامي بعدما أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية مدى انقسام التيار الإسلامي ، والمتأمل للمشهد يجد صعوبة لتحليل الصورة كاملة لأنه لم يكن من المتوقع أن يصل "شفيق" للمركز الثاني مخالفاً كل توقعات المحللين السياسيين سواء كانوا مصريين أو أجانب مهتمين بالشأن المصري ، وكذلك وصول "حمدين صباحي" للمركز الثالث مخالفاً أيضا كل التوقعات ، هذا كله تم تدبيره بإحكام على مدار عام ونصف حيث استطاع من يحسن التدبير أن يدبر لسقوط التيار الإسلامي بسرعة السلحفاة و بضربة الفيل . إن المتابع لكل الأحداث خلال الفترة الماضية يعلم أن كل حدث تم صناعته بمهارة عالية بحيث يصب في مصلحة " شفيق" و من يسانده ، وبالتالي استخدمت كل الوسائل الإعلامية وغيرها من فقد الأمن وفقد المواد البترولية وفقد السلع الغذائية ودخول عمر سليمان وخروجه وفي يديه ابو اسماعيل والشاطر صناعة مؤامرة العباسية والتضخيم الإعلامي من استحواذ الإسلاميين على السلطة الوهمية المتمثلة في مجلس الشعب ثم إشاعة ذلك بين الناس بأن الإسلاميين لم يحققوا شيئاً وأنهم سوف يدمرون الوطن بطمعهم وجشعهم في السلطة ، كل ذلك عوامل أدت إلى نجاح من هو ضد التيار الإسلامي . إن التيار الإسلامي كبير له شعبية وله محبيه ومريدوه ، وهذا التيار له عدة فصائل منها الإخوان والسلفيين ، وبما أن السلفيين رشحوا أبو الفتوح فكان لابد أن نعرف كيف يفكر العقل السلفي: أولأً: السلفيون تعلموا أن يدورا مع الدليل الشرعي حيث دار وأن يغلّبوا المصلحة الشرعية فوق كل مصلحة سياسية والعاطفة الدينية عنده كبيرة لدرجة أن الصغائر يعظم شأنها عند السلفيين كل ذلك يشكل العقل ويصنع صراع نفسي عند السلفيين في اختيار الأفعال وخاصة التي لا دليل فيها والتي تعتمد على الإجتهاد المحض مثل فقه الموازنات والنوازل بخلاف تيار الإخوان الذي يعتمد على الإمارة والسمع والطاعة التي لا تفكير معها . ثانياً: ليس السلفيون هم الشعب المصري ولا الإخوان هم الشعب المصري لكن هؤلاء مجموعات من الشعب المصري لهم تأثير على ذويهم والمحيط بهم ومحبة الشعب المصري لهم حسب التدين وفترة الإضطهاد من النظام السابق ، لكن لماذا أخفق السلفيون في دعم أبو الفتوح ؟؟ .. السلفيون حقيقة ليس لهم مرشح من بني جلدتهم يعرفونه ويثقون في وعوده ويحافظ على صحة منهجهم ويرون فيه المشروع الإسلامي السلفي وليس الإخواني ، التيار السلفي أصابه داء الأمم قبلنا ؛ الحسد والبغضاء ، وهذا الداء أصاب كل التيار الإسلامي ولقد رأينا كبار الشيوخ و العلماء يكذب بعضهم بعضا على الهواء مباشرة وكأنهم في غرفة مغلقة ونسوا أنهم يخاطبون العوام ومن لا دراية لهم بالأمراض التي تصيب النفوس مثل حسد الأقران والعُجب ، ولقد تبنى الشيخ "عبد المقصود" سياسة تحطيم المنافس وتشويه صورته ونسى أن ذلك يعود عليه لأنه قدوة وليس معنى الخلاف في الرأي أن يحطم الآخرين واستخدم السيد "صفوت حجازي" كل وسيلة لتشويه أي كيان منظم ما عدا كيان الإخوان ، بل وعمل الإخوان على تفتيت أي كيان منظم غير كيانهم بالإتصال بالصغير دون الكبير وعدم احترام الكيانات المؤسسية كل ذلك كان يصب عند جمهور الناس الذين يجلسون كالمراقب حتى إذا حانت اللحظة عبروا عما في أنفسهم وصعد نجم "أحمد شفيق" . ثالثاً: لما تمت الدعوة لإنشاء حزب النور السلفي ظن الجميع أن هذا الحزب هو حزب السلفيون بكل مدارسهم ومن غلب عليه أن هذا الحزب هو حزب لكل الإسلاميين والمصريين الذين لا يعرفون التعصب لشخص أو جماعة ، وسرعان ما كبر الحزب وانطلق وولد عملاقا كبيرا في أيام