لو كانَ مسلسل الجماعة الذي يتحدَّث عن تاريخ "الإخوان المسلمين" محايدًا في تعاطيه مع تاريخ الجماعة، لما دفع التليفزيون المصري مبلغ 20 مليون جنيه من أجل الحصول على حقوق عرضه (ليس حصريًّا)، فهذا المنبر كان -ولا يزال- متخصصًا في هجاء الجماعة المذكورة في كل ما يبثُّه من برامج، بل إن السلطات المصرية لا تسمحُ حتى للقنوات المستقلَّة بمعالجة محايِدَة لكل ما يتصل بشئون الجماعة، لذلك لا نجد حاجةً إلى متابعة حلقات المسلسل كاملة حتى نحكم عليه، لأن المكتوب يُقرأ من عنوانِه، والمثل المصري يقول: "هي الحداية بترمي كتاكيت؟!". لا قيمة بالطبع لمن يقول: إن تاريخ الجماعة كان سيئًا دون حاجة للتدخُّل، لأن جماعة حازتْ على ربع مقاعد مجلس الشعب في آخر انتخابات، وكانت -ولا تزال- التجمُّع السياسي الأقوى في الشارع المصري، رغم حملات القَمْع المتلاحقة (الحزب الحاكم قصة أخرى يعرفها الجميع)، لا يمكن أن تكون بالسوء الذي تعرضُه وسائل الإعلام الرسمية المصرية ومَن يدور في فلكها. من مشاهدة عابرة لحلقات المسلسل الأربع الأولى، فضلًا عن تصريحات كاتبِه (وحيد حامد) تأكَّدْنا أننا إزاء لعبة تشويه لجماعة معارضة لا أكثر ولا أقلّ، وأن أي كلام آخر هو بلا قيمة، لا سيَّما ذلك الذي يتحدَّث عن ضرورة مشاهدة سائر الحلقات من أجْل الحكم على المسلسل. الكاتب معروف بعدائِه للتيار الإسلامي، وهو الذي كتب أغلب أفلام الممثِّل عادل إمام التي تشوِّه صورة الإسلاميين وتعرّضهم في أبشع صورة، وقد كان وصاحبه رأس الحربة في المعركة ضد الجماعات الإسلامية، بما فيها الإخوان، وإن جرى التركيز على جماعات العُنْف خلال الثمانينيات والتسعينيات. كلّ الكلام الذي يوردُه حامد عن الكتب التي رَجَع إليها في سياق كتابة المسلسل هو بلا قيمة، لأن روحية التعاطي مع الحدث التاريخي هي الأصل، وسيكون بوسع أي أحد أن يوظِّف الأحداث بالطريقة التي يريد، وقد انحاز الرجل من دون شكّ للرواية الرسمية، بل الرواية الأمنيَّة بتعبير أدقّ. الحلقات الخمس الأولى، بحسب حامد، تم عرضُها على وزير الإعلام المصري (يا للحياد)، وتخيَّلوا لو وجد فيها الوزير ما يقدم أية خدمة للجماعة، فهل كان سيمرِّرُها؟ يزعم حامد أنه تلقَّى رسالة من مرشد الإخوان الحالي (محمد بديع) عن طريق الكاتب محمد عبد القدوس تطالبُه بمواصلة المشوار، وتلك حكاية لا تقنع أحدًا، اللهم إلا إذا كانت نظرة المرشد تقوم على أن هجاء السلطة وأبواقها يصبُّ في صالح الجماعة أكثر مما يسيءُ إليها، وهو منطقٌ لا يبتعد كثيرًا عن الحقيقة حينما يخصُّ الأمر رجالًا يعيشون بين الناس ويعرف الجميع نزاهتَهم وغيرتَهم على أهلهم وبلدهم، الأمر الذي ينطبقُ على جماعة عَرف الناس سيرة رجالها في كل الميادين وتضحياتِهم الكبيرة. تبدأُ حلقات المسلسل من حادثة الطلاب الشهيرة في جامعة الأزهر نهاية عام 2006، حين قدَّم مئات من طلاب الجماعة عَرْضًا في فنون القتال اليدوي أمام طلبة الجامعة، وذلك ردًّا منهم على إجراءات قمعِيَّة من قِبل الأمن الجامعي وإدارة الجامعة، وهو العرضُ الذي استغلَّتْه السلطة أيما استغلال عبر الترويج لوجود جناح عسكري للجماعة. المسلسل يصِرُّ على أن العرض كان عسكريًّا، وهو لم يكنْ كذلك، وأن الطلاب هم الجناح المسلَّح للجماعة، وفي السياق يجري تقديم مرشد عام الجماعة السابق المعروف بدماثته وطيبته (محمد مهدي عاكف) بصورة بشِعَة، فهو يتعامل بغِلظة مع أحد آباء الطلبة المعتَقَلين، ويمدُّ له يده كي يقبِّلَها عندما يصافحُه، ويتحدث عن مصر، بعبارة "بلدك" في كلامه للرجل، ويؤكِّد في السياق أن العرض كان عسكريًّا بالفعل. خذْ هذه البداية التي تتخذ مبرِّرًا لبحث ضابط عن تاريخ الجماعة منذ نشأتها ليتأكد كيف يجري تقديم الجماعة كجماعة عنف، مع أن الدنيا تعرفُ موقفهم من سائر أشكال العنف، بل إن العنف والتكفير يسريان في جينات حسن البنا كما في الحلقة الرابعة التي تقدّم طفولته وميلَه إلى العنف والتكفير بطريقة مُبتذَلة، بينما قدّمت المرشد عاطف في الحلقة الثالثة بصيغة الغلظة وعدم الانتماء (لماذا يكسبون تعاطف الناس إذن؟)، الأمر الذي يثير السخرية في واقع الحال، السخرية من هذا اللون من الدراما التي تعملُ في خدمة القَمْع والديكتاتورية على نحوٍ مفضوح. المصدر: الإسلام اليوم