أصبحت الأزمة قابلة للتصعيد بين المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان والنظام الانقلابي في مصر برئاسة الجنرال عبد الفتاح السيسي، وتنذر بخيارات سريعة وحاسمة بسبب خطورة وتدهور الأوضاع في ظل سياسة السيسي وتداعياتها الإقليمية، فمنذ تغير رأس السلطة في المملكة وقدوم قيادة جديدة تتبنى سياسة خارجية مختلفة جذريا عن سابقتها إزاء سلطة الانقلاب برزت مؤشرات مبكرة للخلاف بين الرياض والقاهرة، تحولت خلال أشهر قليلة إلى أزمة شديدة الاحتقان بلغت ذروتها في الأيام الأخيرة وكشف غطاءها الأذرع الإعلامية للانقلاب وحملتها المستعرة ضد المملكة وملكها. وتؤكد مؤشرات عديدة أن نظام السيسي أصبح عبئا على دول الخليج والمنظومة الدولية لأنه يعرض المنطقة لاهتزازات إقليمية كارثية في ظل سياسة القمع والإعدامات والاستئصال لجميع التيارات السياسية وانهيار الأوضاع الاقتصادية وانهيار منظومة العدالة، ما يجعل مصر على شفا بركان وثورة جديدة أو موجة من العنف بلا قيادة وسيناريو الفوضى، الأمر الذي يعد غير محتمل وباهظ التكلفة، فالدول العربية والدول الكبرى لا تحتمل سقوط أو انهيار مصر كلية أو دخولها في دوامة السيناريو الليبي أو السوري. ويبقى التساؤل هل باستطاعة المملكة التدخل لإسقاط نظام السيسي لتجنب كوارث وكلفة استمرار بقاءه، وكيف يمكن تنحية نظامه وما البدائل والخيارات المتاحة لإسقاطه وما السيناريوهات المحتملة لمرحلة ما بعد السيسي؟ تساؤلات تشغل النخبة السياسية في عدد من دول الخليج ومصر، بل أصبحت تتكرر بشكل شبه يومي، ما يؤشر إلى أن احتمالية الإطاحة بالسيسي باتت وشيكة ومجرد مسألة وقت بحسب مراقبين، ويؤكد العديد منهم أن الرياض تتحمل مسؤولية أخلاقية وتاريخية لإعادة الأمور لنصابها في مصر. في هذا الإطار طرح عدد من الخبراء والمحللين عددا من البدائل لا شك أن البيئة الإقليمية الداعمة للتخلي عن السيسي وإسقاطه وبخاصة من قبل دولة بحجم السعودية ستساهم بشكل كبير في ترجيح أيا منها باعتبار الرياض هي من تقود دول مجلس التعاون الخليجي. دور مركزي للمملكة "ما الذي على السعودية الجديدة أن تفعله لتصحيح الأوضاع في مصر؟" تساؤل يطرحه الكاتب السعودي عبدالله المفلح في مقاله بموقع صحيفة "التقرير" الالكترونية في 23 يوليو الجاري، يوضح فيه بداية أن "نظام السيسي فشل فشلًا ذريعًا في إدارة مصر منذ الانقلاب العسكري، وكل المؤشرات الحيوية تدل على ذلك، رغم الدعم الخليجي غير المحدود، ورغم غض البصر الدولي، اقتصاد منهار، ومرافق حكومية تثير الرثاء، وأمن متردٍ، وقتل في الشوارع على الهوية وملاحقات واعتقالات وتلفيق قضايا، وقضاء ينخره الفساد، وإعلام مسطول، وجيش يخسر سيناء، وداعش تتمدد". الاعتراف بالخطأ ويؤكد "المفلح" أنه "على الخليجيين أن يعترفوا أنَّهم أخطئوا في دعم الانقلاب العسكري. محذرا من خطورة بقاء نظام السيسي مؤكدا أن "السيسي فاشل بامتياز، لا ذكاء، لا كاريزما، لا حكمة، لا شجاعة، لا رؤية من أي نوع، جل ما يحسنه هو الاستجداء وطلب الرز، والبلطجة ضد المعارضين والناشطين". أما مجيء الملك سلمان لسدة الحكم في المملكة فتمثل العلامة الفارقة في الموقف تجاه الانقلاب وجماعة الإخوان ورؤيتها للوضع الإقليمي