هناك دائما وجهان لكل حدث, وجه إيجابى وآخر سلبى, ويتوقف الحكم على الحدث طبقا لوجهة نظر من يرى الحدث, والأحداث الكبيرة فى حياة الأمم لابد أن ينظر إليها من جميع جوانبها, وليس من جانب واحد. وليس هناك من حدث أكبر فى حياة المصريين الآن من خبر ترشح اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق لمنصب رئيس الجمهورية, وهو بكل تأكيد فى ظاهره خبر سىء, لما فى ذلك من تحدى لثورة 25 يناير, ولكل من قاموا بها, وكأن الثورة قامت من أجل عزل "مبارك" عن منصبه فحسب. والغريب فى الأمر أن معظم القوى السياسية فى مرحلة ما قبل الثورة كانت تعلم أن هناك صراعا مكتوما فى مؤسسة الرئاسة بين نجل الرئيس السابق "مبارك" من جهة, وبين المؤسسة العسكرية حول موضوع "خلافة مبارك", وأن هذا الصراع من جانب المؤسسة العسكرية كان يميل إلى تولى "عمر سليمان" لمقاليد الحكم بعد مبارك, لما له من خلفية عسكرية, وإضطلاعه بملفات سياسية ذات حساسية تتصل بالأمن القومى المصرى. ولذلك رأينا بعد نجاح الثورة أن كثير من رموز النظام السابق قد تم التحقيق معهم, ومنهم من دخل السجن رهن التحقيق, ومنهم من لبس البدلة الزرقاء بعد إدانته فى قضايا فساد, لكن يد القضاء والتحقيق لم تمتد إلى "عمر سليمان" على الرغم من كونه أحد أقطاب النظام السابق, وتاريخه أسود تجاه معارضى نظام مبارك, وكان من الواضح أن المؤسسة العسكرية تضفى عليه حصانة خفية من الملاحقة القضائية, ربما لما يملكه من معلومات بحكم منصبه السابق, والتى تجعل من الجميع مرعوبا من أن يتم فتح ملفات له إذا ما نزع عنه هذه الحصانة. لكن خبر ترشيح "عمر سليمان" ليس جديدا فى مضمونه, فالجميع كان يعلم أنه لابد من دفع شخصية ذات ثقل لمواجهة المد الإسلامى الهائل الذى ظهر بعد ثورة 25 يناير, فهذا الاكتساح الإسلامى فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى لم يكن يرضى الكثير من القوى السياسية, على الرغم من كونه اختيار الشعب عبر أنزه انتخابات حرة تمت فى البلاد, وكان هناك من يسعى لوقف هذا المد, وأن لا يمتد إلى مؤسسة الرئاسة, التى يرى هؤلاء أنه لابد ألا يعتليها مرشح إسلامى, وقد زادت هذه النبرة علوا بعد الشعبية الجارفة التى تمتع بها مرشحو الرئاسة الإسلاميين, وفى مقدمتهم الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل, وبعد دفع الإخوان المسلمين بخيرت الشاطر كمرشح للرئاسة, ولذا كان لابد من محاولة وقف هذا المد, لكن المرشحون الآخرون من أمثال عمرو موسى وأحمد شفيق لم يكن أى منهم يلقى قبولا شعبيا, فكان الدفع بعمر سليمان هو الكارت الأخير. وحقيقة الأمر أن عمر سليمان ومن يقف ورائه من قوى داخلية وخارجية ظنوا أن الشعب المصرى يمكن أن يقبل بصفقة من نوع ردىء, فبعد أكثر من عام من الانفلات الأمنى, وبعد التدهور الاقتصادى, يمكن أن يظهر لنا "عمر سليمان" فى صورة الرجل القوى المالك للعصى السحرية التى يمكن أن تنتشل البلاد مما هى فيه. وكأن كل ما حدث كان مدبر, حتى يبدأ الشعب المصرى فى الكفر بالثورة التى لم تأتى إلا بهذا الانفلات الأمنى والتدهور الاقتصادى, خاصة بعد انتخاب مجلسى الشعب والشورى, وفى ظل نغمة أنهم لم يقدما أى تقدم محسوس لرجل الشارع العادى, فيأتى السوبر مان مدفوعا برغبات الشعب الذى ملأ ميدان العباسية, وكأنه المخلص للبلاد مما هى فيه!!. لكن الأمر ليس بهذا السوء, وهذا الشعب الذى قام بالثورة لا يمكن أن يقبل بعودة مبارك للحكم مرة أخرى فى صورة نائبه, الذى تلطخت يداه بدماء تعذيب الإسلاميين بأوامر من المخابرات الأمريكية, وصديق إسرائيل الأثير, الذى ساعد على حصار قطاع غزة وقتل أطفالها وشيوخها بفعل هذا الحصار. على أن ترشيح عمر سليمان لمنصب رئيس الجمهورية ليس فى مجمله خبرا سيئا, بل أرى أنه جاء فى الوقت المناسب تماما, فنحن فى هذا التوقيت من عمر الثورة نحتاج إلى ما كنا فيه فى الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011, من وحدة الصف, والالتفاف حول هدف واحد, وليس هناك من هدف أسمى من تلقين فلول النظام السابق درسا فى كيف يحكم الشعب نفسه, وكيف يميز الخبيث من الطيب. ولذا أدعو إلى دعم ترشيح عمر سليمان, حتى تتضح الصورة كاملة أمام الشعب, وحتى تتوحد القوى الثورية فى المواجهة الأخيرة مع بقايا النظام السابق, وحتى يثبت هذا الشعب أنه مع الثورة قلبا وقالبا, مهما كانت التضحيات, وأن الأفعال التى يحاولون من خلالها بث كراهية الثورة لن تثنى هذا الشعب عن دعمه للثورة حتى النهاية. كما أن ترشيح عمر سليمان لمنصب الرئاسة فيه من الفائدة الكثير, فنحن بعد مرور أكثر من عام على الثورة اختلطت على الشعب الكثير من الأمور, فلم يعد يعلم من هو الثائر الحق, ومن هو الذى جاهد من أجل هذه الثورة, وناله الكثير من أذى النظام السابق. بل إن كثيرا من القوى السياسية قد نافقت الثورة وهى لا تتمناها, وكثير من وسائل الإعلام والإعلاميين داهن الثورة وركب موجتها رياءا. والآن حان وقت الفرز, الوقت الذى يجب أن يعلم الشعب من معه ومع ثورته, ومن ضده وضد ثورته, وستكون الأيام القادمة هى الفيصل فى من يقف فى صف الثورة. دعونا نراقب المشهد ونحن رافضين لعمر سليمان, لكى نفرز كل من حولنا من ساسة وإعلاميين, لنبدأ مرحلة جديدة من عمر الثورة نقية خالصة من المنافقين والمندسين وسط صفوف الثورة, فهذا ضرورى فى مرحلة البناء بعد 30 يونيو القادم بإذن الله.