أعلنت الإذاعة العسكرية للاحتلال الصهيوني عن تأجيل الزيارة المشئومة التي كان من المقرر أن يقوم بها السفاح بنيامين بن إليعازر الذي يشغل منصب وزير البنى التحتية في دولة الاحتلال إلى العاصمة المصرية "القاهرة". ويأتي قرار تأجيل الزيارة نتيجة تصاعد حالة الغضب والاستياء التي تنتاب الشعب المصري بعد أن كشف أحد الأفلام الوثائقية عن المجزرة التي أشرف عليها بن أليعازر بحق 250 جنديا مصريا قام بقتلهم بدم بارد في منطقة العريش بعد نهاية المعارك في حرب 1967. وبحسب ما قالت الجزيرة فإنه كان من المفترض أن يصل السفاح الصهيوني للقاهرة يوم الخميس القادم ويلتقي مع مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان. وفي محاولة للتنصل من جرائمه جدد السفاح بن إليعازر مزاعمه بنفيه قتله للجنود المصريين ومؤكدا أن من تم قتلهم كانوا من لواء فدائيين فلسطينيين يشنون عمليات انطلاقا من قطاع غزة خصوصا ضد وحدته وقد قتلوا خلال المعارك. وكانت القناة الصهيونية الأولى قد عرضت ليلة الأحد الماضي فيلما وثائقيا عن وحدة دوريات عسكرية لحراسة الحدود تدعى "شكيد" وقيامها بقتل 250 جنديا مصريا عقب انتهاء القتال في حرب عام 67 في شبه جزيرة سيناء. واستعرض الفيلم الذي يسمى "روح شكيد" للمخرج والمعلق العسكري الصهيوني رامي أدليس تاريخ وحدة الدوريات المسماة "شكيد" التي أقيمت عام 1954 وتولت مهمة حراسة الحدود مع مصر والأردن. وتحدث في الفيلم عدد كبير من الجنود الذين خدموا في مطلع شبابهم في الوحدة وكشفوا عمليات القتل التي قاموا بها بدم بارد ضد جنود من وحدة الكوماندوز المصرية وهم في طريق انسحابهم للغرب داخل سيناء بعد توقف القتال. وأكد الكثيرون من أولئك الجنود الذين خدموا تحت إمرة بنيامين بن إليعازر أنهم قتلوا الجنود المصريين مدفوعين بشهوة الانتقام وتطبيقا لتعليمات عسكرية من قادتهم. ولفت بعضهم أنهم نفذوا أوامر الإعدام وقتذاك لصغر سنهم زاعمين أنهم كانوا سيرفضون التعليمات العسكرية لو كانوا يتمتعون بوعيهم اليوم. وروى السفاح بن إليعازر في الفيلم كيف شارك بعمليات الملاحقة والقتل وطارد الجنود المصريين بطائرة عمودية كانت تنزل جنودا على الأرض فيرمونهم بالنار رغم عدم قدرتهم على القتال بعد انتهاء المعركة ونفاد ذخائرهم. وأضاف السفاح أذكر لجوء بعض الجنود المصريين للاختباء بالرمال لكن أفراد وحدة شكيد اكتشفتهم وقتلتهم. وتخلّلت الفيلم مقاطع وثائقية مصورة تظهر المروحيات العسكرية وإطلاق النار على الجنود المصريين رغم كونهم عزلا من السلاح أو رافعي الأيدي وهم على الأرض. وفي أول رد فعل لها استدعت الخارجية المصرية سفير الكيان الصهيوني في القاهرة شالوم كوهين لطلب إيضاحات, كما طلبت من سفيرها في تل أبيب الحصول على نسخة من الفيلم من الحكومة الصهيونية . كما أثار الفيلم ردود فعل غاضبة في مصر حيث أعلن عن قيام لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشعب المصري ببحث الموضوع في جلستها الأسبوعية فيما طالبت القاهرة تل أبيب بإيضاحات عن وقائع الفيلم الوثائقي. وطالب محمود عامر أحد نواب البرلمان المصري خلال جلسة لمجلس الشعب بإعلان الحرب على الكيان الصهيوني الذي قتل الأسرى المصريين مؤكدا أن محاربة الكيان الصهيوني أشرف وأكرم من مثل هذه المهانة والاستسلام. وشدد عامر النائب عن الإخوان المسلمين بضرورة إلغاء معاهدة كامب ديفيد التي عقدها مع الرئيس السادات . فيما دعا نواب آخرون إلى