وكيفية ترتيب البيت الخليجي والسعودي، ويوضح "المفلح" "أن الملك سلمان جاء برؤية واضحة وسلم أولويات مختلف تمامًا عن سلفه، وعن سلم أولئك المهووسين بالإخوان المسلمين. أولويته في مقاومة التمدد الإيراني ووكلائه الذين باتوا يحاصرون الخليج من الشمال والجنوب والذين يبدو أنَّهم لا يقلقون المهووسين بالإخوان كثيرًا". وفي مؤشر على ضرورة تخلي السعودية عن السيسي يقول "المفلح" إن "السعودية لا تريد بلطجيًا، ولا شحاذًا، ولا نصَّابًا مبتزًا؛ بل شريكًا حقيقيًا، يدرك ضرورات المرحلة وتعقيداتها، يجمع شعبه من حوله، ويرى في السعودية قلب الإسلام النابض والقائدة للمرحلة..وهذا لا ينطبق على نظام السيسي اليوم بكل تأكيد". ضرورة رحيل السيسي في رصد لأهم البدائل يقول "المفلح" أولا: على السعودية أن تقنع دول الخليج، وخصوصًا المصابين منهم بهوس الإخوان، بضرورة رحيل نظام السيسي، وفي حال قبول دول الخليج بفكرة رحيل السيسي؛ فإن على السعودية أن تقود حوارًا جادًا مع المجلس العسكري يضمن تخلي المجلس عن السيسي، مع توفير خروجٍ آمنٍ له من مصر، وتعهد بعدم الملاحقة القضائية دوليًا، وإعادة الرئيس المنتخب د. محمد مرسي بشكل مؤقت، ثم إعلانه عن انتخابات رئاسية مبكرة تتم بمراقبة دولية. فمصر لن تقبل باستبدال حاكم عسكري مكان حاكم عسكري، وكل هذا ينبغي أن يتم التفاوض حوله بالعصا والجزرة مع المجلس العسكري". بدائل حاسمة وناجزة أما في حال رفض المجلس العسكري فكرة إزاحة السيسي، فيطرح "المفلح" توقف دول الخليج عن دعم النظام العسكري ماديًا واستثماراتيًا. ثم تدعم بشكل غير مباشر المجلس الثوري في الخارج بخصوص طلبه وضع اسم السيسي وقيادات المجلس العسكري على قائمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وهي جرائم موثقة ومصورة ومثبتة أدت إلى مقتل المئات في ميداني رابعة والنهضة". كذلك تستطيع السعودية برأيه العمل من خلال جامعة الدول العربية، حيث ستجد الكثير من الدول التي ترفض انقلاب السيسي وتعتبره نظامًا غير شرعي".وتستطيع المملكة الضغط من خلال تركيا، بل ومن خلال الأمريكان الذين يعتبر بعضهم أن انقلاب السيسي على الديمقراطية سيدعم ظهور داعش وتمددها من خلال انضمام الكثير من الشباب الذي سيفقد ثقته بالسلمية والديمقراطية؛ وبالتالي تهديد الأمن الإسرائيلي. الأكثر ترجيحا سيناريوهات أخرى في هذا الشأن يطرحها د.عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، في مقال نشره خلال شهر يونيو الماضي تحت عنوان "هل تعتقد أنه لا يوجد بديل لنظام السيسي في مصر؟ بموقع "ذي كونفرسيشن"، قال فيه: أن "السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن المؤسسة العسكرية، في مواجهة الامتهان بسبب انهيار الأمن القومي (تم الإعلان أنّ سيناء محافظة تابعة لتنظيم داعش)، وانعدام الأمن والاحتمال المتزايد بأن مصر أصبحت دولة فاشلة، تقرر التضحية بالسيسي ككبش فداء. في هذا السيناريو، يسلّم الجيش السلطة لشخص ما (عسكري سابق أو مدني) يفهم المصالح الاقتصادية والسياسية في البلاد". وتابع شاهين:"وفي الوقت نفسه، يبدأ عملية مصالحة وطنية وإعادة البناء السياسي في البلاد. هذا الشخص الجديد سيقود فترة انتقالية قصيرة يمكن فيها إعادة