لم تفوت الأوساط الرسمية المصرية فرصة ذلك الاستعراض المسرحي لعشرات، ولنقل مائة وثمانين طالباً (الرقم الرسمي)، من طلبة جماعة الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر، بل بادرت إلى استغلاله على نحو بدا أنه هبط عليها من السماء من أجل شن هجمة سياسية وإعلامية على الجماعة "المحظورة"، بحسب المصطلح الرسمي المعروف. وهو مصطلح لم يتغير حتى عندما أصبح لتلك الجماعة 88 نائباً فازوا في الانتخابات الأخيرة، فيما لا يخفون انتماءهم إليها، بينما تغيب الأحزاب الأخرى باستثناء هامشي، من دون أن ننسى، وكيف ننسى!! أن الحزب الوطني الحاكم هو الذي يملك الأغلبية وسيظل يملكها، ولو بالبلطجة إلى أن يأذن الله بفرج على الشعب المصري العظيم.
كان طلبة الإخوان في جامعة الأزهر التي نظم فيها الاستعراض، أو المسرحية، بحسب مصادر الجماعة، إلى جانب العديد من الجامعات الأخرى قد منعوا من الترشح لانتخابات المجالس الطلابية عبر شطب قوائمهم المؤهلة للفوز، فما كان منهم غير ترتيب انتخابات أخرى وتشكيل اتحاد آخر غير ذلك الذي جرى تخصيصه لطلبة الحزب الوطني، فما كان من إدارة الجامعة التي توجهها أجهزة الأمن من وراء حجاب غير فصل قيادات الطلبة ثم ممارسة البلطجة بحق الآخرين عندما تمردوا على قراراتها، ولعل ذلك هو ما دفع تلك المجموعة من الطلبة إلى ذلك الاستعراض البريء، ربما بهدف التحذير من فض اعتصامهم للتضامن مع إخوانهم المفصولين بالقوة، وبالطبع عبر مجموعات البلطجة التي يديرها الحزب الوطني وأجهزته، أكانت مشكلة من نفس قطاع الطلبة أم أضيف إليهم عدد من المستوردين من خارج أسوار الجامعة.
أياً يكن الأمر، فالطلبة كما تعلم الأجهزة الأمنية المصرية علم اليقين لم يتلقوا أوامر بتنفيذ ذلك الاستعراض السلمي من قيادة الجماعة، لا العليا، ولا حتى الدنيا، ربما لأن الموقف لا يستحق، وهم لم يكونوا بصدد إعلان الحرب، ولا حتى استخدام الأسلحة النووية، وهم بكل بساطة يدركون أن الكاراتيه والكونغ فو ليست أدوات عنف بالمفهوم المتداول في جميع البلدان، حتى عندما يؤخذ الموقف في سياق تمرد الأحزاب أو قوى المعارضة على السلطات، بدليل أن قنبلة واحدة أو رشاشاً عادياً، بل حتى بضع قنابل مسيلة للدموع، ومعها استخدام محدود لخراطيم المياه الملونة، وسوى ذلك من تكنولوجيا قمع المظاهرات والاعتصامات، سيكون كفيلاً بتفريق قبيلة من حملة الأحزمة السوداء في الفنون القتالية المذكورة، فضلاً عن أن يكون مجرد شبان كانوا يقفزون على وقع مشاجرة عادية بين مجموعة منهم، فيما يضعون أعصبة على وجوههم كتبت عليها كلمة "صامدون" تيمناً بالمجاهدين في فلسطين.
ثم إن من أراد أن يشكل مليشيات، بحسب التعبير الذي واظبت عليه بعض الفضائيات المصابة بعقدة الإسلاميين، ومعها صحف الحزب الوطني، وتلك التي تتلقى فيضاً من دعم الخارج بشتى أشكاله .. من أراد أن يشكل مليشيات عسكرية، أو حتى نصف أو ربع عسكرية، فلن يشكلها هكذا في الفضاء الرحب وأمام أعين الكاميرات لكي يتحول أعضاؤها إلى معتقلين في اليوم التالي.
في سياق الموقف الإخواني الرسمي مما جرى، يمكن القول إن الاعتذارات التي توالت من قيادات الجماعة لم تكن مبررة ولا مطلوبة، فقد كان يكفي الحديث عن هامشية القضية المتعلقة بنشاط طلابي عادي، مع التذكير بأن أكثر الدول العربية، بل ودول العالم تحوي أندية مرخصة لتدريب الكونغ فو والكاراتيه التي تصنف من أنواع الرياضة المسموح بها في كل مكان ولها حصة في الألعاب الأولمبية والدورات الرياضية المختلفة. أما حكاية العصابات السوداء فلا قيمة لها، اللهم إلا من باب الفانتازيا، وربما إدراكاً لعبثية العقل الأمني الذي يتحكم بالبلاد، والذي يمكن أن يذهب بعيداً في تجريم أمر كهذا أو تضخيمه على نحو ما جرى.
نشير هنا إلى أن خطاب الاعتدال لدى الكبار لن يكون بالضرورة مقبولاً عند الشبان الصغار بعد أن فصل زملاؤهم. صحيح أن الخط العام محسوم، ولكن الدفاع عن النفس أمام بلطجية الحزب الوطني ليس مما يعاب على أولئك الشبان، وليتذكر أي سياسي أو حزبي كبير ما كان عليه حاله أيام الجامعة.
من المؤكد أن الهجمة الرسمية كانت واسعة النطاق، ويبدو أنها أربكت قيادة الإخوان، لاسيما عندما طالت الاعتقالات نائب المرشد (خيرت الشاطر)، في سابقة لم تعرف منذ سنوات طويلة، ومعه عدد من (كبار الجماعة)، في خطوة بدت تصعيدية إلى حد كبير، لكن الموقف ينبغي أن يظل متماسكاً، ففي مثل هذا الوضع الذي تعيشه الساحة المصرية، ليس ثمة إلا الهجمات المتبادلة بين السلطة وقوى المعارضة، وعندما نقول قوى المعارضة، فنحن نتحدث عن الإخوان بشكل أساسي. وفي حين يحتمي الحزب الوطني ومعه كامل النظام بسكوت الخارج على مطاردة الإخوان وعموم قوى المعارضة، فإن على هذا المعسكر الأخير أن يحتمي بالشارع وجرأته غير المسبوقة على التصدي للوضع البائس في الداخل، ولن يحدث ذلك إلا بمواصلة الهجوم السياسي المركز على مختلف أشكال الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وليس معقولاً أن يبادر فيلم سينمائي (عمارة يعقوبيان) إلى فضح ذلك كله، فيما تتلكأ المعارضة في ذلك، أو تكتفي بالبيانات السياسية المحدودة التأثير.
في ذات السياق المتعلق باستغلال الاستعراض الطلابي الإخواني، لا بد من الإشارة إلى الدور "العظيم" الذي لعبته النخبة العلمانية المتطرفة التابعة للسلطة، والتي تتحدر معظمها من قبائل اليسار البائد، مع العلم أن النخبة المذكورة ليس لها دور غير ذلك الذي توكله لها السلطة، وغالباً في سياق مطاردة الإسلاميين وصعودهم الكبير في الحياة السياسية المصرية، والعربية عموماً.
من الواضح أن التراجع الإخواني معطوفاً على الهواجس المبالغ فيها للنخبة السياسية الرسمية هو الذي دفع نحو التعديلات الدستورية القادمة، والتي سيكون عنوانها الأساسي هو الحيلولة دون مزيد من تقدم الإخوان في الساحة السياسية، بل العمل على حرمانهم من التقدم الذي حققوه في البرلمان.