أعلن وضاح خنفر، المدير العام لقناة "الجزيرة" الفضائية، أن الشبكة طلبت من المسئولين الامريكيين تقديم اعتذار عن الاعتداءات التي تعرضت لها مكاتب القناة في بغداد وافغانستان، مشيرا الى انه لمس في لقائه مع وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون والمسئولين الامريكيين رغبة في الحوار والاستماع الى وجهة نظر "الجزيرة"، نافيا وجود اي املاءات على القناة، مضيفا ان "الجزيرة" لا تقبل الاملاءات من احد، حسب قوله. وفوتحت هيلاري كلينتون بموضوع هذه "الجفوة" بين "الجزيرة" والادارة الامريكية اثناء زيارتها الاخيرة للدوحة في شهر فبراير الماضي للمشاركة في مؤتمر الاسلام والغرب، الذي ينظمه سنويا مارتن انديك السفير الامريكي السابق في الدوحة. وبادرت وزيرة الخارجية الامريكية بدعوة وفد من "الجزيرة" لزيارة واشنطن ومناقشة الامر مطولا. وبالفعل لبى وفد من المحطة برئاسة خنفر الدعوة وطار الى العاصمة الامريكية والتقى المسؤولين هناك على كافة المستويات، ولكن لم يتسرب اي شيء عن طبيعة القضايا التي نوقشت، وما اذا كانت الزيارة قد اثمرت في اصلاح العلاقات بين الجانبين. يشار في هذا السياق الى ان المسئولين الامريكيين الكبار في عهد ادارة الرئيس بوش امتنعوا عن اعطاء اي مقابلات خاصة لقناة "الجزيرة"، وسار الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما على النهج نفسه، حينما اختار قناة "العربية" المنافسة لاعطاء أول حديث له لوسيلة اعلامية عربية. وتأتي تصريحات مسئول "الجزيرة" في الوقت الذي بدأت ملامح تحفز اعلامي تظهر على الساحة العربية على خلفية ارتفاع منسوب التهديدات الامريكية والصهيونية بضرب ايران وسورية، وبدء اصطفاف معظم وسائل الاعلام الخليجية منذ الان.
توقيت الاعتذار وتثار تساؤلات حول توقيت هذا الاعتذار الان؟ فمن المعروف انه جرى قصف مكاتب القناة التي شهدت بروز دورها كنافذة وحيدة للعالم العربي يرى العالم من خلالها الوجه الآخر للحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان والعراق والحملات الاسرائيلية المتواصلة على لبنان والفلسطينيين، كما برز دورها كذلك بسبب ما تلقته من بيانات مكتوبة ومسجلة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ولقيادات في هذا التنظيم، غير أن هذا الدور واجه صعوبات عدة أدت في النهاية إلى قصف وتدمير مكاتب 'الجزيرة' في كابول أثناء الحملة العسكرية التي قادتها الولاياتالمتحدة لغزو البلاد وإسقاط حكومة طالبان عام 2001، وفي العراق اثناء غزو البلاد. وكانت "الجزيرة" التي بدأت تغطية متواصلة للغزو الأمريكي البريطاني للعراق عرضت صورا لقتلى أمريكيين وبريطانيين وأخرى لأسرى قوات الغزو، قد تعرضت لانتقادات عنيفة من مسئولين أمريكيين وبريطانيين كبار. وأقر وزير الداخلية البريطاني الاسبق ديفيد بلانكيت بأنه حث رئيس الوزراء توني بلير على خرق القانون الدولي وقصف مكتب قناة "الجزيرة" في بغداد أثناء الحرب على العراق. وصرح بلانكيت أنه اعتبر "الجزيرة" حينها هدفا مشروعا، وضرب عرض الحائط بأي احتجاجات بأن قصف القناة سيكون غير شرعي بموجب القانون الدولي لكونها مؤسسة مدنية. وتعرض مقر قناة "الجزيرة" حينها في بغداد للقصف المكثف من قبل القوات الأمريكية، مما أدى إلى مقتل الصحافي طارق أيوب واصابة عدد من الفنيين وتدمير المكتب 8 في ابريل 2003، وذلك بعد مرور أسبوعين على طلب بلانكيت من بلير مهاجمتها. كما كشفت مذكرة مسربة العام الماضي تفاصيل نقاشات دارت بين رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش حول قناة "الجزيرة"، وأن رئيس الوزراء البريطاني تمكن من إقناع الرئيس الأمريكي بعدم مهاجمة مقر قناة "الجزيرة" في العاصمة القطرية الدوحة. اما اثناء العدوان الصهيونى الاخير على لبنان فقد تلقى مكتب "الجزيرة" مكالمة من سيدة قالت إنها من رئاسة وزراء الكيان الصهيونى نبهت من خلالها طاقم "الجزيرة" إلى احتمال قصفه من قبل الطيران الصهيوني، وقد استعد صحفيو "الجزيرة" في بيروت بتجهيز مكتب بديل على ضوء السوابق التي حدثت في كابول وبغداد خلال الحروب التي شنتها أمريكا انذاك وكانت تنتهي بقصف مكتب "الجزيرة". وكانت مجموعة تابعة لمكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (FBI) قد اقتحمت شركة "إنفوكوم في دالاس" واستولت على الأجهزة المرتبطة باستضافة موقع "الجزيرة نت"، وفي الوقت نفسه رفضت أكبر شركة برمجيات وأنظمة نشر في العالم عقدا للشراكة مع "الجزيرة" متعللة بتعرضها لضغوط رسمية لا تستطيع تحملها.