بناء المؤسسات السياسية الفعّالة وسُبل المشاركة في الحياة السياسية". المؤسسة العسكرية أما السيناريو الثاني – بحسب شاهين – هو أن تقرر المؤسسة العسكرية اتخاذ بضع خطوات إلى الوراء وتسليم السُلطة إلى حكومة مدنية ثم تبني صيغة لتقاسم السُلطة. وهذا من شأنه أن يكون نتيجة محتملة لانتفاضة شعبية هائلة تُلقي باللوم على الجيش بسبب الإخفاقات الاقتصادية والسياسية في البلاد. وبطبيعة الحال، فإنّ الطريقة الوحيدة للجيش للسماح بحدوث ذلك سيكون من خلال تأمينه لمصالحه الخاصة والاعتراف أنّه يمكنه العودة إلى هدفه الأصلي وهو الحراسة وليس الحُكم. أما السيناريو الأقل احتمالا- برأي شاهين- أن" السيسي يغيّر سياساته القمعية ويفتح العملية السياسية"، مشيرا إلى "أنّ السبيل الوحيد لتصوّر هذا السيناريو هو إذا اعترف السيسي، الذي يواجه انتقادات دولية متزايدة لفشله في استعادة أمن المجتمع واستقرار الاقتصاد، بهزيمته. وهذا لن يتحقق في ظل رؤية السيسي لنفسه، في الداخل والخارج، على أنّه رجل قوي قادر على القضاء على الإرهاب وتوفير الأمن لشعبه". هل تستطيع المملكة؟ ولكن هل تستطيع السعودية في التوقيت الراهن اتخاذ خطوة الإطاحة بالسيسي أو بحث بدائل ما بعد السيسي، فالمملكة منغمسة في ترتيب البيت من الداخل حتى الآن، وبحرب إقليمية مفتوحة باليمن، تهدد أمنها القومي واستقرارها وحدودها وبخاصة مع تصاعد التفجيرات الطائفية، إلا أن خبراء يرون أن تأخر استبدال السيسي يدخلها في دوامات أكثر خطورة محذرين من انهيار مصر كلية، مؤكدين أن الأمر يتطلب تدخل سريع وعاجل، ويطرحون بدائل الخروج الآمن للسيسي، أو تقديمه ككبش فداء، وتصدر المجلس العسكري المشهد ثم التفاوض معه والدخول في مصالحة، ويعد إعادة ترميم العلاقة مع الإخوان المسلمين وحركة حماس والحملة الانقلابية الشرسة ضد "سلمان" دليل على سير الرياض بهذا الاتجاه. السيسي وسياسة الابتزاز ويعتبر مراقبون أن إزاحة نظام السيسي بذاته يمهد لحل الأزمة اليمنية والسورية والليبية والتي يتبنى فيها رؤية مغايرة تماما للرياض تمثل ابتزازا وتلاعب بالورقة الإيرانية. ويكشف ذلك بقوة ما يعرف بالأذرع الإعلامية للانقلاب والتي تشن حملة شرسة متصاعدة ضد سلمان، حيث هاجمت مجلة " روز اليوسف " – المملوكة للحكومة المصرية - السعودية بعد "استقبال الملك سلمان لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ومد الجسور مع إخوان اليمن الذي يهز الجسر بين الحليفين" – على حد قولها – مطالبة "عودة العلاقات المصرية – الإيرانية الذي بات أكثر من ضرورة"، مؤكدة أن "السعودية باعت مصر " – رغم أنها أكبر داعمي الانقلاب. جاء ذلك بعد هجوم مماثل شنه الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في جريدة "السفير اللبنانية" التابعة لحزب الله الشيعي، والذي انتقد فيها الملك سلمان شخصيا واصفا إياه " انه ليس حاضرا بما يكفي "، وكذلك مقال لرئيس تحرير الأهرام محمد عبد الهادي علام، هاجم السياسة السعودية، واصفا إياها " بالجهل وقصر النظر والاستعباط السياسي"، معتبرا استقبال المملكة لرئيس المكتب السياسي لحماس تقوية لشوكة جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي، وترويجا لسياسة التحالف معها.