في وقت متأخر من مساء يوم الأحد، نشرت الجريدة الرسمية قانون مكافحة الإرهاب المُرقم ب 94 لسنة 2015، في خطوة ترمُز لإعادة تشكيل سلطوية تعمل على نحو أكثر وضوحًا، ما خلق إطارًا قانونيًّا يمنح المحاكم وأجهزة الأمن والنائب العام حريّة تصرّف كثيفة في تفسير نصّ القانون. خلال السطور التالية، يوضح "ساسة بوست" أبرز المواد المخالفة في هذا القانون، وكيف تميّز العديد من مواده الصادرة بلغة فضفاضة تمكّن الأجهزة الأمنية والإدارية والقضائية من تفسيرها بطرق مختلفة على حسب أهوائها السياسية، ما يحيله لقانون اعتقال جديد يعزز دوافع الإرهاب، ويهدر حق أساسي في التقاضي وحرية الرأي والتظاهر السلمي. مواد القانون.. تعطيل لأحكام الدستور والقضاء حسب المادة الثانية للقانون، فهو يعرف “العمل الإرهابي” بتعريفات فضفاضة ومطاطة مثل مصطلحات (الوحدة الوطنية – السلام الاجتماعي– القانون) دون توصيف محدد ومضبوط لهذا العمل، وطبيعته، وحجم الضرر الناتج عنه، مما يجعل أي معارضة سلمية للنظام الحالي تقع تحت جُرم هذا القانون، وهو ما يراه الخبراء مسألة مخالفة لمبدأ شريعة الجرائم والعقوبات والتي نصت عليها المادة 95 من الدستور وأكدتها أحكام المحكمة الدستورية العليا. كما اعتبرت المادة نفسها أن العمل الإرهابي يتحقق عن طريق “تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح” وهو بذلك يضع كافة المطالبين بتغيرات دستورية أو قانونية تحت طائلة القانون، ونعتهم بالإرهاب. مثالًا على ذلك، الدعوات الرافضة لقانون التظاهر التي قامت بها قوى سياسية وحركات شبابية بل والمجلس القومي لحقوق الإنسان، من الممكن تفسيرها على أنها محاولة لتعطيل القانون. المادة.. 53 تقنين لحالة الطوارئ الأبدية تعيد هذه المادة 53 الصادرة في القانون الأذهان إلى قانون الطوارئ الجديد، بشكل أكثر تقنينًا وتحايلًا على الدستور. فتحت مسمى “أخطار الجرائم الإرهابية أو الكوارث البيئية” يصبح للرئيس الحق في إعلان حالة طوارئ لمدة لا تجاوز 6 أشهر يجوز تجديدها لمدد أخرى بعد موافقة أغلبية البرلمان، ومن ثم يمكن أن تعلن هذه التدابير بصورة مؤبدة مثلما حدث في السابق وتم تأبيد حالة الطوارئ لفترة تجاوزت 30 عامًا. لكن هذه المادة لا يقتصر تجاوزها على الحريات العامة وحقوق الإنسان، بل تخالف المادة 154 من الدستور التي لم تجز لرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ إلا لمدة لا تجاوز 3 أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، وذلك بعد موافقة أغلبية أعضاء البرلمان. بيانات الحكومة.. مصدر وسائل الإعلام الوحيد “يعاقب بغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تتجاوز 500 ألف جنيه كل من تعمد، بأية وسيلة كانت، نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد، أو عن العمليات المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، وذلك كله دون الإخلال بالعقوبات التأديبية المقررة”. توضح المادة التي أخذت رقم 35 بعد أن كانت 33 في مشروع القانون، أوجه التغيير الذي طرأ عليها إذ تم استخدام كلمة “وزارة الدفاع” بدلًا من “الأجهزة المعنية” كجهة لإصدار البيانات الرسمية التي تقاس بها البيانات الأخرى عن الأعمال الإرهابية، كما تراجعت الدولة عن توقيع عقوبة الحبس على الصحفيين ناشري هذه البيانات الخاطئة، ووضعت نصًّا عقابيًّا آخر بالغرامة التي تتراوح بين 200 ألف و500 ألف جنيه، وهو ما نشرته “الشروق” قبل إقرار الحكومة لمشروع القانون نهائيًّا. يلزم هذه المادة كل الجهات الصحفية والإعلامية الاعتماد على كافة المعلومات المُعتمدة من الحكومة، أو وزارة الدفاع في بياناتها الرسمية، ومن يخالفها يستوجب الغرامة المالية. ووضع القانون قيدًا آخر بموجب المادة 36 والتي تعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تتجاوز 100 ألف جنيه لكل فرد أو جهة قامت بتسجيل أو تصوير وقائع جلسات المحاكمة بأية وسيلة كانت أو بثها عبر وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو على شبكات الاتصالات أو التواصل الاجتماعي أو على أية وسيلة أخرى، وذلك كله ما لم تأذن المحكمة. كما تأتي المادة 29 ضمن هذا المشروع لتعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنين كل من أنشأ أو استخدم موقعًا على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية أو التأثير على سير العدالة في شأن أي جريمة إرهابية أو لتبادل الرسائل. وهي المسألة التي يعتبرها الخبراء تعريفًا معيبًا قد يندرج بسهولة تحته المنظمات الحقوقية والصحف والمواقع الإخبارية إذا نشروا بيانات أو موضوعات تتعلق –على سبيل المثال- بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، والتي قد تعتبر جريمة يندرج أثرها تحت الإضرار بالاقتصاد الوطني، مثلما حدث مع عدد من القضايا أبرزها قضية نشر أخبار كاذبة أدت إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني في عصر مبارك. مُقترحات “القضاء الأعلى” خارج نصوص القانون يوضح النص النهائي لقانون مكافحة الإرهاب، أن القانون صدر خاليًا من جميع المواد التي اعترض عليها مجلس القضاء الأعلى خلال مراجعته لمشروع القانون وفقًا لنص الدستور. وصدرت المادة 50 الخاصة بنظام محاكمة المتهمين في جرائم الإرهاب، بتخصيص دوائر في المحاكم القائمة لنظر القضايا، بدلًا من إنشاء محكمة جديدة للإرهاب على نسق محكمتي الأسرة والاقتصادية، كما لم يتضمن القانون المادة التي تضمنها المشروع النهائي والتي تعتبر الحكم صادرًا حضوريًّا إذا حضر عن المتهم الغائب محامٍ وأبدى دفاعه. كما ألغيت فكرة تقصير مواعيد الطعن بالنقض من 60 يومًا إلى 40 يومًا، وتخصيص دائرة أو أكثر من دوائر محكمة النقض منعقدة في غرفة المشورة لفحص الطعون في الأحكام الخاصة بالجرائم الإرهابية. وألغيت أيضًا فكرة تصدي محكمة النقض للقضية حال قبول الطعن، دون إعادتها إلى محكمة الجنايات لإعادة نظرها. المادة.. 40 حُكم بالاعتقال في المادة 40 من قانون الإرهاب، تجعل من صلاحية مأموري الضبط القضائي في التحفظ على الأشخاص لمدة لا تجاوز 24 ساعة مع جواز مد التحفظ لسبعة أيام بقرار من سلطة التحقيق، وهو الأمر الذي يعتبره الخبراء تكريسًا للإجراءات الاستثنائية خصوصًا أن التحفظ لا يعد قبضًا بالمعنى القانوني، وكذلك فالنيابة العامة ليس من صلاحيتها سوى الأمر بحبس المتهم لمدة لا تتجاوز 4 أيام.