القصاص من الصهاينة الذين ارتكبوا هذه الجرائم . وكرر سلام الرقيعي -وهو نائب مستقل من شبه جزيرة سيناء- المطالبة نفسها مشيرا إلى استمرار العثور على مقابر جماعية للجنود المصريين ومدنيين من أبناء سيناء وكان آخرها منذ شهرين. وطالب النواب بطرد السفير الصهيوني بالقاهرة وسحب السفير المصري من دولة الاحتلال وإلغاء ما يسمى باتفاقية السلام المصرية الصهيونية ورفع دعوي أمام المحكمة الجنائية الدولية. وأوضح الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية أن اتفاقية السلام لن تدع مصر تقف مكتوفة الأيدي نحو القصاص من مجرمي الحرب. وأضاف أن عدم تصديق مصر أو الاحتلال علي اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية لا يمنع رفع الأمر إلي هذه المحكمة وحذر من رفع الأمر إلي مجلس الأمن الدولي الذي لا تعدو اجتماعاته عن مجرد مكلمة. وطالب الفقي باستثمار اعتراف السفاح بن أليعازر بارتكاب المجزرة وألا يتم تناول الأمر باستهانة مثلما حدث عند اعتراف الاحتلال ببرنامجه النووي. ووجه النائب المستقل مصطفي بكري اتهامات حادة للخارجية بالتفريط في حقوق المصريين وانتقد صمت الحكومة إزاء الحدث رغم إذاعة الفيلم الوثائقي يوم 25 فبراير وحذر من انتهاء الأمر من خلال قرارات سيادية تقمع الرأي العام الذي استفزته الجريمة. وطالب حيدر بغدادي وكيل لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب بتحريك الدعوي الجنائية ضد مجرمي الحرب، خاصة أن الجريمة وقعت داخل الأراضي المصرية، كما دعا نقابة المحامين إلي اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لتحريك الدعوي. وبعد أن أشار الدكتور حمدي حسن المتحدث الإعلامي باسم كتلة الإخوان إلي ما نشرته الصحف حول شعور بعض القادة الصهاينة بالأسف عقب إذاعة الفيلم، تساءل: هل شعر المسئولون في مصر بالأسف هم أيضا حتي يتحركوا؟ وقال: إن الأمل الوحيد يتمثل في عدم سقوط الجريمة بالتقادم، وهو ما يتيح الفرصة للأجيال المقبلة للقصاص. وطالب النائب أنور عصمت السادات بتجميد اتفاقية تصدير الغاز بين مصر والاحتلال وكذلك إلغاء بروتوكول «الكويز» ودعا النواب إلي التوقيع علي هذين الطلبين وقال للنواب «اعملوا حاجة.. دم الأسري في رقابنا». وحذر حسين إبراهيم رئيس كتلة الإخوان بالبرلمان من اكتفاء مجلس الشعب باستنكار الجريمة حتى لا يقابل النواب باستنكار المواطنين.معتبرا أن غياب وزير الخارجية استهتارا بالسلطة التشريعية. وأثار إبراهيم أزمة أخري عندما رفض انفراد رؤساء اللجان بصياغة بيان مشترك حول الأحداث، وأكد سعد الجمال أن الصياغة ستتم بالتشاور مع أعضاء اللجان الثلاث. وأعرب عدد من النواب خاصة ممثلي كتلة الإخوان المسلمين عن غضبهم لغياب أحمد أبو الغيط وزير الخارجية عن الاجتماع. كما هاجم نائبان من الحزب الوطني الحاكم سفير الاحتلال ووصفاه بأنه كافر مطالبين بطرده من البلاد وسحب السفير المصري من دولة الاحتلال . وقال النائب علاء حسنين إن اليهود هم الذين قتلوا الأنبياء والمرسلين ونقضوا العهود مع رسول الإسلام فما بالك لو كان لهم معاهدة مع مصر أو أي دولة عربية أخرى. أما النائب محمود سليم فقد وصف السفير الصهيوني بأنه كلب وطالب بطرده. هذا وقد أكد السفير عبد الرؤوف الريدي رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية أن المجلس قرر عقد اجتماع طارئ ومغلق خلال الأسبوع الجاري لمناقشة الفيلم الوثائقي الصهيوني مشيراً إلي أن المجلس سيحاول الخروج بإجراءات يمكن إتباعها لمواجهة مرتكبي هذه الجرائم. وقال الريدي إن الاجتماع سيضم مجموعة من الخبراء بينهم السفير دكتور منير زهران مندوب مصر السابق لدي الأممالمتحدة في جنيف والدكتور جورج أبو صعب أستاذ قانون التنظيم الدولي الإنساني معتبرا قتل الأسري المصريين جريمة حرب تدينها جميع القوانين والاتفاقات الدولية وداعيا في الوقت ذاته مصر والعالم العربي إلي المطالبة بمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم وعدم التزام الصمت. وأوضح الدكتور منير زهران أن الجريمة الصهيونية في حق الأسري المصريين تعد خرقا واضحا وصارخا لاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة . وأشار زهران إلى أنه من المفترض معاملة العسكريين وقت الحرب وأنه طالما ألقي المحارب بسلاحه يجب المحافظة عليه ولكن هؤلاء وفقا لما تم الاعتراف به في الفيلم قتلوا المصريين العزل بدم بارد رغم أنهم أسري حرب كان يجب حسن معاملتهم إلي حين الوصول لاتفاق تبادل للأسري عن طريق الهيئة الدولية للصليب الأحمر. وأوضح زهران أن الاحتلال الصهيوني يخضع لاتفاقية جنيف الرابعة التي تنص علي أن معاملة المدنيين تحت الاحتلال بالقتل تعتبر جريمة من جرائم الحرب ومضادة للإنسانية وجريمة إبادة جماعية وهو ما يخضع أيضا لاتفاقية أخري أبرمتها الأممالمتحدة في هذا الشأن وبهذه البنود. وأشار إلي أن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم والمسئول عنها لابد أن يقدم للمحاكمة في أي وقت مهما مضي عليه من زمن. من جانبهم فقد دعا خبراء ومثقفون مصريون إلي استثمار الفيلم الوثائقي الذي بثته القناة الصهيونية مشددين علي ضرورة مقاضاة الكيان الصهيوني والبحث عن رفاة ضحايا هذه المجازر وتحليلها بواسطة ال(DNA) الذي سيكشف النقاب عن مصير آلاف المصريين الذين فقدوا خلال الحروب المصرية مع الاحتلال. وطالبوا الحكومة المصرية بوضع ضوابط ومحددات لتعريف الفرق بين الشهيد والمفقود وكيفية معاملة الصفتين ومنحهما جميع حقوقهما المادية والأدبية موضحين أن هناك حالة من التضارب حول الأرقام الحقيقية لأعداد المفقودين المصريين خلال الحروب الثلاث الأخيرة بين مصر والكيان الصهيوني بسبب عدم وجود وسائل حديثة لتسجيل البيانات الخاصة بهم أثناء تلك الحروب. وأكدوا أن أقرب الأرقام التي تم الكشف عنها بشأن المفقودين خلال حربي 1956 و1967 هي 7 آلاف جندي و3 آلاف مدني موضحين أن الفرصة سانحة لإحياء غريزة الثأر للضحايا من خلال مقاضاة الاحتلال حتى تدفع ثمن جرائمها. وأكد أحمد الحملي الخبير في الشؤون الصهيونية أنه لا صحة لما يتردد عن وجود رقم حقيقي لعدد الجنود المصريين المفقودين أثناء الحروب المصرية مع الاحتلال الصهيوني موضحا أن كل الدعاوي القضائية التي رفعها النشطاء المصريون في هذا الشأن لا تعتمد علي وثائق حقيقية يمكن بواسطتها الحصول علي حكم لصالح الضحايا المصريين. وأشار الحملي إلي أن السلطات الصهيونية لم تفرج حتى الآن عن الوثائق السرية لتلك الحروب، كما أن الجانب المصري لا يملك الوسائل التكنولوجية القادرة علي كشف عدد الجنود المصريين الشهداء أو الأسري أو حتى المفقودين أثناء الحروب. وقال الحملي إن الاحتلال نجح في مقاضاة ألمانيا بسبب جرائم النازي لأنها كانت تملك صورا للتعذيب والقتل والمحارق إضافة إلي عدد من الأفلام التي تؤكد أن الألمان قتلوا 6 ملايين يهودي أثناء الحرب العالمية الثانية .