قال المهندس يحيى حسين أنه يتمتع بعقيدة المحارب، الذى أقسم على حماية أرض بلاده من كل سوء.. وهى العقيدة، حسب وصفه، التى دفعته باعتباره «أحد الضباط المتقاعدين»، لتقديم بلاغ للنائب العام العسكرى يتهم فيه «أحمد عز»، أمين تنظيم الحزب الوطنى، بتوجيه عبارات «مهينة لمصر وجيشها. جاء ذلك فى حوار للمهندس يحيى حسين مؤسس حركة "لا لبيع مصر" مع جريدة "المصرى اليوم" المستقلة فى عدد الخميس (8-4).
نص الحوار ■ بصفتك «عسكرى متقاعد»، كيف استقبلت كلمات أمين تنظيم الحزب الوطنى فى البرلمان؟ - فى البداية تلقيت اتصالاً هاتفياً يخبرنى بما قاله أحمد عز، فطالعت نص ما قاله فى المواقع الإلكترونية، وأعدت قراءته فى جميع الصحف المستقلة الصادرة فى اليوم التالى، وهو ما أكد لى صحة الخبر، بعد أن تمنيت خطأه، وقتها غرقت فى شعور شديد بالدهشة الممزوجة بالإهانة، وتساءلت «كيف وصلنا إلى هذا التدنى؟ ومن الذى قذف بنا إلى هذا القاع السحيق؟»، شعرت بغصة فى حلقى لأننى لم أتصور أن يتم التعامل مع مؤسسة وطنية يقدسها كل المصريين بهذه الخفة. ■ ولكن المهندس أحمد عز نفى صدور هذه التصريحات وكتب مقالاً يوضح وجهة نظره؟ - اعتاد عز ورجاله التعامل مع الشعب المصرى بقدر كبير من الاستخفاف، ومقاله لا يمثل اعتذاراً بقدر ما يمثل تبريرا لفعل لا يوجد ما يبرره.. وعلى مدى أسبوعين تابعت كل وسائل الإعلام أبحث عن اعتذار من أمين تنظيم الحزب الحاكم، فلم أجده، رغم تزايد الانتقادات الموجهة له من الكتاب الوطنيين، ولكن إصراره على عدم التراجع، وكونه «استكثر» الاعتذار بشكل واضح وصريح للمواطن المصرى الذى أهانه فى واحد من أهم رموزه وهو الجيش المصرى دفعنى لتقديم البلاغ. ■ كيف تطور الموقف تجاه «عز» لدرجة تقديم بلاغ للمدعى العام العسكرى؟ - مع مرور الوقت استشعرت المزيد من الغضب والألم، وقابلت أصدقاء فى الجيش المصرى متقاعدين مثلى، شعروا بالألم والإهانة للصورة الذهنية القبيحة التى حاول أحمد عز تصويرها لهم، وهو ما دفعنى لتقديم بلاغ للمدعى العام العسكرى وليس للنائب العام، لأن الجريمة فى حق القوات المسلحة، ولأننى كمواطن مصرى عادى من 80 مليون مواطن شعرت بالإساءة للجيش المصرى الذى أقدسه وأضعه مثل كل المصريين فى صدارة الرموز الوطنية، بالإضافة إلى أننى شرفت بالعمل كضابط مهندس فى القوات المسلحة لفترة طويلة من الزمان. ■ متى انضممت للقوات المسلحة؟ - التحقت بالجيش عام 1972، ومثلى مثل الآلاف من المصريين الذين تقدمنا للخدمة فى القوات المسلحة تطوعا دون أى اعتبار للحسابات المادية الرخيصة التى قيلت فى حقنا تحت قبة البرلمان، وأنا شخصياً كان مجموعى كافياً لكى ألتحق بأى كلية فى جمهورية مصر، ولكنى فضلت الانضمام متطوعا ومفتخراً للجيش للمشاركة فى حمل الهم وطنى، ولو حسبناها بالفلوس كان بقى الحال غير الحال، ولكننا كجيل تربينا على عقيدة القوات المسلحة المصرية التى تتلخص فى معادلة بسيطة جداً، هى: أن حفنة من تراب الوطن تساوى روح جندى، وهى عكس عقيدة أصحاب الفكر الجديد وعكس ما اتهمنا به تحت قبة البرلمان. ■ كضابط انضم للقوات المسلحة وعايش نصر أكتوبر، كيف تنظر لما قاله «عز» فى إطار مجموعة «الفكر الجديد»؟ - مجموعة الليبرالية الجديدة فى الحزب الوطنى لا تعبر إلا عن نفسها، ولا تعبر عن الجيل كله، لأن المصريين بكل أجيالهم توارثوا طوال التاريخ احترام الجيش المصرى، ولكن مجموعة الفكر الجديد اعتادت النظر لكل القيم الوطنية باستخفاف، وهى مجموعة شديدة التطرف فى تقييم كل الأمور بطريقة مادية، ويزنون كل شىء بميزان المكسب والخسارة، ودائماً ما يخلطون بين مفاهيم «الوطن» و«الشركة المساهمة» المعرضة للبيع فى حالة تقديم عرض مالى مغر. ■ «دم جديد وفكر جديد».. شعارات يرفعها الحزب الحاكم، هل وجود أجيال جديدة فى موقع المسئولية يؤثر على النظرة لمؤسسات الدولة؟ - لا أعتقد، والجميع يحترم الجيش المصرى ويقدر دوره فى حفظ أمن وسلامة مصر، ولكن يبدو أن السيد أحمد عز الذى اعتاد تحريك النواب الدمى فى مجلس الشعب بإشارة من يده، تقمص دور القائد وبدأ يتحدث بجرأة عن الحرب، وتوقيتها وكيفية تمويلها، وهو ما يدفعنا للتساؤل: من أين له هذا الاجتراء، وكيف يتحدث بهذه الجرأة ويساوى بين دم الشهيد وأسياخ الحديد؟!.. فعقيدة القوات المسلحة الحقيقية تتنافى مع كل ما قاله عز الذى صور الجيش المصرى كجيش من المرتزقة، رغم أن الرفاهية والرخاء اللذين يحيا فيهما عز هما ثمرة لتضحيات رجال أشراف لهذه المؤسسة العريقة، ألقوا بأجسادهم أمام دبابات العدو وفى فوهات مدافعه دون أن يفكروا لحظة واحدة فى هذه الحسابات المادية الرخيصة، وجيشنا عبر تاريخه غالبا ما ينتصر، ولا يرتزق أبدا، ولا يعمل بأجر، فنحن نحارب حتى ولو مفلسون، فى حالة لزوم الحرب، وفى غير ذلك لا نحارب ولو عرضت علينا أموال الدنيا كلها. ■ ولكن «عز» استشهد فى مقاله المنشور على صفحات «أخبار اليوم» ببعض مواقف الرئيس عبدالناصر واقتبس بعض تعبيراته؟ - بالتأكيد لا يعرف «عز» عن الزعيم جمال عبدالناصر الكثير، وأدعوه للقراءة عن واقعة شهيرة حدثت بمؤتمر القمة العربى بالرباط، وقتها كانت بعض الدول العربية تخصص لمصر أثناء الحرب مبلغاً حوالى 90 مليون جنيه، وفى إحدى الجلسات أثناء انعقاد المؤتمر، استشعر «ناصر» أن بعض الدول العربية الممولة تعطى لنفسها الحق فى مراجعة ما تفعله مصر، فانتفض وأعلن رفضه أى تمويل، وقال: «سوف نخوض معركتنا وحدنا، ونحن قادرون على ذلك». وترك القاعة ومضى، فهرول وراءه الملوك والرؤساء العرب يعتذرون، فى مقدمتهم الملك الحسن المضيف للقمة. ■ اقتبس «أحمد عز» فى مقاله تعبير «الهجوم من خلال الجبهة الداخلية» من إحدى خطب الزعيم الراحل.. فكيف ترى هجوم الحزب الوطنى على «الجبهة الداخلية»؟ - الحقيقة الحزب الوطنى يقوم بهجوم جبار على الجبهة الداخلية.. وسقوط المصريين ضحايا كل يوم فى القطارات والعبارات وتحت الصخور، خير دليل على قوة ونجاح الهجوم، أما لو يقصد «أمين السياسات» بالهجوم «تنمية» الجبهة الداخلية، فيجب الرد عليه بأن مصر تتأخر داخليا بسبب سياسات حزبه، وفساد رجال الأعمال.. العملية ماشية لورا، وما يحدث فى مصر على مستوى الاقتصاد من فساد يوازيه على مستوى السياسة التنكيل واعتقال المعارضين مثلما حدث فى 6 أبريل، وهو ما يدفعنى للقول ل«أمين التنظيم فى الحزب الحاكم»: «يوما ما.. كلكم هتتحاسبوا».