مر علينا يوم أمس الأربعاء، الذكري الستون لإطلاق القمر الصناعي السوفييتي، "سبوتنيك"، الذي غزي الفضاء بعقل بشري كامل ولأول مرة فى التاريخ، فرغم بدائيته، إلا أنه كان محورًا لتثبيت العديد من النظريات ليغير بها ثورة العلوم والتكنولوجيا حول العالم. والتي نمارسها بشكل يومي، حيث أن كل منزل حول العالم ليس به تلفاز نشاهد من خلاله القنوات الفضائية، وإجراء الاتصالات من مناطق نائية خالية من أبراج شبكات المحمول، والملاحة وتحديد المواقع، وتقييم مدى خطورة الحرائق وذوبان الثلوج. العجيب فى الأمر، أن كل هذا الترفية الموجود فى حياتنا من فضائيات ومهاتفات وغيرهم، كان فى الأصل نتيجة لعملية تسلح كبري، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، إذ كان العلماء في القوتين العظميين يعملون على تصميم صاروخ بالستي عابر للقارات. لكن بعد إنتاج واختبار صاروخ "إر-7" البالغ مداه 12 ألف كيلومتر والقادر على الوصول إلى أميركا، تمكن المصمم، سيرغي كوروليوف، من إقناع الحكومة بإطلاقه إلى المدار، لإعلان الاتحاد السوفييتي بلداً رائداً في مجال الفضاء. ثمة مفارقة أن الصاروخ البالستي هو الذي أثار مخاوف واشنطن في ذلك الوقت، وليس القمر الصناعي في حد ذاته. أما الإنترنت، فيعتبر رداً أميركياً على "سبوتنيك"، إذ شرع الأميركيون في تصميم شبكة أجهزة الحاسوب لنقل البيانات على مسافات بعيدة، لتصبح هي الأخرى شبكة عالمية وجزءًا من حياتنا اليومية بعد بدء استخدام هذه التكنولوجيا لأغراض مدنية وتجارية. شكل "سبوتنيك-1" انطلاقاً للسباق على غزو الفضاء، وبعد أقل من شهر، أطلق الاتحاد السوفييتي قمراً صناعياً آخر وعلى متنه الكلبة "لايكا"، لتصبح أول كائن حي يغادر كوكبنا، قبل أن تبدأ الاستعدادات لإطلاق أول رحلة مأهولة إلى الفضاء. وتُوّجت هذه الاستعدادات في عام 1961 بإطلاق أول رحلة مأهولة وعلى متنها رائد الفضاء السوفييتي، يوري غاغارين، بعد أن نطق بكلمته الشهيرة "لننطلق!"، مدشناً عهداً جديداً لعلاقة البشر بالفضاء الخارجي. احترق "سبوتنيك" في الغلاف الجوي بعد 92 يوماً فقط على إطلاقه، إلا أن نسخاً فنية وتجريبية منه ظلت على الأرض لتخليد ذكرى هذا الحدث التاريخي وتتحول إلى قطع أثرية يتسابق المقتنون من أجل الحصول عليها. وعشية الذكرى ال60 لإطلاق "سبوتنيك"، تم بيع واحدة منها بمزاد علني في نيويورك مقابل 850 ألف دولار تقريباً في نهاية سبتمبر الماضي، بينما فضل المقتني عدم الكشف عن هويته.