وبعد فوزه بانتخابات الشعب والشورى اكُتشف أن هذا الحزب ليس ملكاً للجميع و سرعان ما دب الشقاق في الحزب وظهرت الشخصنة وهيمنة فريق معين وفرض الرأي دون المشورة ومعرفة قدرة الناس على الأرض ، كل ذلك أدى إلى أن يخسر الحزب كثيرا من قواعده وقياداته التي تعمل ولا يعلم عنها أحد ابتغاء مرضاة الله وظهر ذلك جليا في طريقة التعامل مع الأمور العظام والخلل الإداري الصعب والذي نسأل الله أن يصلحه ويوحد كلمته . رابعاً: لقد حاول الإعلام الفاسد بكل ما أوتي من قوة أن يظهر عورات السلفيين والتيار الإسلامي ويضخم أخطاءهم وأن ينسب إليهم ما لم يتبنوه ويضخم أحداث العباسية المصطنعة والتي دبرت بإحكام حتى تظهر النتيجة أن الإسلاميين ما هم إلا وحوش ضاربة يريدون أن يدمروا الجيش ويتعدوا على مرافق الدولة ويسقطوا هيبتها ، لكن الحق أنه لم يحترم الدولة ومؤسساتها أحد مثل السلفيين و التيار الإسلامي . خامساً: لقد ظن أبو الفتوح أنه عند تغيير خطابه إلى خطاب ليبرالي سوف يحصد به أصوات الليبراليين ، لكن الحقيقة أن الأيدولوجيات لا يتبع بعضها بعضاً ، وتغيير ما يعتقده الناس من الصعوبة بمكان ، بالخطاب الليبرالي فقد أبو الفتوح أغلب الأصوات الإسلامية ، ولم يأخذ صوتاً واحداً ليبرالياً لأن الليبراليين لن يعطوا إلا ليبرالياً حتى وإن أظهروا دعماً لأبو الفتوح ولو تحول خطاب أبو الفتوح إلى خطاب أبو اسماعيل السلفي عقب خروج أبو اسماعيل لحصد أصوات السلفيين والإسلاميين ، وهذا ما ظهر في حصول "محمد مرسي" على أصوات السلفيين لأنه استخدم في آخر عشرة أيام خطاب أبو اسماعيل أما بالنسبة للتيار الليبرالي والثوريين كان واضحا حصول "حمدين الإشتراكي" على أصواتهم والدليل النتيجة. لعل أبو الفتوح فهم الآن أنه لعب بأكثر من خطاب: ليبرالي وإسلامي وهذا الذي أفقده التيار السلفي والذي استطاع محمد مرسي استقطابه ببعض العبارات الإسلامية والشرعية مع أن أبو الفتوح دخل حملة الرئاسة مبكراً ولكن لم يستطع أن يرتب أوراقه ويحسَّن خطابه الإعلامي و الدليل المناظرة ، وفي نفس الوقت دفع الإخوان بمرشح سحب البساط من تحت أقدام أبو الفتوح وخاصة أن شعبيته إخوانية وضعف وقوف السلفيين وراءه أدى إلى سقوط أبو الفتوح وكذلك فقد التيار الإسلامي معظم أصواته والتي حصل عليها في الشعب والشورى وأعظم هذه الأسباب البحث عن الأمن والخبز وأن الدين في آخر سلم الأولويات عند الشعب وذلك لضعف الثقافة الدينية وضعف أداء أعضاء مجلسي الشعب والشورى الجدد الذين لم يستطيعوا أن يرضوا الناس وأن يتعاملوا معهم بطريقة بها كثير من البشاشة والسرعة في الاستجابة وهناك أسباب أخرى تتعلق بالإخوان وهم فصيل من التيار الإسلامي منها سلطوية الإخوان والتعالي على الأحزاب الأخرى والقوى الثورية والمجتمعية وعدم الوفاء بكثير من وعودهم كل ذلك أدى إلى بروز نجم النظام السابق والمسئولية الآن لن تقع على الإسلاميين فقط بل والليبراليين الذين يرون أن نار العسكر ولا جنة الإسلاميين، إن العسكر حتى هذه اللحظة أثبتوا أنهم قادرون على إدارة البلاد مع ما حدث من أخطاء وأنهم نفذوا ما وعدوا به حتى الآن وننتظر ان يوفوا بوعدهم بتسليم السلطة بعد انتخابات الرئاسة . علينا أن نعي الدرس ونراجع حساباتنا ونلملم شتاتنا، والله تبارك و تعالى يعطى على قدر تدين العباد ومثلما تكونوا يولي عليكم فلعل الله أعطانا من الثورة على قدر ما نستحق ونسأل الله تبارك و تعالى أن يولي علينا من يصلح وأن يصلح من تولى إنه ولي ذلك والقادر عليه الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة